لأنّه شكلا ومضمونا ملف ثقيل ومؤثّر ومتوهّج يكتنز شتّى العناوين التي تنتظر التغيير عاجلا بعد أن طفح الكيل بآعتبار أن الشّأن التربوي محمل اجتماعي وسياسي واقتصادي وحضاري بأتمّ معنى الكلمة.. ولا خير في ودلة لا تؤسّس رؤاها وبرامجها وملفاتها على التعليم.. والدليل يأتي حتما من أكبر البلدان تقدّما التي تقدّس وتراهن في ثقل العلم والمعرفة ونحن في انتظار الاسم الجديد في تشكيلة حكومة «الحبيب الصّيد» من سيمسك بحقيبة وزارة التربية لخلافة الدّكتور «فتحي الجرّاي». واختيار وزير التربية القادم يجب أن يكون على مقاس المرحلة.. وهي مرحلة الحسم في صلب منظومة تربويّة تتطلب الكثير من التدخّل والتهذيب والتّشذيب والتغيير والتجديد قبل أن يقع الفأس في الرّأس بعد أن صرنا نخجل من نعتنا بالتقهقر والتأخّر وتذيّل المراتب الأخيرة في تصنيفات المنظومات التربوية الدولية والاقليمية بعد أن كانوا يشيرون لنا بالبنان لقاء تألقنا وتميّزنا والدليل أن شهادتي «السيزيام» والباكالوريا كانتا في الماضي البعيد تعبّدان مسلكا في البحر للعابرين الى أكبر الكليات والمدارس العليا في شتى الدول الاوروبية والامريكية عكس اليوم كما صارت شهادة الباكالوريا تبتاع بالهبات والدروس الخصوصية والفوسكة التكنولوجيّة. ولهذا فإن وزير التربية في حكومة «الحبيب الصّيد» يجب أن يكون ابن الميدان التربوي بكل المواصفات وصاحب مبادئ أساسها رباطة الجأش والصّبر والمداومة والحنكة والرأي السّديد وحبّ التعاون والدّفع الى التحاور في صلب عمليات التجديد التربوي وذلك بأن يدعو الى طاولة الحوار كل عناصر المجتمع المدني دون اقصاء معتمدا خاصة على المربّين أبناء الميدان من ينفذّون في أقسامهم محاورالمشاريع التربوية وقد غيّبهم كل وزراء التربية من ظلوا يتعاملون مع ملفات جاهزة وجامدة ومثلجة لا طعم لها يقدّمها خبراء مكاتب ودكاترة محاضرات في برجهم العاجي بين الأرائك والقاعات الوثيرة. وزير التربية الجديد يجب أن يكون صاحب نظرة استشرافية وله معرفة واسعة بالواقع التعليمي ببلادنا حيث هبط المستوى المعيشي للمربّي وصار في حضيض الهرم المجتمعي مدفوعا قسرا الى دروس خصوصية خانقة وصارت صورة مؤسساتنا التربوية قاتمة وحالكة بعد أن تداعت قاعاتها وتصدّعت أسوارها واسودّت واجهاتها صورة طبق الأصل لاصطبلات الدوّاب ونزل المستوى المعرفي لتلميذ اليوم من اختنق بزمن مدرسي طويل وببرنامج تعلّمي ثقيل لا روح فيه إذ تربّى على المعدّلات العالية والأعداد المضخّمة وشهائد الامتياز والشكر دون أدنى مجهود خاصة والباكالوريا صار النجاح فيها بالحدّ الأدنى من المعدّل بعد أن تدعّمت بهدية 25 بالمائة دون أن ننسى أن ارتقاء التلاميذ في المرحلة الابتدائية صار تحت رحمة مواد التنشئة الفنية والبدنية ووزير التربية الجديد ينبغي أن تكون له خريطة النشاط التربوي كاملة الأوصاف بما فيها من مدارس ريفية نائية بين الجبال والهضاب والغابات والأودية والفيافي تبعد عن بيوت التلاميذ مسير ساعات ذهابا وإيابا في القرّ والحرّ.. وحتّى مدارس المدن والقرى فهي رغم بهرجها وسلامة بنائها تفتقر الى وسائل الايضاح ومعينات العمل البيداغوجي والقاعات الخاصة ومعدّات النشاط التكنولوجي والرياضي والموسيقي.. وزير التربية الجديد من ينتظره المربون والأولياء على أحرّ من الجمر لا بدّ أن يدرك أن مناخ شهر جانفي في «عين دراهم»و«الكاف» و«ساقية سيدي يوسف» ليس نفسه في «قفصة»و«تطاوين»و«مدنين».. ونفس الحال بين مدن وأرياف الشمال وغيرها في الوسط والجنوب خلال شهري ماي وجوان حيث موعد التلاميذ مع امتحانات النقلة والباكالوريا ولنفهم جيّدا أن هذه الجزئيات يحسب لها حساب في كل بلدان العالم باعتماد الاقاليم التعليمية حسب الظواهر المناخية.. ففي «فلندا» مثلا تنطلق الدروس على الساعة العاشرة صباحا وتنتهي على الساعة الثانية بعد الزوال خاصة في فصل الشتاء بسبب طول الليل في هذا البلد الاسكندنافي والعكس يحدث في عديد البلدان ذات المناخ الحار حيث تنطلق الدروس على الساعة السابعة صباحا وتنتهي على الساعة منتصف النهار على أقصى تقدير لنتأكّد من أهميّة الزمن المدرسي في كل بلدان العالم حيث يعتمدون في نظامهم التعلمي على الكيف قبل الكم إذ تتوقّف الدروس أيام الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة على الساعة الثالثة بعد الظهر وتتوقف يوميّ الاربعاء والسّبت على الساعة منتصف النهار قصد توجّه التلاميذ الى النوادي الرياضية والفكرية تاركين محافظهم وأدواتهم في خزائن خاصة بهم داخل قاعات المراجعة.. علما بأن الحصة الصباحية ليوم الاثنين والممتدّة من الساعة 8 الى الساعة 10 تتعلّق بحلقات نقاش في أبعادها الاخلاقية والذهنية والنفسانية باعتبارها محطّة احمائية بعد عطلة آخر الاسبوع وفي بداية أسبوع عمل. باختصار وزير التربية الجديد يجب أن يكون صاحب «راس صحيح» ومن عيار الذهب الخالص لأننا لو واصلنا اللّعب بتعليمنا سنندم حتما..