نفّذ القضاة يوم أمس إضرابا عاما حضوريا بكافة المحاكم، بدعوة من الهياكل القضائية، من جمعية القضاة، ونقابة القضاة على خلفية تمرير وزارة العدل مشروع قانون جديد منظم للمجلس الاعلى للقضاء على المجلس الوزاري. وقد أكدت اللجنة الفنية المحدثة بقرار من وزير العدل، والمكلفة بصياغة مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، أن مشروع القانون الذي نشرته وزارة العدل بتاريخ 9 مارس 2015 بموقعها، لا يمثل عمل هذه اللجنة، ولا يعبّر عن تصوّرها للسلطة القضائية، ولا عن رؤيتها للمجلس الأعلى للقضاء الذي ضمّنته بمشروعها الأول، والمنشور على موقع الوزارة بتاريخ 28 جانفي 2015. كما أكدت اللجنة ان ما يتضمنه المشروع الجديد، والمعروض على المجلس الوزاري، احتوى تحويرات هامة، تعكس «تراجعا واضحا وصارخا»، عن المشروع في صياغته النهائية، التي استكملتها اللجنة بعد الاستماع إلى مختلف الأطراف المتداخلة في الشأن القضائي، والتفاعل معها بما يتناسب وأحكام الدستور ومقتضيات المعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائية قبل إحالتها على وزير العدل بتاريخ 24 فيفري 2015. النسخة الأخيرة من مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء التي نشرتها وزارة العدل مؤخرا على صفحتها الرسمية، والتي تم عرضها على المجلس الوزاري، أثارت غضبا وجدلا واسعين بالساحة القضائية، مما أدى الى الاضراب العام. نقابة القضاة التونسيين: هذا المشروع مرفوض رفضا قاطعا أكّدت السيدة روضة العبيدي ل«التونسية»، ان دعوة الهيئة الادارية لنقابة القضاة التونسيين لهذا الإضراب العام، جاءت على خلفية ما أدرجته وزارة العدل من تنصيصات وفصول صلب مشروع القانون الجديد المنظم للمجلس الاعلى للقضاء، مؤكدة ان هذه الوثيقة بالصيغة التي هي عليها الآن مرفوضة رفضا قاطعا، وبكل المقاييس، منبهة الى أنه وقع تراجع واضح عن المكتسبات الدستورية في هذا المشروع، بما لا يؤسس لقضاء نزيه ومستقل، وأن هذا المشروع غير متطابق مع تصورات النقابة، أو القضاة. واعتبرت روضة العبيدي أن هذا المشروع ليس بقانون، وإنما هو مهزلة حقيقية، لإحتوائه العديد من النقاط الغير مقبولة بالمرة، لعل من أهمها صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء والتركيبة والضمانات، إضافة إلى إقصاء الميزانية التي قالت إنها تعدّ نقطة مهمة في مشروع القانون من النسخة الأخيرة وعدم التطرق إليها بالمرة، مضيفة انه «من بين الصلاحيات التي يتمتع بها المجلس الاعلى للقضاء، مسألة إعفاء القضاة، والتي سحبت من المجلس، لتصبح من صلاحيات رئاسة الجمهورية، مشيرة إلى ان هذا المشروع، اقصى المجتمع المدني والمختصين في القانون، واختصر الثلث المتبقي من المختصين والمستقلين في المجلس، في المحامين والاساتذة الجامعيين فقط، ملاحظة ان هذا المشروع جاء متناقضا مع التمشي العام للدستور الذي يقر بأن أغلبية الاعضاء يحب أن يكونوا منخبين، وأنه بالرجوع الى مشروع القانون، نجد انه بالنسبة للقضاء العدلي، هناك 13 من المعّينين، و14 منتخبين، أما بالنسبة للقضاء المالي، أو الاداري، فإن المعينين عددهم 10، والمنتحبين11 عضوا، متسائلة: أين هذه الاغلبية المنتخبة؟، هناك قسمة واضحة للمجلس، وليس هناك أية أغلبية، وهو ما يفتح باب الولاءات على مصراعيه». كما اكدت العبيدي على وجود العديد من المؤاخذات على بعض المحامين من اعضاء مجلس النواب، حيث ان النقابة لاحظت خلال الوقفة الاحتجاجية للمحامين، حضور عدد من نواب مجلس الشعب، بصفتهم النيابية، وليس بصفتهم كمحاميين،وهو ما اعتبرته خروجا عن الحياد، قائلة «ويطرح سؤال جوهري: هل يمكن لنا وضع ثقتنا في مجلس النواب ليفصل في هذا الخلاف حول مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء، وفيه عناصر خرجت عن حيادها واقصد هنا عددا من المحامين الممثلين في مجلس نواب الشعب؟ هذه مسألة في غاية من الخطورة، ونحن نتمنى كنقابة، ان يضطلع مجلس النواب بمهامه، وان يكون في المستوى المطلوب من الحياد، حتى يمكن له ان يرجع الامور إلى نصابها». أما بخصوص التحركات المنتظرة لنقابة القضاة، بعد الاضراب فقد أكدت العبيدي ان النقابة طالبت بلقاء عاجل مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب للتباحث في هذه المسألة، وأنه على إثر ذلك سيكون هناك لكل حادث حديث. جمعية القضاة التونسين: خروقات دستورية من جهتها اكدت السيدة روضة القرافي رئيسة جمعية القضاة ل«التونسية» أن التراجعات الخطيرة والخروقات الدستورية التي لاحظاتها الجمعية في مشروع القانون المنظم للمجلس الاعلى للقضاء، هي التي دفعت الهيئة الادارية للجمعية لإقرار هذا الاضراب العام، معتبرة ان هذا المشروع هو اجهاض للمشروع الاول المقدم في 26 جانفي الفارط، والذي كان سيؤسّس لبناء سلطة قضائية مستقلة، ولمجلس أعلى للقضاء مطابقا للمعايير الدولية، والذي سيكون منطلقا للقطع مع هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية. مضيفة، «نحن نرفض أي توظيف سياسي لوقائع صفاقس في 5 مارس من اجل الارتداد على ضمانات إستقلال القضاء والمجلس الاعلى للقضاء، ونحن نرفض ما يتم ترويجه من ان القضاة، دعاة للانقلاب، وان القضاة يريدون الاستفراد بالمجلس الأعلى للقضاء، ولا يمكن المزايدة على جمعية القضاة لأنها أول من حمل رؤية وفكرة انفتاح المجلس الاعلى للقضاء على غير القضاة، وأكدت على أهمية تنوع تركيبة الهيئة، من أساتذة جامعيين ومحامين، وأن جمعية القضاة التونسيين، ستدافع دائما عن الانفتاح على المجتمع، لأن ذلك يخدم المجتمع، ونحن نقول مرحبا بالمجتمع المدني، لأن في وضع رقابة على المجلس الأعلى وعلى المحامين، والقضاة، والعدالة، طمأنة للمواطنين، من خلال خلق الرقابة على هذه المؤسسة، والتي سترتقي بالعدالة في تونس، وتحمي الحقوق والحريات من كل تضارب في المصالح، نحن لا نرفض وجود المحامين داخل المجلس، وإنما ندافع عن رؤية، يكون فيها المجلس متمتعا بآليات تحمي حقوق المواطن وحريته». وأكدت القرافي ان مشروع القانون الجديد رجعي، وذلك باعطائه صلاحيات للسلطة التنفيذية عبر رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، لم يقع التنصيص عليها فى الدستور. واعتبرت أنه في حذف عبارة «يمثل السلطة القضائية» من الفصل الاول لمشروع القانون الجديد توجها واضحا نحو عدم تمثيل المجلس لسلطة قضائية مستقلة، مشيرة الى أن تعويض العبارة المذكورة ب«تتمتع بالشخصية القانونية» أمر لا يستقيم، باعتبار أن السلطتين التشريعية والتنفيذية لا تتمتعان بها. واشارت القرافي الى انّ الفصل 47 من المشروع الجديد ينص على أن اعفاء القضاة يتم بموجب أمر رئاسي وهو ما يتعارض مع ما جاء به الفصل 107 من الدستور الذي ينص على أن الامر يتم بموجب قرار معلل من المجلس الاعلى للقضاء. جمعية القضاة الشبان: مشروع القانون فيه تواطؤ مع قطاع المحاماة من ناحيتها اكدت جمعية القضاة الشبان التونسيين في بيان لها ان القضاة لن يدخروا جهدا في تكريس استقلاليتهم صلب القانون المنظم للمجلس الاعلى للقضاء، واعتبرت ان سياسة الوزارة في تراجع عما جاء في الصياغة الاولى للقانون المذكور، وأن الصياغة تعدّ بمثابة تواطؤ مع الاهداف المعلنة لقطاع المحاماة، في بسط نفوذه وهيمنته على القضاء، وتدخله في تحديد المسار المهني للقضاة، الامر الذي من شأنه أن يحدث اضطرابا في مرفق العدالة، ويؤدي الى احداث شذوذ تشريعي، عبر الخلط بين المهنة الحرة والسلطة القضائية، وقد دعت جمعية القضاة الشبان، كل القضاة للتكاتف من اجل انجاح الاضراب. إتحاد القضاة الإداريين: الإضراب حق، وشكل من أشكال النضال من جهتها أكدت رفقة مباركي الكاتبة العامة لإتحاد القضاة الاداريين ل«التونسية»، ان قضاة الاتحاد لم ينفذوا اظرابا عاما وأن القضاة الاداريين في حالة مباشرة لمهامهم القضائية، معبرة عن احترامها للإضراب الذي أقرّته جمعية القضاة ونقابة القضاة، واعتبرته شكلا من أشكال النضال للضغط على السلطة التنفيذية والتشريعية، لتكريس سلطة قضائية مستقلة وعادلة.