بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.أحمد الطويلي ل«التونسية»: لا حلّ لرفع التحديات إلاّ بالتزام الحداثة
نشر في التونسية يوم 29 - 05 - 2015


كفانا ديماغوجيا وهذيانا وعلينا بالعمل
وزارة الثقافة هي وزارة السيادة الأولى ولا مستقبل لأمّة لا تقرأ
العرب متخلّفون عن العالم بقرن
حاوره: عبد السلام لصيلع
الأستاذ الدكتور أحمد الطّويلي جامعي رصين وباحث منتج وأكاديمي قدير أصدر إلى حدّ الآن 120 كتابا في مختلف المجالات ركّز فيها على التّراث التونسي والحضارة التونسية والتاريخ التونسي.
في حواره مع «التّونسيّة» تطرّق ضيفنا إلى قضايا مصيريّة هامّة معتبرا أنّ الوطن يجب أن يكون الهمّ الأوّل لكلّ باحث أو أديب أو رجل سياسة... مضيفا أنّ «أوّل مشكلة تتحدّى تونس هي: ما هو مصير بلادنا وأولادنا؟»..
وأكّد د.الطويلي أنّ مستقبل البلاد يقوم على كاهل الجامعة في جميع الميادين مشيرا إلى أنّه «بعد أربع سنوات من الثّورة لم يتحقّق أيّ شيء للشعب».
في ما يلي نصّ الحوار معه:
تجاوزت مؤلفاتك المطبوعة 120 كتابا في مختلف المواضيع والأغراض.. الأدبية والتاريخية والاجتماعية والثقافية والإسلامية.. ما هو القاسم المشترك لجميع هذه المؤلّفات؟
- منذ أكثر من أربعين سنة وأنا أؤلّف الكتب وكان أوّل كتاب نشرته هو «رسالة المناعي إلى المشير الأوّل أحمد باي في الشكوى من ابن أبي الضياف» وآخر كتاب نشرته اليوم هو تحقيق الديوان الثاني لمحمد الصيد القيرواني تحت عنوان «لزوميات محمد الصيد القيرواني وغزلياته» وهو شاعر توفّي سنة 1850، وكان مغمورا لم يذكره أحد، وكانت دواوينه مخطوطه، وهو الكتاب عدد 145، وبين هذا وذاك من كتُبي ركّزت على التراث التونسي، والحضارة التونسية والتاريخ التونسي، خاصة من ذلك ما لم يكن معروفا، أو مدْروسا، أو ركّزت خاصة على ما يسدّ ثغرات في الثقافة التونسية. كانت أطروحتي الخاصة بدكتورا الدولة، حول الحياة الأدبية بتونس في العهد الحفصي، طيلة ثلاثة قرون ونصف القرن، عرّفت فيها بحوالي 200 أديب تونسي، ثم منذ ذلك الحين التزمت بالتعريف بالأدب التونسي وبالحضارة التونسية، فخصّصت كثيرا من الكتب لأدبائنا الأعلام قديما وحديثا ولشخصياتنا الإصلاحية، ونشرت كتبا في الإصلاح والتسامح في فكر المُصْلحين التونسيين. فالقاسم المشترك بين جميع هذه المؤلفات هو الوطن ثم الوطن ثم الوطن، فالوطن ينبغي أن يكون الهمّ الأوّل لكلّ أديب أو مفكّر أو رجل سياسة، فكيف يمكن أن يكون الوطن همّا لهم إذا لم يتعرّفوا على أعلامه، ولم يدرسوا تاريخه، ولم يعيشوا بالروح والفكر مع مجتمعه، دافعهم الحب للمواطنين، والدفاع عنهم، ومحاولة إيجاد حلول لمشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟ فبلا ثقافة وطنية تونسية لا يمكن أن تنجح أيّة سياسة ولا أيّ أدب ولا أيّ نوع من أنواع الإبداع الفنّي مهما كان.
