لئن رأى مراقبون من خبراء أمنيين أنّ دعوة وزير الداخليّة محمّد الناجم الغرسلي فتح تحقيق حول كيفيّة تسلّل الإرهابيين إلى الداخل بخصوص العمليّة التي جدّت بمتحف باردو تنمّ إمّا عن وجود تقصير بشكل أو بآخر أو تواطؤ بعض الأفراد كاحتمال وجود أمن موازي، ذهب آخرون إلى انّ فتح تحقيق عقب الأزمات أمر معمول به في مختلف دول العالم لمعرفة الأطراف المتسبّبة في ذلك ومحاسبتهم على فعلتهم لكنّهم استبعدوا أن تنحى التحقيقات في بلادنا هذا المنحى متوقّعين ان تظلّ نتائج هذا التحقيق في الرفوف كغيرها من النتائج السابقة التي طويت دون تحميل المتورّطين مسؤولياتهم وتتبّعهم جزائيّا على حدّ تعبيرهم داعين إلى ضرورة اتخاذ إجراءات جدّية إزاء ذلك. وفي هذا الصدد أكّد الخبير الأمني نصر بن سلطانة ل«التونسيّة» أنّ العمليّة تعتبر تحوّلا جديدا وخطيرا في تحرّكات العناصر الإرهابيّة لانّ استهدافهم تجاوز مرحلة ضرب المؤسّسة الأمنيّة والعسكريّة وتطوّر نحو إستهداف المواطنين أجانب كانوا أو تونسيين معتبرا أنّ هذه المرحلة من اخطر مراحل العمل الإرهابي الذي يتّسم بالعشوائيّة وإحداث الفوضى العارمة ممّا يعني أنّه لم يعد لديهم إستثناء البتّة عند قيامهم بعملهم. وبيّن بن سلطانة انّ هذه المرحلة تعدّ متقدّمة جدّا في مراحل عمل الإرهابيين ولا يمكن تفسيرها بأنّهم في فترتهم الأخيرة بل هم دخلوا مرحلة متطوّرة من عملهم وأكّدوا انّهم عازمون على عمليات أكثر دمويّة في الأيام القادمة إن لم تتخذ إجراءات فعليّة للتعامل مع الخطر بكلّ صرامة منوّها بإعلان الباجي قائد السبسي رسميّا الحرب على الإرهاب معتبرا ذلك إجراء في الطريق الصحيح. أمّا حول إمكانيّة وجود تقصير أمني ممّا سهّل حدوث العمليّة قال بن سلطانة إنّه لا بدّ من التأكيد على انّ الدولة ومهما كانت نوعيّة الإجراءات التي تتخذها لمواجهة العناصر الإرهابيّة فإنّ هناك إخلالات لا بدّ من معرفتها والعمل على إصلاحها لاحقا مبرزا أنّ ما جدّ لا يمكن أن يكون جرّاء تهاون رجال الأمن لانّ الأمنيين سخّروا كلّ ما لهم من إمكانيات لضرب هذه الجماعات ومواجهتها. الأهمّ هو نتائج التحقيقات امّا عصام الدردوري رئيس المنظّمة التونسيّة للأمن والمواطن فقد قال ل«التونسيّة» إنّ فتح تحقيق في الغرض إجراء ضروريّ لا بدّ منه لكنّه اشار إلى أنّ الإشكال اليوم ليس في فتح التحقيقات بل في كشف نتائج التحقيقات وتحميل المسؤوليات الجزائيّة في صورة ثبوت تقصير مبيّنا أنّ نيّة الإرهابيين كانت موّجّهة إلى مجلس الشعب ونوابه وانّه يوجد تحقيق حول إنتحال أحدهم لصفة أحد النواب لم تكشف تفاصيله ونتائجه بعد . و ندّد الدردوري بعدم إستخلاص العبر من التجارب الماضية مؤكّدا انّه كان يمكن لذلك الشخص الذي انتحل صفة النائب أن يكون إرهابيّا وان يفعل ما يشاء موضّحا أنّ عمليّة باردو وكيفيّة دخول الإرهابيين شبيهة بكيفيّة دخول الشخص الذي انتحل صفة النائب مبروك الحريزي مبيّنا انّه بغضّ النظر عن شخصه كان لا بدّ من إتخاذ إجراءات من قبل الداخليّة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث. وقال الدردوري إنّ تراكمات التحقيقات دون إتخاذ إجراءات وغياب القيام بعمليات بيضاء من قبل مسؤولين أمنيين كبار في الأماكن السياديّة أي الإطلاع على كيفيّة الدخول إلى هذه الأماكن شكّلا نقصا وساهم في تتالي العمليات مشيرا إلى انّه توجد ازمة ثقة في التحقيقات الإداريّة التي كلّما كشفت عن تورّط بعض المسؤولين خاصّة في مسألة تسفير الشباب إلى سوريا إلّا وانتهت دون الكشف على نتائجها ليؤكّد على انّه لا بدّ من أخذ إجراءات فعليّة مع تحديد المسؤوليات الجزائيّة. وأشار الدردوري إلى أنّ العمليّة تعدّ من العمليات المتوقّعة لكنّ يخطئ من يروّج لفشل على مستوى العمل الأمني الاستباقي لانّ الوحدات دخلت على الخطّ في مواجهة الجريمة الإرهابيّة بعد تجذّرها وإنتشارها موضّحا أنّ العمليّة الإرهابيّة التي جدّت في باردو قامت الوحدات الأمنيّة بتفاديها في أكثر من مناسبة لدى استقبال الوفود السياحيّة مذكّرا بعمليّة قبلّي والعناصر التي كشفت عن مخطّط شبيه بعمليّة أمس موضّحا انّ هذه العمليات تحبّذها الجماعات الإرهابيّة لأنّها تنفخ في صورتها على المستوى العالمي وتبيّن انّها مرّت إلى مرحلة تقويض الدولة عبر العمليات المنفردة . مرحلة الذّئاب ! من جهته قال الخبير الأمني علي الزرمديني ل«التونسيّة» إنّه من المهمّ فتح تحقيق وراء كلّ أزمة لمعرفة الأسباب وجمع التفاعلات لكن ما الجدوى من بقائها بين الرفوف وفي الأروقة مبيّنا انّه لا بدّ من إتخاذ إجراءات عملياتية يتمّ من خلالها تحديد مواقع الخلل لتتبعها إجراءات أخرى تجاه كلّ تقصير حتّى تستعيد المؤسّسة الأمنية توازنها. كما أشار الزرمديني إلى أنّ عقيدة هذه الجماعات الإرهابيّة هي إشاعة الفوضى الخلاقة من خلال مهاجمة المؤسسات وتحطيمها وضرب الإقتصاد التونسي إضافة إلى المواطنين في مواقع مختلفة لخلق الإرتباك مشيرا إلى انّه بعد ضربهم للمؤسسات والعمل في الإطار الجماعي والتشكيلات يتحوّلون إلى مرحلة الذئاب المنفردة سواء على مستوى التخطيط أو وضع الهدف أو الإستعلام أو التنفيذ . و بيّن الزرمديني أنّ القطاع الحيوي في تونس هو القطاع السياحي وأنّ ضربه يعدّ في عقيدتهم ضرب للكفار الذين يساهمون في دعم الجانب الإقتصادي مبيّنا كذلك أنّ ضربهم للسياح سيزيد من عظمتهم على مستوى عالمي منتقدا في الآن نفسه محاولة تقسيم منظومة الأمن السياحي من طرف الأطراف الحاكمة في فترة الترويكا.