عاجل/ إقرار هذه الاجراءات لمداواة البعوض بسبخة السيجومي    نسبة التضخم تتراجع الى مستوى 6ر5 بالمائة خلال شهر أفريل 2025    قابس: مستثمرون من عدّة دول عربية يشاركون من 07 الى 09 ماي الجاري في الملتقى العربي للاستثمار السياحي والاقتصادي بقابس    شراكة تونسية قطرية لتعزيز القطاع الصحي: 20 وحدة رعاية صحية جديدة خلال 3 أشهر    الحماية المدنية تنبّه من الممارسات التي تساهم في اندلاع الحرائق    عاجل/ إعلام إسرائيلي: تم تدمير ميناء الحديدة في اليمن بالكامل    الهيئة المديرة لمهرجان سيكا جاز : تاكيد النجاح و مواصلة الدرب    زغوان: رفع 148 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 22 طنّا من السكر المدعم    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة الأخيرة لموسم 2024-2025    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: ايقاف مباراة الملعب القابسي ومستقبل القصرين    برلمان: لجنة العلاقات الخارجية تنظر في أولويات برنامج عملها    الجمعية التونسية للزراعة المستدامة: عرض الفيلم الوثائقي "الفسقيات: قصة صمود" الإثنين    ثلاث جوائز لتونس في اختتام الدورة 15 لمهرجان مالمو للسينما العربية    انخفاض أسعار البطاطا في نابل بفعل وفرة الإنتاج والتوريد    تداول صور "احتجاز" للنائب الليبي إبراهيم الدرسي تثير تساؤلات    عاجل/ بلاغ هام من الجامعة التونسية لكرة القدم    وزير الاقتصاد والتخطيط في الكاف : لدينا امكانيات واعدة تنتظر فرص الاستثمار    أريانة: سرقة من داخل سيارة تنتهي بإيقاف المتهم واسترجاع المسروق    قضية قتل المحامية منجية المناعي وحرقها: إدراج ابنها بالتفتيش    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    عاجل/ رفض الإفراج عن هذا النائب السابق بالبرلمان..    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    عاجل - سيدي حسين: الإطاحة بمطلوبين خطيرين وحجز مخدرات    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    في قضية مخدرات: هذا ما قرره القضاء في حق حارس مرمى فريق رياضي..#خبر_عاجل    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    السجن لطفل شارك في جريمة قتل..وهذه التفاصيل..    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    احتلال وتهجير.. خطة الاحتلال الجديدة لتوسيع حرب غزة    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    رفع اكثر من 36 الف مخالفة اقتصادية الى أواخر افريل 2025    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحبيب الكزدغلي (عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة) ل «التونسية»:لا علاقة لي باسرائيل لا في السرّ ولا في العلن
نشر في التونسية يوم 10 - 06 - 2014

«أبو عياض» خطب في أتباعه أمام الكلية ليلة إنزال العلم الوطني
نحن ضد توظيف الجامعة للسياسة بيمينها ويسارها
تضخم بطالة عالمة أفضل من تضخم الجهل والأمية
حكومة السبسي وقفت في صف الجامعة و «الترويكا» برّرت «احتلالها»
هكذا عشت حصار «كتيبة السلفيين» للكلّية
حاوره: عبد الرزاق بن رجب
الدكتور الحبيب الكزدغلي باحث في التاريخ اختص منذ سنوات في دراسة الأقليات العرقية والدينية والثقافية، له عدة دراسات حول اليهود والمسيحيين والإباضية والبربر والسود وبعض المؤلفات حول تاريخ الحركة الوطنية. أثار منذ تقلده منصب عميد بكلية الآداب بمنوبة عدة اشكاليات فلئن عدّه البعض في الداخل والخارج مثالا للأكاديمي الحرّ المدافع عن حرمة الجامعة وعن ثوابتها وعن النمط المجتمعي بصفة عامة فقد عدّه البعض الآخر متآمرا على الدين قامعا لحرية اللباس (النقاب) معاديا شرسا للدين الاسلامي وذهب البعض الى حده اتهامه بالعمالة لجهات أجنبية والتطبيع مع اسرائيل.
