بقلم : أبو غسان سمعة الإدارة التونسية لم تكن في يوم من الأيام جيدة تماما.. وقد اشتهرت إجراءاتها بالتعقيد والبيروقراطية والبطء وبأشياء أخرى أخطر هي بمثابة الأمراض المزمنة التي تنهك جسدها العليل.. وللأسف فإن أحوال إدارتنا ازدادت سوءا على سوء في السنوات الأخيرة. وقد أصبح العديد من الناس - وأنا واحد منهم- يصابون بالضيق والقلق بمجرد التفكير في قضاء شأن لهم في بعض الإدارات بسبب المفاجآت التي أصبحت لا تكاد تغيب عن أي تعامل مع الإدارة التونسية. معاناة المواطن التونسي في الإدارة تزداد صيفا، موسم العطل والسهر والأعراس والتمارض والغياب عن العمل حيث تبلغ مظاهر التسيب والتهاون والاستخفاف بمصالح الناس ذروتها ويتحول تعامل المواطن مع بعض مصالحها إلى ما يشبه الجحيم . وليس في الأمر مبالغة.. وقد قادتني الظروف في اليومين الأخيرين إلى التعامل مع ثلاث إدارات مختلفة، ووقفت على مظاهر مزرية وحالة من الاكتظاظ والفوضى والتسيب والاستهانة بمصالح الناس. ولفت نظري بالخصوص غياب العديد من الموظفين في بعض الإدارات الحيوية عن العمل بشكل مفاجئ وعملها بالحد الأدنى من موظفيها رغم كثرة الإقبال عليها في مثل هذه الفترة من السنة ، والحال أنه كان عليها أن تعزز طواقمها. كما تعاني الإدارة التونسية من عدم وجود آليات ناجعة لمراقبة أداء الموظفين وضمان عدم تهاونهم لسبب أو لآخر ومن العجز عن محاسبتهم في حالة ثبوت تقصيرهم. وأكثر من ذلك فإن بعض الموظفين لا يعيرون أي اهتمام لتلويح المواطنين بالتظلم إلى رؤسائهم، ورفع شكاوى بهم، وكأن الدولة التي تصرف لهؤلاء الموظفين رواتبهم من الضرائب التي يدفعها المواطنون لم يعد لها أية سلطة عليهم وهم الذين أصبحوا لا يخشون أي تتبع إداري أو أي ردع رغم ثبوت خطإهم أو تهاونهم في أداء واجبهم المهني. إنه شكل آخر من أشكال غياب هيبة الدولة الذي غالبا ما اشتكى منه كبار المسؤولين في الحكومة. والأخطر في المسألة أنه غياب لهيبة الدولة في عقر دارها إن صح التعبير. وحتى إن أقدمت بعض المصالح الإدارية على تتبع أحد أعوانها بعد ثبوت وجود خطإ أو تقصير، فإن البعض يرفعون شعار « أنصر أخاك ظالما أو مظلوما» وقد يصل الأمر إلى الوقفات الاحتجاجية وحتى الإضرابات العشوائية وتوقف العمل بشكل تام لأيام ... إن أكثر ما أصبح يطمح إليه المواطن التونسي اليوم في تعامله مع الإدارة، هو أن يذهب لقضاء شؤونه دون أن يهان ودون أن تداس كرامته، وأن يجد من يدافع عنه حين يقع الاعتداء على حقوقه. أما شعار تحقيق إصلاح إداري جذري وشامل، الذي عشنا على وقعه لسنوات، وما يزال البعض يرفعه فيبدو أنه أصبح شكلا من أشكال الرفاهية والكماليات وحلما بعيد المنال. لا يعني كل هذا أن المواطن التونسي « ملائكة» وضحية على الدوام وأن سلوكه حين يذهب لقضاء شأن ما في الإدارة مثالي فهو في بعض الحالات سبب في بعض مظاهر الفوضى التي تعرفها الإدارة التونسية وجزء من تفشي بعض السلوكيات السيئة فيها... وتلك حكاية أخرى ..