بقلم: جيهان لغماري التوافق هذه الكلمة السّحْريّة التي أصبحت ك«الملزومة» الشعبية التي تناقلتها الأجيال، ولكن هذه المرّة تداوَلَتْها تصريحات السياسيين، ابتعدتْ عن معناها اللغوي حتى غدتْ مرادفا للحذْلَقَة السّياسويّة القائمة على تَسْويق اللغة الناعمة في انتظار نتائج الصندوق. حينها، سيَبْهتُ الذي كَفَرَ: المنهزم سيبكي استدرارا للتوافق بما يعني البحث عن قشّة نجاة للبقاء على قيد الحياة السياسية، والفائز سيُزَمْجِرُ أنا ربّكم الأعلى، ولا توافقَ إلا ما قرّرتُ وأعلنتُ ورضيتُ وأقصيتُ! مِنَ الفِعْلِ الثلاثي «وَفقَ»، جاءت كلمة الوفاق والتوافق وهو دون لُبْسٍ الاتّفاق، إلاّ في الحالة التونسية فهو يُحيلُنَا على النفاق!. لن نذكر أسماء الأحزاب والشخصيات حتى لا يكون ذِكْرُها مرادفا لتوجيه الناخبين وسنكتفي ببعض التفاصيل الدالّة مع الأسف على أنّ توافق اللّسان لا يضاهي تعارُضَ دواخل القلب مِنْ نوع «خذْ هذا التوافق الرومانسي الإعلامي على الحساب، في انتظار نتائج الانتخاب!». هذا الخطاب المكشوف أصبح بقُدْرَة الانتخابات، يلعب بوجهٍ مكشوف. المصيبة أنّ هذا الوجه له أقنعةُ أغلبِ الأطياف السياسية حزبية ًكانت أو مستقلّة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مرورا بما يسمّى الوَسَط الذي اختصّ في انتهازية الرقْص و«هَزِّ الوِسْط» بين يمينٍ واعدٍ ويسارٍ صاعدٍ دون أن يقدر هذا الوَسَطُ الراقصُ باسْمِ البراغماتيّة، على التَّمَتْرُسِ المبدئي هنا أو هناك!. «نحن مع توافق شامل بعد الانتخابات يشمل المراتب الأولى وحتى المتأخرة قليلا وإن كانوا من أركان النظام السابق»، في الأثناء تَعْمَدُ قواعدُ هذا المتكلّم إلى «أزْلَمَةِ» حزب آخر له نظريّا القدرة على المنافسة والفوز، مقابل التغاضي عمْدا عن أحزاب أخذتْ رخصتها القانونية زمن حُكم «جماعته» مع أنّ قياداتها من منظّري النظام السابق. «شيزوفرينيا» أم ذكاء؟، لا بل حسابات انتخابية. الطرف الثاني المنافس له نفس الخطاب مع اختلاف في التفاصيل:« إن فزنا، سنكوّن حكومة توافقيّة ستجمع أغلب «أَقَارِبِنَا» في قَارِبٍ واحد معنا». كلام جميل وكلام معقول، «ما قْدَرش أقول حاجة عَنُّو» على لسان الفنانة الراحلة ليلى مراد ولكن!، ماذا لو كان الطرفُ السابق، صاحب الكلام العاطفي هو الفائز الثاني؟، هل سَتُنْكِرُ عليه قَرَابَتَهُ التي فَرَضَتْها النتائج، يا هائج؟ وتُلْغيه من حكومة التوافق يا رائق؟ ما سألْنا قياديّا من الأحزاب عن مرحلة ما بعد الانتخابات إلاّ وتحدّث عن حكومة توافقيّة، تشاركيّة، واسعة الأطراف والأحلاف والأشراف والإشراف على قاعدة أنّ الفائز لن يقدر لوحده على متطلّبات المرحلة التي يلزمها أقصى قَدْرٍ مِنَ الوحدة. جميل ورائع مبدئيا ولكن حين يختمها بجملة اعتراضيّة في ظاهرها ورئيسيّة في باطنها، على شاكلة تحالفات ما بعد التشريعيّة مهما كانت النتائج، ستستثني الأعداء وإنْ كان لهم نصيب في البرلمان!، لا يَشِي كلامه بتوافق مُعْلَنٍ بل بمعارك في باردو والقصبة وقرطاج بخَراجٍ مأساويّ يتنصّل أكثرهم من تَبِعاتِه من الآن مع أنهم مسؤولون عنه في صراع الدّيَكَة وأقولها تحذيرًا لا تجْذيرًا : الحرب الأهليّة، تماما كخطورة فيروس«الإبُولاَ» على الأبواب، فهل مِنْ مُجِيب قَبْلَ النَّحِيب؟