اعتمادا على نشاطك كباحث وأكاديمي ما هي اهتمامات المجتمع التونسي الآن؟
- اهتمامات المجتمع التونسي الآن وانشغالاته، ومتطلباته كثيرة، هي أن يفكّر فيه رجال السياسة الذين احتلّوا كراسي الوزارة لتلبية حاجاتهم في جميع شؤونهم المادية والروحية، فاليوم نرى المجتمع التونسي يشكو عدّة أشياء: غلاء المعيشة، عدم توفير مستلزمات الصحة في كامل الجمهورية، ضعف مناهج التعليم ومحتواه في كلّ مراحله، البطالة الضّاربة أطنابها في كلّ المدن والقرى، الأراضي الخصبة المهملة والتي لَمْ تُستثمر، الطرق السيّارة وغيرها المهملة المليئة بالمطبّات. ومن المؤسف أنّه بعد أربع سنوات من الثّورة المجيدة لم يتحقّق أيّ شيء للشعب بسبب أن بعض مَن تولَّوْا الوزارات لا يعرفون التاريخ التونسي، وليسوا مُتعلّقين بتونس إلاّ بالاسم لأنّهم لم يدرسوا خصوصيات الحضارة التونسية وتألقها في قرطاج والقيروان والمهدية وتونس وغيرها من المدن عبر التاريخ، كانت قرطاج عاصمة العالم، وكانت القيروان قاعدة مملكة كبرى تمتدّ من جنوب فرنسا إلى بلاد برقة إذ أمر واليها موسى بن نصير طارق بن زياد بفتح الأندلس سنة 92ه، ومن القيروان سارت الجيوش على طريق سوسة لفتح جزيرة صقلية بأمر من زياد الله الأغلبي وبقيادة قاضيها أسد بن الفرات سنة 212ه، وفي القرنين الثالث والرابع وأوائل الخامس كان يخضع لحكمها وُلاّة الجزائر وتونس وطرابلس وصقلية ومالطة وجزء من سردانية ومستعمرات بجنوب إيطاليا.
إنّ من يطّلع على تاريخنا وما قدّمه للإنسانية عبر العصور لا يتوانى ولا يدخّر جهوده كي يجعل هذا الوطن العزيز منارة من منارات العالم المتقدّم، وأن يعيش شعبه في رفاهية وسعادة وعدم الاحتياج والخصاصة.
ما هي أبرز التحدّيات والمشاكل التي تواجهها تونس وما هي حلولها؟
- أوّل مشكلة، تتحدّى تونس هي: ما هو مصير بلادنا، وأولادنا؟ كيف ستتوفّر لهم الظّروف الطيّبة لحياة كريمة ولبلادنا الاستقرار والأمن ووضوح الرؤية؟ مشاكل مصيريّة عديدة تواجهنا، خاصة مكانتنا بين الدول وخاصة الدول العربية، هل نحن سنبقى نقطة الضوء فيها؟ إنّ الإيديولوجيات الغريبة خاصة منها الوهابية هي التي تهدّدنا، ولا ننسى ما فعلته بالنسبة للآثار الإسلامية، خاصة منها مقامات الصحابة، والعلماء والصالحين والصّوفيّة؟ إنّ بعض الأديولوجيات الوافدة تريد أن تقضي على أصالتنا وفكرنا وتاريخنا وتقاليد بلادنا العريقة حتى لا نستطيع أن نرتقي بين الأمم ونتطوّر، تريد أن تقضي علينا بالتلاشي والاندثار، وأن تهدّم مقوّماتنا الفكرية ورصيدنا الثقافي والحضاري، هناك مَنْ يبغي أن نجمّد فكرنا، ألاّ نتفتّح دوما على الضّوء، أن نغلق الأبواب أمام الرياح الملقّحة التي تُثري الحياة. لا يمكن أن نجد الحل أمام التحديات التي تواجهنا أو نُواجهها إلاّ بالتزام روح الحداثة والتجدّد الثقافي والحضاري الدّائم، والارتكاز على الفنون بأنواعها وألوانها.. فالفن والإبداع الفنّي والأدبي هُما السلاح الرئيسي ضد الإرهاب فشموخنا اليوم متأتّ ممّا أرسته دولة الاستقلال من مؤسّسات وخاصّة من فكر حداثي متطوّر ومتجدّد وبالأخص من مقوّماتنا الوطنية التي ترتكز على تجذير حضاري وثقافي يعتمد على إنتاج علمائنا وأدبائنا وفنّانينا.