في الحوار التالي يجيب العميد عن كل الأسئلة الحارقة التي تتعلق بالاتهامات الموجهة اليه وب «غزوة الكلية» ونظرته الى تموقع الجامعة بصفة عامة في الحراك الذي تعيشه البلاد خاصة بعد الثورة.
علمنا انك حصلت على جائزة Courage to think فلو عرفت القرّاء بهذه الجائزة وبالمقاييس المعتمدة في اسنادها؟
هي جائزة تمنحها منظمة «جامعيون في خطر» الدولية والتي تضم 350 جامعة من 37 دولة ومقرها جامعة نيويورك بالولايات المتحدة. وهي منظمة لم اكن اعرفها لأن الجامعات التونسية لم تكن منخرطة بها واول اتصال لي بها كان في شهر افريل 2012، حيث دعيت لإلقاء محاضرات واجراء اتصالات حول وضع الجامعة التونسية في الفترة الانتقالية انطلاقا مما عرفته كلية منوبة في تلك السنة وكنت ضمن وفد ضم الاستاذة اقبال الغربي التي تعرضت بدورها الى ضغوطات. في نفس تلك الفترة لاجبارها على مغادرة اذاعة الزيتونة من طرف عادل العلمي رئيس أحد الأحزاب السلفية.
وخلال هذه الزيارة علمت ان هذه الجمعية تتابع ما يجري في الجامعة التونسية وعلمت أيضا انه سبق لها أن دافعت عن الدكتور منصف المرزوقي عندما حرم من التدريس بالجامعة وتعرض لضغوطات. ولما زار الوفد تونس في شهر جوان 2012 كانت له عدة لقاءات واستقصاءات من بينها مقابلة الرئيس منصف المرزوقي. كما أن الجمعية تابعت المحاكمة التي كنت ضحيتها بمختلف أطوارها وبمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي للجمعية الذي يتم كل 3 سنوات وكان هذه المرة في هولاندا، تمت دعوتي كضيف شرف لأنه وللأسف لا توجد أية جامعة تونسية منخرطة في هذه الشبكة وتم بالمناسبة منحي هذه الجائزة واعتبرتها تكريما لتونس وللجامعة التونسية.
وأنت تتصدّى ل «غزوة» كلية الآداب بمنوبة.. ألم تكن تخشى التصفية الجسدية أو التطبيق التعسفي للقانون؟
لقد كانت بالفعل غزوة بمختلف المقاييس وقد اتسمت بالغدر وبطرق تعتمد المباغتة. تمت مداهمة الحرم الجامعي يوم الاثنين 28 نوفمبر 2011 وحلت جحافل من الغرباء عن الكلية جاءت مددا لبعض الطلبة المتشددين بها وما لا يعرفه أغلب الناس اننا واجهنا منذ البداية مطالب الطلبة المتشددين بالحوار ومحاولة اقناعهم رغم انه لا علاقة لمطالبهم بالمطالب النقابية المشروعة وانما كانت مطالب تروم تغيير النمط المجتمعي التونسي. فمثلا صبيحة يوم الثلاثاء 25 اكتوبر اعلنت احدى المتنقّبات لأستاذتها بقسم العربية أن الحزب المنتصر في الانتخابات منذ يومين هو حزب اسلامي وتقصد «النهضة» وأنه ليس ضد النقاب وسيطبق شرع الله. ودخل اعضاء من المجلس العلمي ونقابة الطلبة المنتمية لهم فتبين لنا ان غاياتهم تغيير النمط المجتمعي انطلاقا من النقاب داخل حصص الدروس والامتحانات مرورا بالمصلّى ومنع الاختلاط وصولا الى الفصل التام بين الجنسين في الجامعة.
كانت «غزوة» منوبة مجرد مقدمة تكشف نواياهم في تغيير حياة البلاد أعقبتها سلسلة احداث من بينها التلفزة و«المنقالة» والصيدلية وغيرها وكان تمزيق العلم يكشف حقدهم على الوطن وما لا يعرفه الناس ان ابا عياض جاء عقب تمزيق العلم وخطب في أتباعه امام الكلية ليلا وقد بشر فعلا بثقافة جديدة واعترف بصلته بممزق العلَم الذي استشهد من اجله الآلاف في حرب التحرير والذي لم ينل الا اربعة اشهر مع تأجيل التنفيذ.
