عاجل/ إقرار هذه الاجراءات لمداواة البعوض بسبخة السيجومي    نسبة التضخم تتراجع الى مستوى 6ر5 بالمائة خلال شهر أفريل 2025    قابس: مستثمرون من عدّة دول عربية يشاركون من 07 الى 09 ماي الجاري في الملتقى العربي للاستثمار السياحي والاقتصادي بقابس    شراكة تونسية قطرية لتعزيز القطاع الصحي: 20 وحدة رعاية صحية جديدة خلال 3 أشهر    الحماية المدنية تنبّه من الممارسات التي تساهم في اندلاع الحرائق    عاجل/ إعلام إسرائيلي: تم تدمير ميناء الحديدة في اليمن بالكامل    الهيئة المديرة لمهرجان سيكا جاز : تاكيد النجاح و مواصلة الدرب    زغوان: رفع 148 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 22 طنّا من السكر المدعم    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة الأخيرة لموسم 2024-2025    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: ايقاف مباراة الملعب القابسي ومستقبل القصرين    برلمان: لجنة العلاقات الخارجية تنظر في أولويات برنامج عملها    الجمعية التونسية للزراعة المستدامة: عرض الفيلم الوثائقي "الفسقيات: قصة صمود" الإثنين    ثلاث جوائز لتونس في اختتام الدورة 15 لمهرجان مالمو للسينما العربية    انخفاض أسعار البطاطا في نابل بفعل وفرة الإنتاج والتوريد    تداول صور "احتجاز" للنائب الليبي إبراهيم الدرسي تثير تساؤلات    عاجل/ بلاغ هام من الجامعة التونسية لكرة القدم    وزير الاقتصاد والتخطيط في الكاف : لدينا امكانيات واعدة تنتظر فرص الاستثمار    أريانة: سرقة من داخل سيارة تنتهي بإيقاف المتهم واسترجاع المسروق    قضية قتل المحامية منجية المناعي وحرقها: إدراج ابنها بالتفتيش    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    عاجل/ رفض الإفراج عن هذا النائب السابق بالبرلمان..    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    عاجل - سيدي حسين: الإطاحة بمطلوبين خطيرين وحجز مخدرات    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    في قضية مخدرات: هذا ما قرره القضاء في حق حارس مرمى فريق رياضي..#خبر_عاجل    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    السجن لطفل شارك في جريمة قتل..وهذه التفاصيل..    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    احتلال وتهجير.. خطة الاحتلال الجديدة لتوسيع حرب غزة    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    رفع اكثر من 36 الف مخالفة اقتصادية الى أواخر افريل 2025    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الباسط بن حسن (رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان) ل«التونسية»: مطلوب تعاون السلطة لتطوير الحريات
نشر في التونسية يوم 06 - 05 - 2015


مسار العدالة الانتقالية في حاجة للإنقاذ
هناك من يستثمر في العنف والإرهاب
على الحقوقي تجنّب السقوط في شراك التجاذبات السياسية
حوار: أسماء وهاجر
مازال التساؤل قائما حول مصداقية الحقوقي الحامل لأمانة إرساء ثقافة حقوق الانسان خاصة في ظل وجود اتهامات لجمعيات تحمل يافطات حقوق الانسان لتواري بها أنشطة مشبوهة تتمعّش ممّا يسمّى «بيزنس» حقوق الانسان. هذه واحدة من بين الإشكالات التي تناولتها «التونسية» في حوارها مع رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان الاستاذ عبد الباسط بن حسن الذي أكد أن غاية التشويه الحاصل محاصرة العمل الحقوقي والحيلولة دون أن تكون له شرعية ورمزية لدى الناس في حين أنّ المطلوب هو التمييز بين التجاوزات الفردية لنشطاء حقوق الانسان وبين منظومة حقوق الانسان مضيفا أن السعي جار على قدم وساق من طرف العديد من مكونات المجتمع المدني حتى تصبح حقوق الانسان عنصرا من عناصر المواطنة وجزءا من سياسة البلاد.