ما هو دور الجامعة التونسية في هذا الحراك السياسي والاجتماعي والفكري الذي تعيشه البلاد منذ 14 جانفي 2011؟
- كان للجامعيين دور مهم بعد الثورة في مناهضة الفكر الظلامي، ودورها اليوم في غرس مبدإ حبّ الوطن بدراسة حضارية وإبداعات رجاله ونسائه في الماضي والحاضر، وإعطاء الزاد المعرفي اللازم في الآداب والعلوم، والتوجيه للتكوّن في الميادين التكنولوجيّة والمعلوماتيّة، دور الجامعة، من خلال دراسة الآثار الأدبية، والسنة النبويّة الشريفة وغرس القيم الحضارية والأخلاقية وجعل التونسيين يحبّون الأسرة والمواطنين.
دور الجامعة هو تكثيف البحث في العلوم، وتكوين المخابر العلمية والورشات للإبداع العلمي وتبيان المسارات الفكرية والسياسية والاجتماعية فعلى كاهل الجامعة يقوم مستقبل البلاد في جميع الميادين، بالاعتماد على التعدّد الفكري، والمنهج العلمي الموضوعي، يكفينا من الديماغوجيا، والهذيان، والأميّة الفكرية، والبهلوانيّات في بعض «البلاطوات» لقد تجنّد الجامعيون نساء ورجالا للدفاع عن حضارتنا التونسية وثقافتنا الوطنية وخصوصياتنا التاريخية ولينكّب الجامعيون على تقديم الحلول لمشاكل الشباب وخاصة منها البطالة، ومشاكل الشعب وخاصة منها غلاء المعيشة والخصاصة والاحتياج والفقر. لقد أنتجت الجامعة التونسية منذ إحداثها رجالا ونساء كان لهم الفضل اليوم في إخراج تونس ممّا كان يهدّدها من انيهار للدولة التونسية، وتشتّت عُرَى الشعب والتخلّص من الفتنة التي كادت أن تقع فيها البلاد.
ما هو المطلوب من المثقفين في هذا الظرف الصّعب الذي تجتازه البلاد؟
- المثقف هو المطلع على ماضي البلاد، وحاضر ما يجري في العالم، والمفكر في القضايا الأساسية في البلاد والعالم، وفي القضايا السياسية والثقافية والاقتصادية والحضارية والاجتماعية وغيرها، المطلوب منه هو المشاركة الفعلية في التوعية وإبداء الرأي والقيام بالواجب الوطني أي المساهمة في البناء الثقافي والفنّي، والمطلوب منه أساسا إثبات الذات التونسية ثقافيا وحضاريا بالإبداع والدراسة والبحث والمشاركة في الفنون وخاصة التصدّي للمسخ والذوبان بتجذير هويتنا الوطنية وأساسها التاريخ والعطاء الفكري والأدبي والعلمي لعلمائنا وأدبائنا وشعرائنا عبر التاريخ.
فالمثقف يساهم في تعميم القيم الجمالية والأخلاقية لدى الشباب. فبعض الشباب اليوم يتامى لأنهم لم يحظوا بتكوين وطني يعتمد على الاعتزاز بالنّفس وبخصوصياتنا الثقافية وبماضينا الحضاري وكذلك نظرا لغياب المطالعة في برامج التدريس بالمعاهد الأساسية والثانوية. والمصيبة في تونس تكمن في عدم رواج الكتاب وعدم إقبال الشباب على المطالعة التي تمكّنه من زاد فنّي يهذّب الحواس، ويكوّن الخيال، ويربّي على التشبّث بالقيم العليا والمبادئ السامية، وقد بيّنت دَوْر الثقافة والمثقفين بالتفصيل في كتابي «في الثقافة وإثبات الذات» الذي نشر بعد أحداث الثورة.
ما هو سبيل النهوض بالكتاب في تونس؟
- في غياب الإقبال على الكتاب من قبل الشباب ينبغي على الدولة أن تدعمه بتأثيث كل المكتبات العمومية بالبلاد التونسية بما يصدر من كتب خاصة منها ما يتعلّق بتاريخنا وتراثنا وإبداع أدبائنا الفكري والأدبي والفنّي ثم تكوين مؤسّسات حكوميّة، للنشر وأخرى للتوزيع لتتمتّع كل الولايات والمعتمديات بما ينتج في تونس العاصمة من كتب ومؤلفات إذ ينبغي أن يكون الكتاب التونسي موجودا في كلّ بيت وكلّ معهد، وكلّ مؤسّسة اقتصادية وثقافية واجتماعية، فبالكتاب ينهض المجتمع ويتطوّر الفكر، وعلى وزارة الثقافة أن تروّجه في كامل البلاد.