في غزوة الكلية عشت مع زملائي بالفعل أياما عصيبة مدافعين عن الحرم الجامعي وعن التقاليد الجامعية. وقد سبق ان دافعنا في عهد الاستبداد عن استقلالية الجامعة وحرية البحث نذود عن أسوارها ضد اي توظيف ديني او سياسي من السلطة او من غيرها. وكنا بذلك ندافع عن تراث اجيال متعاقبة عن مدرسة تركت لنا حرة وسنحافظ عليها كذلك.
وعندما قمت بالدفاع صحبة زملائي وطلبتي لم نكن نخشى العواقب بل ربما لو أبدينا مرونة تجاه ذلك الاقتحام الغاشم لما سامحت نفسي مطلقا ولكنت الآن معذب الضمير رغم ما لحقني من اهانة وبصق على وجهي ودفعي عديد المرات واسقاطي في الماء وانا فخور بالقليل الذي قدمته انا وزملائي وطلبتنا.
فالجامعة قدمت لنا الكثير، كنت من أسرة متواضعة وكنت اشتغل في بيع المرطبات في العطل والمدرسة والجامعة هما اللتان سمحتا لي بتحسين وضعي انا وابناء جيلي، لقد كانت المدرسة بالفعل المصعد الاجتماعي ومهما قدمنا لها لن نفيها حقها وكل كلام عكس هذا هو جحود لمكاسب حكومات الاستقلال المتعاقبة واليوم رغم تفاقم بطالة اصحاب الشهائد العليا في البلاد علينا ان نعرف أن تضخم بطالة عالمة أفضل من تضخم الجهل والأمية.
عندما كانت قلعتك محاصرة بكتيبة سلفية هل كان هناك تضامن من المجتمع المدني؟ وكيف تعاملت سلطة الاشراف مع هذا الموضوع في عهد السبسي وفي عهد «النهضة»؟
كان رد فعل عفوي لكنه في منتهى القوة في المجتمع المدني ففي الليلة الفاصلة بين 28 و29 نوفمبر 2011 ظلت الوفود تتوالى الى ساعات الفجر الاولى معبرة عن استعدادها للذود عن الحرم الجامعي وهو ما شد من عزمي رغم اني كنت محاصرا في مكتبي وكان الجميع يعتبرون الجامعة مكسبا وطنيا جماعيا. وفي الحقيقة كان للاعلام دور مهم في ثباتنا وفي ايصال أصواتنا للرأي العام ومنذ ساعات الحصار الاولى وقع إعلام الرأي العام بما نتعرض له وبنوايا هؤلاء المتشددين. وفي المقابل كانت هنالك دعاية اخرى قوية من الطرف السلفي وقد كان ابن المنصف بن سالم الذي أصبح في ما بعد وزيرا للتعليم العالي وصاحب قناة تلفزية وابن من اصبح في ما بعد وزيرا للداخلية ثم وزيرا أول يتصلان بالمرابطين ويدعمانهم وكانا يحاولان تشريع هذه العملية وايجاد مبررات لها بل وكانت قناة الجزيرة تقدم دعما غير خفي للكتيبة السلفية بل كانت تأتي بالمتنقبات من خارج الكلية وتجري معهن حوارات مضللة.
