أجرى رئيس الحكومة المؤقتة مؤخرا حركة جذرية في سلك الولاة شملت تعيين 18 واليا من جملة 24 وهي الخطوة الاولى والحقيقية التي بدأ من خلالها مهدي جمعة في تنفيذ بنود خارطة الطريق التي رسمها الرباعي الراعي للحوار الوطني. وتتمثل أبرز بنود هذه الخارطة في مراجعة التعيينات التي قامت بها حكومتا «الترويكا» سيما التعيينات التي لها صلة مباشرة بالمسار الانتخابي وبالدرجة الاولى سلك الولاة في انتظار إجراء تحويرات أخرى في سلك المعتمدين والعمد. ولئن وجدت هذه الخطوة الاولى في إقرار حركة في سلك الولاة استحسانا لدى مختلف الأطراف السياسية في انتظار تحويرات أخرى أكثر قوة وجرأة، فإن حركة الولاة لم تمر من دون أن تخلف وراءها العديد من نقاط الاستفهام بل وحتى الاستغراب. نقاط استفهام وغموض أول الملاحظات التي خلفت نقاط استفهام تتمثل بالأساس في غياب أو تغييب تعيين ولاة من جهة الساحل. فالمتأمل في السيرة الذاتية للولاة الجدد ومساقط رؤوسهم يلاحظ بالتأكيد عدم تواجد من هو من الساحل، وفي جرد لأماكن ولادة الولاة الجدد نلاحظ مثلا انه تم تعيين 3 ولاة من ولاية القصرين و3 من بنزرت و2 من صفاقس و2 من زغوان و2 من مدنين و2 من الكاف ووال من كل من قفصة وباجة وسليانة وسيدي بوزيد. ولم تشمل الحركة الجديدة أي وال من جهة الساحل وهو ما يفتح باب التأويل على مصراعيه عن إمكانية،( ونسوق هذه الفرضية بكل احتراز)، تعمد إقصاء الكفاءات من الساحل والقطع الكلي مع الممارسات السابقة في عهد بن علي الذي كان يقوم بتعيين جل المسؤولين السامين وفي المواقع الحساسة للدولة من جهة الساحل بحكم الانتماءات الجهوية. وكان كاتب الدولة للشؤون الجهوية والمحلية بوزارة الداخلية عبد الرزاق بن خليفة قد صرح في وسائل الإعلام أنه تم الاشتغال لمدة طويلة والتدقيق مليا في اختيار الأشخاص المناسبين لتعيينهم في مناصب الولاة وذلك على أساس جملة من الشروط والمقاييس لعل أبرزها نظافة اليد والحياد والاستقلالية والنزاهة بما من شأنه ان يساعد على المساهمة في إنجاح الانتخابات القادمة. وعلى خلفية هذه المعايير يمكن التساؤل: ألا توجد كفاءات تونسية وشخصيات محايدة وتتمتع بنظافة اليد في جهة الساحل التونسي؟ إقصاء جديد للمرأة وعدم احترام التناصف من ضمن الانتقادات الموجهة لرئيس الحكومة خلال إجرائه للحركة الأخيرة للولاة الإقصاء المتجدد للعنصر النسائي (للتذكير فإن حكومته تضم 3 نساء فقط؟) بما يعمق الهوة في تغييب تواجد المرأة في مواقع القرار المتقدمة وضرب المبادئ الدستورية الجديدة. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو هل تم فعلا خرق الفصل 46 من دستور تونس الجديد المتعلق بالتناصف بين الرجل والمرأة؟ وينص الفصل 46 من الدستور صراحة على أن «تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها. وتضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات.و تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين الرجل والمرأة في المجالس المنتخبة. كما تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة. وعليه يبدو انه تم خرق أحد أهم مبادئ التناصف، إذ أن الولاة الجدد كلهم من الرجال ممّا يكرس استثناء صريحا للعنصر النسائي وإقصاءه إذ أن رئيس الحكومة الذي اطلع على حركة الولاة وأبدى موافقته بشأنها بوصفه الذي يجسم السلطة التنفيذية لم يراع تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة. ومن التبريرات التي قد يتم تقديمها هو أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد منذ سنة 2011 تستوجب تعيين العنصر الرجالي باعتبار انه الأقدر والأجدر على إدارة وتسيير شؤون الولاية سيما أن هناك بعض الولايات تشهد حالات متواصلة من الاحتقان الاجتماعي. الملاحظة البارزة ضمن هذا السياق هو انه سجل فشل في أول اختبار لتجسيم مبادئ الدستور الجديد سيما في ضمان التناصف بين الرجل والمرأة. أين الشباب؟ من بين النقاط السلبية للحركة الأخيرة للولاة تغييب جديد للعنصر الشبابي. فقد تم اختيار ولاة تجاوزوا عقدهم الخامس من العمر وعلل كاتب الدولة للشؤون الجهوية والمحلية هذا الاختيار بالمراهنة على كفاءات تعمل بالإدارة التونسية منذ أكثر من 20 سنة وبأن رتبهم كمديرين أو مديرين عامين تضمن لهم خبرة وحرفية في إدارة شؤون الإدارة والإلمام بالمسائل الإدارية والتصرف. ورغم جدوى هذا الاختيار فقد كان من الأحسن إقحام العنصر الشبابي في هذه الحركة وإعطاء رسائل إيجابية تترجم التعويل على الطاقات الشابة في الشأن العام سيما أن تونس تزخر بالطاقات والكفاءات الشبابية القادرة على تقديم الإضافة وأخذ المشعل.