صادق أمس المجلس الوطني التأسيسي في جلسة عامة ترأسها رئيس المجلس مصطفى بن جعفر وحضرها 135 نائبا على تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة التي ستشرف على مسار العدالة الانتقالية مسدلا بذلك الستار على كامل أعمال المرحلة التأسيسية التي استمرت لأكثر من سنتين. ولم يحجب تصويت 98 نائبا على التركيبة «التوافقية» لهيئة الحقيقة والكرامة تواصل مؤاخذات واحترازات بعض الكتل البرلمانية ومكوّنات المجتمع المدني على التجاوزات التي حدثت صلب لجنة فرز الترشحات لعضوية هيئة الحقيقة والكرامة والتي نتج عنها تواجد بعض الأسماء صلب الهيئة تحوم حول مصداقيتهم واستقلاليتهم الشبهات. مقاطعة التصويت وفي هذا الصدد قاطعت كتلة «المؤتمر من أجل الجمهورية» جلسة التصويت، وشرحت أسباب ذلك بحسب بيان تحصّلت «التونسية» على نسخة منه، بالخرق الواضح للفصل 22 من القانون الأساسي المتعلّق بارساء العدالة الانتقالية وتنظيمها والقاضي في نقطته الثالثة برفض ترشح «من يكون قد تقلّد منصبا نيابيا أو مسؤولية صلب الحكومة بداية من الأول من شهر جويلية 1955» بحيث أنّ أحد المرشحين لعضوية هيئة الحقيقة والكرامة كان نائبا في برلمان بن علي في سنتي 1994 و1995». وبيّن نصّ البيان أنّ اعتراض الكتلة لم يكن على الأشخاص، بل كان تناسقا مع عقلية احترام الهيئة الواضح والذي لا لبس فيه، وأنّ الهدف من هذا الموقف لم يكن تعطيل التسريع في انشاء الهيئة بشكل توافقي وانّما سعيا الى ارسائها في كنف احترام القانون والتشريع، خاصة أنّ الهيئة ستكون بمثابة الحجر الأساسي وربّما الوحيد الآن في المحاسبة والمصالحة وأنّ التعويل عليها أساسي لتفادي البطء والأخطاء التي تمّت في السنوات الأخيرة. مخالفة القانون من جهة أخرى سجّلت الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية استغرابها ودهشتها من موقف لجنة الفرز في رفض الاعتراضات التي تقدمت بها الشبكة بالرغم من تأكيد بعض أعضاء لجنة الفرز أنّ الشبكة تقدّمت بوثائق ومؤيدات قوية تدعم اعتراضها على ترشيح كل من خميس الشماري وخالد الكريشي. واعتبرت الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية على رأي رئيسها كمال الغربي، أنّ لجنة الفرز خالفت مقتضيات قانون العدالة الانتقالية في الفصول عدد 21 و22 و24 ممّا جعلها كممثل للمجتمع المدني تندّد بهذا الخرق الواضح للقانون الذي لم يجفّ حبره بعد والذي تمّت المصادقة عليه في المجلس الوطني التأسيسي بتاريخ 15 ديسمبر 2013 وهو ما يتناقض وسعي الجميع في بناء دولة القانون والمؤسّسات. وأكّد رئيس الشبكة العزم على رفع قضية استعجالية للمحكمة الادارية للطعن في قرارات لجنة الفرز بقبول المترشحين المذكورين أعلاه وطلب تعويضهما فوريا وفقا للفصل 24 من قانون العدالة الانتقالية باعتبارهما لا يستجيبان للشروط المنصوص عليها بهذا القانون، خاصة وأنّ هيئة الحقيقة والكرامة هي هيئة مصيرية لعملية الانتقال الديمقراطي وكل مخالفة قانونية في نشأتها ستضرّ بنجاحها في تحقيق أهداف العدالة الانتقالية من كشف للحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة وجبر ضرر الضحايا وردّ الاعتبار لهم واصلاح المؤسسات الأمنية والاعلامية والقضائية التي تمّ توظيفها كأدوات للانتهاكات الماضية لحقوق الانسان الشاملة. كما عبّرت الشبكة على رفضها وشجبها لمجمل الدعوات الصادرة من بعض الأطراف السياسية لطيّ صفحة الماضي ودعم المصالحة الوطنية دون البحث عن المساءلة والمحاسبة للمسؤولين عن الانتهاكات السابقة والاكتفاء بالتعويضات المالية للضحايا لشراء صمتهم وغلق ملفات الفساد والاستبداد. اختلافات حول المحاكم المختصة من جهة أخرى، وفور المصادقة على تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة، نظرت الجلسة العامة في مشروع القانون الأساسي المتعلّق باحداث دوائر قضائية متخصصة لمقاضاة شهداء الثورة ومرتكبي الاعتداءات على جرحاها وايقاف التتبعات ضدّ المشاركين في احداث الثورة. ولئن اتفق أغلب النواب على ضرورة ايجاد صيغة قانونية لاخراج قضايا شهداء الثورة وجرحاها من مرجع القضاء العسكري، فإن مجمل الآراء والتدخلات تباينت في خصوص «آليات التنفيذ»، حيث تمسّك بعض النواب بمعارضتهم للمشروع معتبرين ايّاه شكلا من أشكال ردّ الفعل المتسرّع على الأحكام الصادرة وقد يحدث نوعا من الفوضى القانونية والتشريعية وارباكا للمنظومة القضائية، مشيرين الى أنّ تنقيح القانون الأساسي المتعلّق بتنظيم العدالة الانتقالية في فصله الثامن يعدّ الحلّ الاسلم للقضية خصوصا بعد رفض الهيئة الوقتية للقضاء العدلي شكلا ومضمونا لفحوى مقترح القانون، اضافة الى أنّ سنّه (القانون) يبقى رهين نقض محكمة التعقيب للأحكام الاستئنافية الصادرة في هذه القضايا اذ يمكن لمحكمة التعقيب أيضا اقرار ما قضي سابقا. وعلى العكس من ذلك، أكّد شقّ آخر من النواب على ضرورة احداث امّا محاكم متخصّصة أو دوائر متخصّصة تعهد لها هذه القضايا وتكون تركيبتها من قضاة نزهاء يتم اختيارهم بعناية كبيرة. وتمّ التذكير في هذا السياق بما نصّ عليه الفصل الثامن من قانون العدالة الانتقالية والذي تضمن احداث دوائر متخصّصة تتكون من قضاة يتم اختيارهم من بين من لم يشاركوا في محاكمات ذات صبغة سياسية، ومحذّرين من التعامل مع قضايا شهداء وجرحى الثورة كقضايا حق عام بدل جرائم ثورة ومقاومة، داعين الى ضرورة وضع اجراءا ت خاصة لها (الدوائر المختصة) ومنحها صلاحيات كبيرة كتلك الممنوحة لهيئة الحقيقة والكرامة في الفصل 40 من قانون العدالة الانتقالية والمتعلّق خاصة بالنفاذ الى الأرشيف العمومي، في حين رأى بعضهم الآخر أنّ الدعوات لاحالة القضايا سواء التي مازالت منشورة أمام القضاء العسكري أو التي من الممكن أن ترجع له لاعادة النظر فيها في حالة النقض الى المحاكم العليا لا تبدو خيارا ناجعا نظرا لما يعانيه القضاء العدلي من فساد خاصّة أنّه لم يخضع لاصلاح شامل بعد الثورة على حدّ رأي عبد الرؤوف العيادي رئيس حركة وفاء.