اما بالنسبة للسلطة في عهد السبسي فقد كانت تتأهب للخروج لكن الوزارة كانت تتابع ما يجري ولم تعارض قرار المجلس العلمي الصادر في 2 نوفمبر 2011 والقاضي بضرورة منع النقاب في قاعات الدرس وخاصة في قاعات الامتحان ولم تر في قرار المجلس ما يتعارض مع ضوابطه ومشمولاته. اما في عهد «الترويكا» فقد تغير الموقف جذريا واصبح الهدف هو ايجاد حل على حساب الجامعة والقيم الجامعية وتبرير احتلال الحرم الجامعي بالمد الثوري ولا أدري اين كان هذا المدّ في ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 بل انهم حاولوا ان يسوقوا ان هذا الاحتلال من الجماعات المتشددة عمل لا خطورة فيه وأنه يتحتم على الاسرة التربوية التنازل بدعوى تهدئة الأوضاع. ومن أطرف ما وقع ان السيد الوزير المنصف بن سالم أراد لما تحول اليه وفد من الكلية لمقابلته واطلاعه على حقيقة الوضع بالجامعة وخطورة «الاحتلال السلفي» اغتنام الفرصة وتحويل اللقاء الى اجتماع بالمجلس العلمي وكأنه هو احد اعضائه واقترح علينا ان نتخذ قرارا فوريا باعادة فتح الجامعة ونتنازل عن مقر العمادة للكتيبة المرابطة بها وان يحول العميد مكتبه الى مكان آخر.
هكذا بكل بساطة وعندما قام الاساتذة والطلبة بالاحتجاج يوم 4 جانفي 2012 كان مصيرنا التعنيف الشديد ولكن الاعلام انقذ الموقف مرة اخرى الذي اعتبره المكسب الأهم بعد الثورة فقبلت السلطة مكرهة بفعل ضغط الرأي العام التدخل لاخراج المعتدين لكن دون ان تطالهم العقوبات القانونية وقاموا بالخروج في محفل سبّ لشخصي أمام انظار النيابة العمومية.
لو كان المعتدون من اليسار هل كنت ستتعامل معهم بنفس الصرامة؟
نعم، بنفس الطريقة وبلا نقاش، اذ وقعت احداث سابقة في الكلية ابتعد فيها اصحابها عن الوجهة النقابية والمطالب المشروعة ورغم انها لم تكن بنفس الحدة ولم تتخذ طابعا يمس من النموذج المجتمعي فان المجالس العلمية تعاملت معها بصرامة. فالقضية هي اولا وقبل كل شيء المحافظة على القيم الجامعية وعلى الجامعة بعيدا عن التجاذبات السياسية أو الدينية ونحن لا نرفض السياسة في حد ذاتها او الدين في حد ذاته وانما نرفض تطويع الجامعة للتوجهات الدينية او السياسية.
الدروس في الجامعة كانت تتناول الدين او السياسة كمباحث بكل حرية وكانت الأطروحات تقدم في هذا الشأن بكل جرأة ولكن لا يمكن ان يتحول الحرم الجامعي الى ساحة معركة لهذه المواجهات ولا مجال للدعايات الحزبية او المذهبية فنحن ندعم الانشطة الثقافية ونمولها ولكننا ضد الأنشطة الحزبية في الجامعة وقد حاولت مجموعة يسارية تنظيم تظاهرات حزبية بالجامعة ولكننا منعناها بكل صرامة واستطعنا أن نحافظ على الجامعة ساحة علم وبحث حر بعيدا عن التوظيف الحزبي.
سيدي العميد انت من ضمن قائمة طويلة من أساطين العلم والأدب الذين تداولوا على منصب العمادة في كلية الآداب بمنوبة من بينهم سعد غراب واليعلاوي والطالبي وعبد المجيد الشرفي وشكري المبخوت ولكنك اصبحت من أشهرهم بفضل هذه الأحداث، ألا ترى انها خدمتك اكثر مما أساءت اليك؟
كل هذه الاسماء التي تداولت على هذا المكتب كانت حاضرة كقيم وكأرواح في كل ركن من المكتب وكنت دائما حريصا على أن أكون مواصلا لما قامت به من شرف الدفاع عن القيم الجامعية وفي نفس الوقت كنت احرص على ان اكون وفيا لما قامت به ومواصلا على نفس النهج وبطبيعة الحال كمؤرخ اعرف أنهم عانوا من احداث لا تقل أهمية وان كانت أقل خطورة نظرا لاختلاف الملابسات التاريخية ولكني اجزم أنهم وبلا استثناء يقومون بنفس ما قام به مجلسنا العلمي الحالي، فأنا لم أتخذ وللأمانة موقفا منفردا وانما كنت مجرد ناطق رسمي باسم المجلس العلمي. وما أقدم عليه المجلس العلمي من قرارات كان متناسقا مع النقابة الأساسية للأساتذة ونقابة الإداريين والعملة والطلبة فقراراتي لم تكن تنم عن شجاعتي او عن جرأتي وانما تنم عن شجاعة وجرأة المجلس العلمي ومختلف الاطراف التي ذكرتها وحتى موقف غلق الكلية الأليم اتخذه المجلس العلمي لرئاسة الجامعة لأن الكلية كانت محتلة وقد تم فيه ايضا تكليفي من الزملاء بتقديم قضية لدى المحكمة الابتدائية بمنوبة ومطالبة النيابة العمومية بالسماح للأمن بالتدخل لانقاذ الكلية من الغرباء وقد تم ذلك فعلا ولكن بعد مضي اكثر من شهر والكلية رازحة تحت الاحتلال من طرف غرباء عن الحرم الجامعي.