كيف ترى العلاقة بين المثقف والسياسي في الأربع سنوات التي مرّت؟
- العلاقة منقطعة تماما، فالسياسي لأسباب نفسية يتجاهل المثقف، ويخشاه، ويحذَرُه، بينما لا يستطيع السياسي أن ينجح دون الاعتماد على الثقافة والمثقفين، فالثقافة روح السياسة، بدونها تكون السياسة في زقاق مظلم، خاصة إذا كان السياسي أمّيا لا يعرف تاريخ بلاده، ولا يعرف علماءها وأدباءها وشعراءها، فهو يخبط خبط عشواء، فكم من مثقف يشارك في البلاطوهات؟، إنه عدد أقل من أصابع اليد الواحدة ممّا يدل على التخلّف الفكري لدى بعض معدّي هذه البرامج التلفزية وعدم إدراكهم أنّ الثقافة هي الأساس وأنّ المثقفين هم مستقبل البلاد ومناراتها وهم الذين ينوّرون الفكر ويأتون بالجديد وهم الذين يقدّمون الاستراتيجيات، وينظرون لبعيد لما أتاهم الله من نبوغ فكري وأدبي، ولما أتاهم الله من معرفة وإحساس عميق بالتاريخ ومجريات الأمور، فالمثقف اليوم مهمّش تماما، وعلى عاتق وزارة الثقافة مسؤولية وطنية كبيرة، وأعتبرها وزارة السيادة الأولى لأنّ الثقافة هي المستقبل وهي الأساس لكل نظرة مستقبلية، والثقافة تعتمد على الفنون ولكن أساسها الأول هو الكتاب والمكتبات الخاصة والعمومية ليس مكتبات بيع الأقلام والورق فقط وإنّما مكتبات بيع الكتب لذلك ينبغي أن تكون المكتبات العمومية في كلّ قرية وفي كلّ مكان وفي كلّ حيّ وليغرس المعلمون والأساتذة حب المطالعة في التلميذ ولترجع حصة المطالعة إلى البرامج المدرسية، وليُحاسب الأساتذة الجامعيون الطلبة على ما قرؤوه من كتب.
المستقبل، من مختلف جوانبه وزواياه كيف تراه؟
- نظلم أنفسنا وتاريخنا إن لم نتفاءل بالمستقبل، هذه بلاد النوابغ في مختلف الفنون، من حنبعل إلى بورقيبة في ميدان السياسة، ومن ابن خلدون إلى الشابي في ميدان الفكر والأدب، ولكن إن لم تتدارك الحكومة مراجعة التعليم العالي والبحث العلمي والبرامج المدرسية في المعاهد الأساسية والثانوية، مراجعة عميقة وشاملة بَدْءا بالتخلّص من ٪25 الباكالوريا، وهي الرزيئة الكبرى في تاريخ التعليم التونسي، فإنّ المستقبل يكون أسوأ ممّا نحن فيه كما بيّنتُه في كتابي: «في الثقافة وإثبات الذات» فالتعليم يرتكز على تنوير الفكر بالفنون والآداب وتغذية الروح بالقيم الإنسانية العليا منها التسامح والاعتدال والمحبّة والرأفة بالإنسان، وأساسا التفتح على الفضاءات والتعلّم منها، ونبذ العنف والإرهاب والانكفاء على الذات والانغلاق والجمود والتحجّر.
وأقول حذار من الإيديولوجيات الهدّامة والخطيرة الغريبة عن فكرنا وديننا ومذهبنا المالكي الواقعي وطريقتنا الأشعرية التي تعتمد العقل والفكر والمنهج العلمي، ونِحْلَتُنا الجنيديّة التي تدعو إلى محبّة الله والإنسان والرّأفة بالحيوان والرحمة للبشر والشفقة عليهم وعدم الإضرار بهم والتضحية في سبيل خيرهم وإسعادهم.
