فجأة وبلا سابق انذار سقط كل شيء في الماء وتداعت أسس العلاقة التي بنتها الأم في البيت ودعّمها المعلمون في أقسامهم بين الأستاذ وتلميذه ما إن باشر لديه أوّل درس خصوصي حسب معلوم مالي أطاح بقداسة الأستاذ وأحاله على سوق المقايضة والبيع والشراء... وإن كانت المشاريع بشتى أنواعها يمكن عرضها أمام الزبائن فالعلم لا يمكن في كل الحالات أن يتحوّل إلى بضاعة يحكمها المال والدّليل أن « صف الياجور» سقط على الأرض ومعه انخرمت علاقة الاحترام والتقدير والتقديس بين التلاميذ وأساتذتهم فتطوّرت الأمور وتوسّعت دائرة اللقاءات إلى «الفايسبوك» والهواتف الجوّالة إذ من خلالها صار التلميذ يتعرّف على أعداده ومعدّلاته ومواعيد فروضه وعناوين دروسه تأتيه واضحة وضوح الشمس يقدّمها الأستاذ بلا تردّد طالما الحساب يأتي كل آخر شهر بعد الختم على حصص الدروس الخصوصية. وقد لاحظ الأولياء هذا التقارب الفظيع بين أبنائهم وأساتذتهم وتحسّروا على الماضي البعيد لما كانت هيبة الأستاذ في الميزان لا يمكن اطلاقا خدشها أو المسّ منها لأن الأمر يتعلق بمجال التربية بما فيها من احترام وتقدير وتبجيل يتربى عليها الطفل في المنزل بين أفراد أسرته ويدعّمها في محيطه المعيش ويثمّنها لدى أساتذته في خانة العلوم والمعارف لتظل المؤسسة التربوية منارة علم وأخلاق... وهذا الوضع جعل المجتمع المدني عند مناقشة المنظومة التربوية ينادي بوجوب الصرامة والحزم والجديّة من قبل الإطار التربوي وخاصة في الاعداديات والمعاهد الثانوية ولم لا العودة إلى العقوبات الادارية في خانة الانضباط مثلما كانت عليه في السابق وأهمّها الحجز يومي السبت والأحد في قاعات المراجعة حتى نضرب عصفورين بحجر واحد... وللأمانة فإن هذه الظاهرة مسّت الواقع التعليمي في الصميم وأزاحت من نفوس التلاميذ الرّهبة والخشية وهما صفتان لا بدّ منهما في شخصية الطفل حتى لا ينمو ليّنا وطريّا ينظر إلى الأمور مهما كان وزنها في حياته بلا جدّية أو حزم فيكون الحصاد ذابلا على قدر العطاء.... وعطاء التلميذ يتحكم فيه المربّي بدرجة كبيرة لأنه هو من يزرع في نفسه أسمى صفات الطفل الجدّي والمنضبط ويربّيه على أن الإحترام هو أساس الفعل التربوي من الإبتدائي... مرورا بالاعدادي والثانوي ... وصولا إلى التعليم العالي بعيدا عن المتاجرة بالدروس الخصوصية .