بعض الألسن تغمز من قناة كثرة ترددك على الولايات المتحدة الأمريكية فبماذا تردّ؟
دُعيت في مناسبتين لا أكثر. المناسبة الاولى التي ذكرتها سابقا تلبية لشبكة «جامعيون في خطر» ومرة ثانية في صائفة 2013 بدعوة منظمة غير حكومية دعتني في مرات عديدة ولكني كنت منشغلا بمسألة المحاكمة التي رفعتها عليّ طالبة متنقبة تجيز لنفسها الكذب وقد قضت المحكمة بتبرئتي مما نُسب لي من تهم وحينها لبيت الدعوة وألقيت محاضرات حول موقع الجامعة في المرحلة الانتقالية وموقفها من المشاريع الظلامية التي كانت تريد هدم الثوابت العلمية والمجتمعية ومحاولات السلطة تركيع الجامعة وقد ألقيت عدة محاضرات في جامعات وجمعيات مختلفة. والزيارة الثانية تمت في الصائفة وتزامنت مع الاغتيال الثاني الذي استهدف الشهيد الحاج البراهمي وقد تأكد للمجتمع الدولي حينها خطورة المد السلفي وفشل الاسلام السياسي وأنه اصبح اكبر خطر يهدد المجتمع ويعيق الانتقال الديمقراطي.
هل ان زيارتين تعتبران ترددا؟ وفي الحقيقة زياراتي كانت أكثر للبلدان الأوروبية التي تربطنا بجامعاتها تقاليد عريقة واتفاقيات كثيرة ونتعامل معها في المستوى الاكاديمي وقد لمست في العواصم الأوروبية حيرة كبيرة من بعض الزملاء على تونس التي كانت الى زمن ليس بالبعيد منارة علم وبحث وتسامح بين الثقافات والأديان وفي الحقيقة الجامعة هي جسرنا للكونية. واذا كسر هذا الجسر اصبحنا محاصرين ومعزولين وجها لوجه أمام خفافيش الظلام.
زيارتك الأخيرة لمعلم الغريبة هل كانت بدعوة من الجالية اليهودية بتونس؟ وهل ترددت في القيام بها درءا لسوء التأويل؟
هي اولا ليست الزيارة الاولى لهذا المعلم بل انها المرة الرابعة او الخامسة. ففي اطار مخبر البحث بالجهات والموارد التراثية بالبلاد التونسية زرنا اكثر من مرة مناطق سكن اليهود وكذلك البربر في الدويرات وشنني وتطاوين والسود في الحدو ومارث وكذلك زرنا عدة زوايا وأماكن تعبّد ومزارات وقد قمت سنة 1999 بنشر دراسة عن يوسف المغرابي المزار اليهودي بحامة قابس. وتجدر الاشارة الى ان الزيارات الميدانية توقفت نظرا للمضايقات الأمنية التي تعرضنا لها بعد محاولات تفجير «الغريبة» بسبب طغيان التعامل الأمني مع الزوار. وقد عدنا هذه السنة وكانت لنا اضافات أكاديمية بمناسبة الزيارة الدينية وكان نشاطنا علميا بالأساس. فقد نظم مخبرنا يوما دراميا في المركز الثقافي المتوسطي بحومة السوق تعاونا في انجازه مع منظمات محلية تهتم بالتراث وكان محوره الذاكرة المتعددة لجزيرة جربة حيث تم التعرض لدورها كوطن لجوء للأقليات الدينية والعرقية وكم كنا سعداء لتوفر فرصة الحديث لأهالي جربة ذوي الأصول المتعددة يهود ومسيحيين ومالطيين وإباضيين يونانيين وسود وبربر وقد اغتنمنا هذه الفرصة لإبراز خاصية التعدد والتسامح والتعايش وبذلك تعتبر جربة احد النماذج الحية المحافظة على خصائصها وابرز مثال للتسامح بين الأديان والأعراق.