اتهامات كثيرة وُجهت للحقوقيين من ذلك المتاجرة بحقوق الانسان من أجل السفرات المكّوكية والحصول على الدعم ؟
- لقد كان اتهام نشطاء وناشطات حقوق الانسان بشكل مطلق حيث تعتمد كل الاطراف التي تخشى النقد وفضح انتهاكات حقوق الانسان القاء هذه التهم لمحاصرة العمل الحقوقي والحيلولة دون أن تكون له شرعية ورمزية لدى الناس. إن مجال حقوق الانسان مثله مثل كل مجالات الحياة قد يشهد تجاوزات لمن يمكن ان يستعمل حقوق الانسان لتبرير مواقف حزبية أو إيديولوجية أو لتحقيق مآرب شخصية ومنافع ولكن لابدّ لكلّ باحث عن إرساء مجتمع ديمقراطي يحترم الحريات ان تكون له القدرة النقدية والنباهة والفطنة ليميز بين التجاوزات الفردية وبين منظومة حقوق الانسان التي اذا اتهمناها بشكل مطلق فإننا سنخسر قدرتنا على النهوض بمجتمعاتنا .انني اقترح بدلا من القاء التهم جزافا والإمعان في الأفكار التبسيطية حول مجال حقوق الانسان توجها آخر وذلك بتفعيل العلاقة بين حقوق المدافعين والمدافعات عن حقوق الانسان ومسؤوليتهم ليفهم الناشط أو الناشطة أن لهم حقوقا وأن هناك واجبات تجاه المجتمع واقترح كذلك ان نستثمر في نشر الوعي داخل المجتمع وفي منظمات حقوق الانسان من خلال آليات إدارة المنظمات وحوكمتها بشكل يجعل التصرفات السلبية ممجوجة ممّا يُضفي على عمل المنظمات المصداقية وهو ما نحاول ان نقوم به في المعهد من خلال أنشطة التدريب والتوعية.
ان ما تتعرض له منظمات حقوق الانسان من تشويه بشكل مطلق ينطبق نفس الشيء على قطاعات اخرى مثل الإعلام والقضاء والمحاماة احيانا والعمل النقابي وهذا ما سيضعف قدرة هذه الاطراف على القيام بدورها المركزي في ضمان الانتقال نحو الديمقراطية فلننتبه ونطور ثقافة نقدية تعترف بالايجابيات وتنقد السلبيات ولنخرج من ثقافة التدمير وثقافة العدم .
علّكم تسمعون عن جمعيات حقوقية واجهة للمال السياسي المشبوه ولخدمة أغراض مشبوهة ما رأيكم في ذلك ؟
- إننا في مرحلة انتقال معقدة ظهرت فيها ديناميكيات سياسية وحزبية واقتصادية تسعى الى ان تحتل مكانا لها وان تهيمن كذلك. وقد رأينا اطرافا تستعمل واجهة جمعيات تدعي انها مدنية من أجل تبرير مواقف حزبية أو إيديولوجية وأحيانا تدعو الى العنف وتبرير الارهاب .هذه المظاهر كان للمجتمع بصفة عامة موقف سلبي منها وقد انحصر دورها لأن اهدافها المخفية انفضحت ولأن المجتمع بأكمله وقف ضد العنف والإرهاب. ان هذه التجاوزات واستعمال لافتة العمل المدني من اجل تحقيق مصالح ومآرب لا علاقة لها بالمدنية يجب ان تُواجه مثلما ذكرت سابقا بفضح التجاوزات وتقوية المجتمع المدني وكذلك بتطبيق القانون فلا يجب أن ننسى أن لدينا قانون جمعيات يمنع التجاوزات ويؤكد على تجريم كل من يدعو باسم الجمعيات للكراهية والتفرقة والعنف وبهذا الصدد توجد هناك ثلاثة مستويات من استراتيجية التلاعب بالعمل المدني: الأولى هي تطبيق القانون ومحاسبة من يجرم باسم الجمعيات والثانية هي فضح التجاوزات والاعلام عنها ثالثا تطوير قدرة الشباب وأعضاء الجمعيات ببناء جمعيات تتميز بالشفافية والحوكمة الجيدة .
