بقلم : مصطفى قوبعة كالعادة وفي كل محطة هامة ومصيرية وحساسة يخذل المجلس الوطني التأسيسي نفسه ويخذل ناخبيه باستهتاره وبلامبالاته في التعاطي مع القضايا المصيرية التي لا تتحمل لا التأخير ولا المزايدة. فمن ناحية يرفض نوابنا المحترمون لاعتبارات حقوقية تفعيل قانون 2003 المتعلق بمكافحة الارهاب علما أن الكثير من الذين حوكموا بمقتضى أحكام هذا القانون وتمتعوا بالعفو التشريعي سلكوا مجددا طريق الارهاب ، ومن ناحية أخرى يقاطعون فعاليات الجلسة العامة المخصصة للنظر في مشروع القانون الاساسي الجديد لمكافحة الارهاب وتبييض الأموال. يبدو أنه ثمة داخل المجلس الوطني التأسيسي من يسعى إلى إسقاط هذا المشروع وترحيله إلى أجل غير مسمّى وقد تجلّى هذا سواء من خلال مناقشة فصول المشروع داخل اللجنة المختصة أو بعد تمريره أمام الجلسة العامة للنقاش العام بضغط شعبي واسع. لكن الذين سعوا إلى اسقاط مشروع القانون الأساسي هذا أو على الأقل إلى التمطيط المجاني والممل في مناقشته لم يتفطنوا إلى أنه بالامكان تغيير صبغة نص المشروع من قانون أساسي إلى قانون إعتيادي بما يسمح لاحقا بالتصويت عليه بموافقة 74 عضوا فقط عوض موافقة نصف النواب زائد واحد أي 109 نواب. إن الإطار التشريعي هو حلقة من سلسلة حلقات مكافحة الارهاب ومثلما استخف المجلس الوطني التأسيسي في السابق بمجمل هذه الحلقات في مكافحة الارهاب وتخلّى عن مسؤوليته الوطنية في مجهود مكافحة الارهاب ( التفاعل الإيجابي مع احتياجات المؤسستين العسكرية والأمنية والمساءلة الجدية والمسؤولة للجهات المسؤولة عوض الاكتفاء بالاستماع إليها، وبعث لجان تحقيق و الدفع والحرص على وضع خطط وطنية عاجلة...) فإنه يستخف بأبسط مهامه التشريعية بالاسراع في سدّ الفراغ التشريعي في هذا المجال بعد تعليق العمل بقانون 2003. يستهتر نوابنا المحترمون بدماء شهدائنا من كل المواقع السياسية والأمنية والعسكرية ، ويستهترون بالمخاطر الجديدة القادمة، ويستهتر نوابنا المحترمون بالحاجة الملحة جدا للمؤسسات القضائية والأمنية والعسكرية إلى إطار تشريعي نافذ يسمح بتفعيل ادائها في مجال مكافحة الارهاب وتبييض الأموال ، ومهما كانت التبريرات المقدمة من جانب نوابنا المحترمين فإن لا شيء على الاطلاق يفسّر « استقالتهم الجماعية» بهذا الشكل سواء عن حسن نيّة أوعن سوئها . لكن من حسن الحظ أن مكتب رئاسة المجلس تفطن إلى هذا المأزق وإلى تداعياته الخطيرة فبادر بعرض تغيير صبغة مشروع النص من قانون أساسي إلى قانون اعتيادي فرضا لسياسة الأمر الواقع. وإعتمادا على هذا المخرج القانوني فمن المؤمّل خلال الأيام القليلة القادمة أن يحسم المجلس الوطني التأسيسي أمره ، وإلا فيا خيبة المسعى!