ومن الطبيعي لما كنا متواجدين بجربة بنفس تاريخ زيارة «الغريبة» ان نشارك ابناء وطننا من اليهود احتفالاتهم وقد عبرت عندما اخذت الكلمة عن دعمي للرأي الذي يدافع عن حرمة اقامة الشعائر الدينية لاي مكون من مكونات المجتمع والعنصر اليهودي هو مكون اصيل من مكونات المجتمع التونسي وهذا تجسيد للفصل السادس من الدستور الذي يضمن حرية المعتقد والضمير.
إذن زيارتكم لم تكن مبرمجة؟
لا ليست بالصدفة لقد تعمدنا اقامة التظاهرة بالتزامن مع هذا الحدث للتعبير كما اسلفت عن تضامننا مع حرية المعتقد وقد زرت الغريبة عدة مرات ومعي طلبتي.
وما سرّ تكريمكم من طرف تيودور بطريرك الأرتودوكس مؤخرا في زيارته الى تونس؟
انا مختص في تاريخ تونس المعاصر وعندما انجزت اطروحتي حول الحزب الشيوعي التونسي حذّرني البعض من مغبة ذلك ومن اماطة اللثام عن حقائق لا تروق للسلطة السياسية حينها ولكني مضيت قدما فيها.
ومنذ عشرين سنة وانا اهتم بتاريخ الأقليات في تونس ومن بينها مجموعة من الدراسات حول تاريخ الروم الأرتودكس بتونس الذين استقروا بالبلاد منذ القرن 17 ولا تزال كنائسهم الثلاث في تونس العاصمة وصفاقس وجربة شاهدة على ذلك واعترافا بالدراسات التي انجزتها والتي انقذت هذا الوجود من النسيان قررت المجموعة الأرتودكسية تكريمي لما قدمته من بحوث علمية في هذا الشأن. انا لست يهوديا ولا مسيحيا وانما انا باحث عن الحقيقة. وهي رسالة للجامعة التونسية ولدورها في حماية الذاكرة والتراث من الضياع. عندما ابحث في تاريخ اليهود او المسيحيين او غيرهم انا ابحث في تاريخ وطني الذي أعترف بفضله ولن أدخر جهدا في الدفاع عنه متعددا ومتسامحا.
بماذا ترد على من يتهمك بالتطبيع؟
انا أبحث عن تراث بلادي المتعدد والمتنوع والذي يريد ان يناقش ما اكتبه عليه ان يطلع أولا على محتواه ومضمونه العلمي وعلى المصادر المعتمدة وتأويلها وهو محل تقدير للجامعة وللمدرسة التاريخية التي لم تبق منزوية تحت تأثير نظرة ضيقة للتاريخ بل صدرها رحب لكل الروافد والتراكمات التي شهدها تاريخ تونس الممتد على ما يزيد على 3 آلاف سنة.