قُلتم في إحدى كتاباتكم: «هل بدأ تعويض آلة الحكم باستبداد الفساد والأمن بآلة الحكم باستبداد الفوضى؟».. ماذا تقصدون بذلك ؟
- هذا المقال كُتب في ظروف كان فيها تهديد لحرية الرأي وتهديد واعتداء على الصحفيين لم تعد تقتصر على آلة الحكم المستبد. هذه الانتهاكات التي تواصلت الى اليوم تسعى الى محاصرة نوع من الاعلام الذي يهدف الى النقد وكشف الحقائق والى نشر الوعي المواطني بصفة عامة لذلك رأينا خطابات تحاول اتهام الإعلام بأنّه سبب من اسباب ما تعيشه البلاد من مشاكل ولكن المقال كذلك يؤكد على اننا في بعض الاحيان خرجنا عن إطار الحوارات المجتمعية الكبرى التي كان من اللازم ان نطلقها في كامل المجالات السياسية والاقتصادية الى خطابات يغلب عليها طابع التشنج والتجاذبات مما خلق فوضى حيث أصبح تبرير الإرهاب أحيانا حرية تعبير ورأي ودفاعا عن حقوق الانسان واصبحت الدعوة الى العنف وممارسته نوعا من حرية الكلام. هذا الخلط أحدث فوضى عطلت التناول الرصين للقضايا وابعدتنا عن قضايا حياتية يعيشها الناس يوميا وتعنيهم في وجودهم مثل التعليم والصحة والسكن اللائق ومستوى المعيشة وغلاء الأسعار ووضع الخدمات والبيئة والبنية التحتية. وهذا الابتعاد عن القضايا الاساسية هو الذي يُولّد الآن شكا في السياسة وفي قدرتها على حل المشاكل وعدم الثقة في جزء من النخبة وعدم الاهتمام بالحياة السياسية قد عبرت عنه الاعداد الهائلة من المُمتنعين عن التصويت وغياب مشاريع امل للناس عامة وللشباب خاصة. نحن نحتاج في هذه المرحلة الدقيقة لتحسين استغلال هامش الحريات الذي تحقق بفضل نضالات وتضحيات واستعماله لتوسيع الحريات وضمانها ومساعدة الناس على إبلاغ أصواتهم وإعطائهم أملا في الحاضر والمستقبل وقد أثبتت التجربة أن هذه الفوضى لم تساعد إلا على مزيد تطور ثقافة العنف والإرهاب، وأننا اليوم نحتاج الى ثقافة الحياة .
أطلقتم شعار «حقوق الإنسان للجميع» ما هي الاستراتيجية التي وضعت لانزال حقوق الانسان من إطارها النخبوي؟
- لقد أنجزت حركة ثقافة حقوق الانسان على مدى العقود الماضية ثلاثة انجازات هامة وهي تطوير قدرات آلاف من المناضلين والمناضلات في مجال حقوق الانسان وادماج مفاهيم الحريات والديمقراطيات في الخطاب السياسي ومحاولة اقتراح بعض الاصلاحات المؤسساتية. ولكن هذه الانجازات على اهميتها بقيت تفتقد الى عنصر هام وهو تحول ثقافة حقوق الانسان الى ثقافة مجتمعية يعني كيف تصبح هذه الثقافة أداة للتغيير... تغيير القوانين والمؤسسات والعقليات والسلوكات كيف يستبطنها الانسان ويجعلها جزءا من وجوده فتساعده على تفسير الاشياء ونقدها والتنظم مع الاخرين من اجل المطالبة بها وهو ما نسميه بالاقتدار في مجال حقوق الإنسان. فالشعار هو دعوة لرؤية جديدة تعتبر ان ثقافة حقوق الانسان هي جزء من ثقافة المجتمع يجب ان نستثمر فيها فنجعلها أساسا لإعلامنا ومؤسساتنا الشبابية وسياساتنا الاجتماعية والاقتصادية وهو مطلب نحاول الآن أن ننشره عن طريق علاقات الشراكة مع عدد كبير من الوزارات وشبكة منظمات كبيرة مثل عهد للثقافة والمدنية والقيام بأنشطة مع الاطفال والشباب وسكان الاحيان الشعبية وأخيرا بدأنا في تجربة هامة وهي انتقال المعهد الى حي السيدة ولا ننسى ان المعهد يشارك مع وزارة التربية واتحاد الشغل لإصلاح المنظومة التعليمية تحت شعار مدرسة المواطنة. هناك من يستثمر في العنف والارهاب وقتل الحياة أما نحن فإنّنا ندعو إلى وضع مجهوداتنا في ثقافة مغايرة تمكننا من الحرية والعدالة.
أين الحقُوقيُّون من موت مسؤولين سابقين بالسجون؟
إن موت أي انسان في السجن بعد ثورة رفعت شعار الكرامة هو عار اخلاقي كبير وهو سؤال عن قيمة الانسان في مجتمعنا . سؤال يجب ان يطرح بسرعة لإيجاد الإطار القانوني والمؤسسي والرقابي الذي يمنع انتهاك حقوق أي تونسي أو تونسية. إننا في حاجة عاجلة لإصلاح مؤسساتنا السجنية ومراجعة ظروف الايقاف وتحقيق العدالة لكل متهم واعتبار الناس أبرياء حتى تثبت إدانتهم. هذا الحرص على حياة الانسان في تونس يجب ان يمتد كذلك إلى قضايا أخرى مثل الشباب الذي ينتحر في البحر بحثا عن أمل لم يجده .اعود مرة اخرى بالنسبة الى قضايا المسؤولين ما قبل الثورة لأؤكد على ان عدم تطبيق العدالة الانتقالية قد أدخلنا في ارتباك وغموض أدى فيما ادى الى عدم معرفة الحقيقة وعدم انجازها .
ماهو أكبر عائق لعمل الحقوقيين؟
بعد الثورة انفتحت مجالات كبيرة لعمل حقوق الانسان فرأينا المنظمات تكشف انتهاكات حقوق الانسان وتشارك في اقتراح القوانين والسياسات الاصلاحية وحتى في حل الازمات السياسية عن طريق المشاركة في الحوار الوطني. هذا المجهود على قيمته الكبرى والذي يجب أن يتواصل ويتدعم لا يجب ان يكون كافيا لتحقيق حماية فعلية لكلّ المواطنين والمواطنات. ما نحتاجه اليوم هو دعم المجهود وتحويل ما جاء في الدستور من مبادئ الى قوانين تضمن الحقوق والحريات بدءا بالمحكمة الدستورية ثمّ تقوية الاجهزة الرقابية والتعديلية واصلاح المؤسسات مثل الاعلام والقضاء والامن والاستثمار في ثقافة حقوق الانسان وادماجها في التعليم واقحامها في حياتنا الشعبية. هذه بعض الشروط الاساسية التي تكمل عمل الدفاع عن حقوق الانسان وهي شروط ليست سهلة لأنها تتطلب اعترافا وطنيا شاملا بها وعملا تقوم به المجموعة الوطنية كلها كما تتطلب قرارا سياسيا. كلها يجب في فترة معينة ان تصبح سياسات لحقوق الانسان في مجال الحريات الفردية والعامة والعدالة الاجتماعية وأن تصبح ركنا اساسيا من سياسات دولتنا .وخيارا استراتيجيا لتونس .