التطبيع هو موضوع سياسي. أما الاكاديمي فمختلف تماما انا أهتم بجانب مهم من تاريخ تونس، التطبيع هو شأن الدول وقد طرحته الدول العربية للضغط على اسرائيل لتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني وانا كمواطن تونسي أساند قرار منع التطبيع لتحقيق حق الفلسطينيين في دولتهم ولا يمكن لي ان اكون مطبّعا وانا تجمعني علاقات صداقة بقياديين من منظمة التحرير الفلسطينية وبالطبع انا ضد الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية وبالنسبة للجامعة التونسية لا تجمعها أية علاقات بالجامعات الاسرائيلية وهي امور لا تجري في السر وانما تجري في العلن. لا علاقة لي شخصيا باسرائيل لا في السر ولا في العلن. اما في المستوى الاكاديمي فلا يمكن ان اتجاهل مصادر بحث حتى لو كان كاتبها اسرائيليا ولا فرق في هذا عندي بين مصدر اسرائيلي او فرنسي او سعودي.
لو كان كل سكان الارض يستمعون لك الآن بمختلف اعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم فما هي الرسالة التي تريد ان تبلغها لهم؟
ان يتعارفوا شعوبا وقبائل لان في ذلك تعرفا على ذواتهم فكل البشر الموجودين على الارض يجمعهم التوق لتغيير الطبيعة واخضاعها لصالح الانسان وجهل البشر ببعضهم هو الذي يولد التباغض والحقد وكذلك سعي جزء منهم للهيمنة على الاخرين باسم الدين او الاقتصاد او القومية مما يولد لدى القسم الاخر الشعور بالغبن وارادة رد الفعل والسعي الى التحرر فالعالم رحب وعلى البشر ان يسعى الى الاجتماع من اجل استغلال خيراته لهم جميعا وبصفة عادلة. العلم جسر للمحبة والتآلف والجهل مصدر اساسي للتنافر والتباغض.
بلغني انه لا احد من الاساتذة بالكلية ينوي الترشح كمنافس لك على خطة العمادة هل هذا اعتراف لك بقدراتك على الادارة ام بقدرتك على ادارة الازمات ام هو تخوف من نتيجة منافسة محسومة مسبقا؟
نحن الآن بصدد اجراء انتخابات الاقسام (يوم 9 جوان) اما بالنسبة لانتخابات العمادة فستتم على مرحلتين المرحلة الاولى في مستوى الاساتذة المحليين واساتذة التعليم العالي من جهة والاساتذة المساعدين من جهة ثانية والمرحلة الثانية في مستوى المجلس العلمي المنبثق عن هذه الانتخابات.
وفي الحقيقة عبر لي عدة زملاء عن رغبتهم في تجديد الثقة في شخصي وهي ثقة غالية أثمنها وقد كانت وجهة نظرهم قائمة على ان ما خضناه من معارك من اجل استقلال الجامعة لا يجب ان نفرط فيه وسأقدم ترشحي ارضاء لضميري ونزولا عند رغبة الزملاء واذا ما جددوا ثقتهم فيّ فسأواصل مشوار الذود عن الحرم الجامعي والحفاظ عليه وعلى حياده للاجيال القادمة وسأكون كما كنت دائما ناطقا رسميا باسم زملائي في المجلس العلمي.
ما هي الاصلاحات التي تراها ضرورية صلب وزارة التعليم العالي؟
كم من مرة قلنا ان هناك مكاسب تحققت، رغم النقائص العديدة لكن الجامعة مازالت تضخ لسوق الشغل مئات من حاملي الشهائد العليا لا يجدون شغلا وهو ما يسبب اختلالا بين التكوين والتشغيل وهو ما يتطلب مصالحة جوهرية للمنظومة التعليمية وكان من الطبيعي ان يكون من نتائج الثورة مراجعة الجوانب السلبية في منظومة «إمد» لكن التمطيط في الفترة الانتقالية وانعدام الكفاءة لدى اعضاء حكومة «الترويكا» لم يسمحا بالخوض في الاصلاحات الواجب اتخاذها والتي تتطلب جرأة ومصارحة لا اجراءات شعبوية وتعيينات لم تتم فيها مراعاة الكفاءة. ونأمل اذا ما انتقلنا الى الفترة الدائمة بعد الانتخابات البدء في اجراءات كبرى وجوهرية تنهض بقطاع التعليم العالي وانهاء معاناة الشعب الأدبية وعلم الاجتماع التي اصبح يتوجه اليها من اضطر الى ذلك لضعف نتائجه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.