كيف تقيّمون تجربة الحقوقي في السلطة ؟
- الحقوقي هو الذي يكون قادرا على النضال من اجل حقوق الانسان في مختلف الاوضاع والفترات وهو المتشبث بمبادئ الحيادية وتكامل الحقوق وعدم تجزئتها. فاذا اخطأ بعض الناس في ممارسة السلطة فيجب ان تعود هذه الاخطاء الى ممارستهم الخاصة وليس الى حقوق الانسان بصفتها الشاملة ويجب ان نفرق هنا بين حقوق الانسان كسياسة لتنظيم الحياة وجعلها اكثر انسانية وبين السياسة السياسوية الحزبية التي هي في قلب صراعات المنفعة .ان المطلوب هو ان يبتعد الحقوقي عن السقوط في شراك التجاذبات الحزبية ومتطلبات السلطة مثلما هو مطلوب من ممارس السلطة ان يقترب اكثر من الدفاع عن الحقوق والحريات لأنها تضمن ممارسة اكثر جودة للسلطة وتدخل على ممارسة السلطة معاني مثل قبول النقد والتعددية والمحاسبة والشفافية. نحن نحتاج الى تعاون بين منظمات حقوق الانسان ومؤسسات الحكم لتطوير الحقوق والحريات في بلدنا مع احترام كل طرف مكانة الطرف الآخر واستقلاليته. الخلط بين المستويات يضعف الممارسة الحقوقية ويُسيء الى الممارسة الجيدة للسلطة. وقد رأينا تجارب تاريخية مثل مانديلا الذي حاول ان يجمع بين مصاعب السلطة وحقوق الانسان فاستفادت جنوب افريقيا من هذه الرؤية وتمكنت من تجاوز ازمة كبرى واعتماد العدالة الانتقالية وعدم الدخول في أتون الصراعات المهلكة. واليوم يجب إعادة تعريف العلاقة بين ممارسة السلطة وحقوق الانسان التي كانت دائما متوترة في بلداننا وذلك بالخروج من منطق الاحتواء والاقصاء الى منطق التعاون. أما من يريد أن يستعمل حقوق الانسان لتحقيق مآرب سلطوية ضيقة أو منافع شخصية فإن حيله لن تنطلي على الناس لان الناس اليوم متيقظون .
كيف تقيّمون هيئة الحقيقة والكرامة؟
- تأخير مسار العدالة الانتقالية أضر بالمسار وجزّأه وأحدث نوعا من الريبة لدى اطراف عديدة داخل المجتمع بل وصل الامر الى حد وجود آراء تقول بنهاية العدالة الانتقالية وانه لا يمكن بأي حال من الأحوال استعادتها نظرا لصدور عديد الأحكام وعدم البداية الفعلية لمسار انطلاق العدالة في حد ذاتها. إن عديد المنظمات التي تعمل منذ سنوات على مسألة العدالة الانتقالية قد قامت بمعالجة لهذا المسار وقامت بتعديل بعض المواد القانونية وفي تركيبة الهيئة. إننا في وضعية تتطلب انقاذ فكرة العدالة الانتقالية واعادة الحياة لها وفي نفس الوقت اصلاح المسار وهنا يجب ان يكون هناك قرار وطني صريح بإعطاء قيمة لمسار العدالة الانتقالية وفتح حوار حول كيفية مواصلته بشكل فعال.
ألا ترون أنّ مثل هذه الهيئات مكلّفة وان المناطق المهمشة أولى بهذه المصاريف ؟
- لا يمكن لأيّة ديمقراطية ان تقوم بدون هيئات رقابة وهيئات تعديلية لمراقبة السلطات وتعديل الممارسات حتى لا تتحول المؤسسات من ضامن للديمقراطية الى مؤسسات تبرر الاستبداد. فنحن في حاجة الى مؤسسات في بدايتها بدل غيابها ولكن حتى تتحقق الفائدة من هذه المؤسسات وحتى لا تتحول الى عبء على المجتمع ولا تفقد مصداقيتها يجب ان يكون لها اطار قانوني واضح وان تكون قادرة على القيام بدورها دون تدخل وان تعطي المثال في الحوكمة وادارة الموارد وهنا مسؤولية الدولة لمراقبة الأولويات.
ما هو دور المنظمات الحقوقية في الدفاع عن الاقليات ؟
- ان التعدد والتنوع هو صفة ملازمة لكل الشعوب... التعدد الديني, الإثني, القبلي. هناك خيار اساسي يُطرح امام الشعوب فإما قمع هذا التنوع بعدم الاعتراف بالأقليات وهذا الخيار انتج حروبا وصراعات ذهبت الى حد تقسيم بعض البلدان تماما وهناك خيار آخر هو وضع الأطر القانونية والمؤسسية والاجتهاد من اجل ادماج التعدد والتنوع وتحويله الى مصدر إثراء بدل ان يكون مصدر صراع دائم . وهذا ليس سهلا بل يتطلّب قوانين ومؤسسات وتطويرا لثقافة المواطنين حول التسامح. والاعتراف بالآخر يجب أن يدخل في ثقافة المجتمع. لقد قمعت الاقليات وهناك مبادرات للاعتراف بها ويجب أن تفتح حوارات حول هذه المواضيع لأن التعامل العنيف مع المعبرين عن حقوقهم لا يساعد على إيجاد أي نوع من الحلول. دستور تونس الجديد يفتح مجالا للتفكير في هذه القضايا ومحاولة الاجابة عنها وقد رأينا تعبيرات عن جمعيات تتحدث عن عنصرية واقصاء وتهميش وهي تعبيرات يجب أن تُؤخذ على محمل الجد وان تكون لنا القدرة على فتح الحوارات الكبرى -في بلد يعد من اول البلدان التي ألغت الرّقّ والعبودية ولا يمكن ان يعالج تنوعه بالإقصاء والتهميش.
ماذا وراء مشروع «دار السيّدة؟إلى ماذا تطمحون من خلاله ؟
- مشروع «دار السيدة» هو نقلة نوعية في رؤية منظمات حقوق الانسان للفضاء الذي يمكن من خلاله ان نوسّع من مجال حقوق الانسان وثقافته. فالتواجد في حي السيدة هو محاولة لبناء منهجيات عمل تجعل ثقافة حقوق الانسان اقرب الى كل الفئات الاجتماعية وتستمد امثلتها ومناهجها من قضايا الناس حتى تبتعد عن كونها مسائل ومفاهيم مجردة لتصبح اقرب للفئات الاجتماعية. هناك مناطق في مدننا واريافنا حرمت من العدالة الاجتماعية حرمت من البنية التحتية وحرمت من الثقافة ووقع تمييز ضدها في الثقافة ونعتبر ان ايصال الثقافة والتعليم لكل ربوع بلادنا هو جزء من تنميتها فالثقافة والتعليم هما جزء من تطوير المجتمع ومن هنا ننطلق وتنطلق رؤيتنا .
أين وصل الحق في الكرامة في تونس ؟هل يمكن أن نتحدث عن هذا الحق ؟
- هناك نوع من التحول التاريخي في ذهنية التونسي والتونسية بعد الثورة للمطالبة بالكرامة ولا أظن أن أيّ عامل من العوامل يمكن ان ينتزع هذه الإحساس والمطلب من الشعب التونسي. ما ينقصنا هو تحويل هذا المطلب من شعار الى أشياء يحسها الانسان في حياته. ان تواصل بعض انتهاكات حقوق الانسان وتدهور الطاقة المعيشية للناس وعدم الاهتمام جديا بمسائل مثل تشغيل الشباب وتواصل الفروق بين الجهات يحدث إحساسا بالشك والغضب لدى عدد كبير من المواطنين. لذلك أرى من الضروري ان تخرج السلط الحاكمة والاحزاب وأطراف المجتمع المدني أو أن تدخل مرحلة جديدة من الاهتمام المطلق بالإنسان وان تقدم له مشروعا يرى فيه امكانية تحقق الكرامة. المرحلة اليوم تبدو صعبة وتتطلب حكمة كبيرة للعودة والخروج عن مزيد اضاعة الوقت والفرص .
ختاما أجدّد الدعوة الى بلورة مشروع وطني قوامه الحرية والعدالة الاجتماعية ويتأسّس على الاستثمار في اصلاح شامل للمنظومة التعليمية ورؤية تُعلي قيمة الذكاء التونسي ومدنية حضارتنا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.