فالأيديُولوجيات التي تعتمد التعصّب والكره والعنف لا تتلاءم مع روحنا وتاريخنا وخصوصياتنا وشخصيتنا الوطنيّة، فهي خطر كبير على مستقبل بلادنا، تنذر بالانحلال والذوبان والتمسخ والتفسّخ الأخلاقي والديني والإنساني فحذار من التعصّب والتطرّف والانغلاق والعنف والعصبية الكريهة.
عملت في جامعات اليابان وأمريكا وكوريا الجنوبية والهند وقطر، بماذا عدت منها؟
- كانت لي تجارب ثريّة أفدتها من علاقاتي بالأساتذة والطلبة، وربط صداقات معهم، وما لاحظته هو حبّ العلم عند الطلبة، اليابانيين والكوريين والأمريكيين وحبّ أوطانهم، والغيرة عليها، والافتخار بذاتيتهم وتراثهم الفكري والأثري، والغيرة على لغتهم إذ يأنفون من استعمال اللغات الأخرى وفي كلّ جامعة كنت اندهش لما أراه من احترام كبير للأساتذة فيكاد يقدس في اليابان وكوريا مع احترامهم للآباء والأجداد، وما لاحظته في اليابان وكوريا خاصة هو النظام والعمل الدؤوب واحترام الأوضاع الاجتماعية والتواضع ومحبّة الجميع واحترام المواطن مهما كان والرغبة في التحسّن وخدمة الوطن بجدّ.
أمّا في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد شاركت في ملتقيات علمية عالمية عديدة بفرجينيا وولاية كولورادو ودنفر حيث اجتمع أكثر من مائة عالم وعالمة من جميع أنحاء الدنيا حول القضايا العربية والإسلامية، وتاريخ العرب والمسلمين المعاصر. وقد ساهمت في هذا الملتقى بشرح قضيّة فلسطين، وأسبابها ووضعها، كما التأم في «نورفولك» ملتقى مهم شارك فيه علماء أمريكيون وآخرون من استراليا وأنقلترا والمغرب، مختصّون في قضايا الإسلام المعاصر، وترأست فيه ورشة عمل خاصة بالدفاع عن اللغة العربية وضرورة تعليمها بالولايات المتحدة الأمريكية للاطلاع عن كثب على حقيقة القرآن والحديث النّبوي والمبادئ العليا التي يدعوان إليها من تسامح ومحبّة وغيرهما كما أني أنشأت في جامع فرجينيا إجازة في الدراسات الإسلامية تدوم أربع سنوات.
وفي كوريا الجنوبية أنشأت قسما للدّكتورا في الأدب العربي واللغة العربية تخرّج منه عدد من الأساتذة الجامعيّين هم الآن يدرّسون الأدب العربي واللغة العربية في الجامعات الكورية.
وقد استفدت كثيرا في جامعة هارفارد قرب بوسطن وهي تعجّ بالمخابر العلميّة ولها مكتبة عظمى فيها كلّ ما يصدر من كتب في العالم بجميع اللغات، وفيها قسم يخصّ تاريخ البلاد العربية وآدابها وفنونها اطلعت فيه على كتب ووثائق نادرة عن تونس ومكتبة هارفارد هي أكبر مكتبة في العالم موزّعة على 98 مكتبة كلها خاصة بعلم من العلوم، وهي قائمة منذ سنة 1638.
ولقد كتبت كتابين عن إقامتي في هذه البلدان وما شاهدته فيها وما استفدته منها، وهما «من سيول إلى سنغافورة» نشرته سنة 1988 عن الشركة التونسية للتوزيع، وكتاب «رحلة الشرق والغرب» سنة 2004، فصّلت فيهما القول عن تجربتي في الجامعات الكورية واليابانية والأمريكية وخاصة مساهمة النظام التربوي الكوري والياباني والأمريكي الذي يعتمد أساسا على تعليم التلميذ احترام قيمة الإنتاج والعمل لارتقاء السّلم الاجتماعي وتوفير الثروة الاقتصادية، ويرتكز من جهة أخرى على تعليم التاريخ الوطني وجعل الفرد عنصرا صالحا في الأسرة والمجتمع منذ المدرسة الابتدائية. وما النهضة التي نشاهدها في هذه البلدان التي لم تكن شيئا مذكورا قبل الحرب العالمية الثانية وصارت في أوج التقدّم العلمي والتكنولوجي إلاّ بفضل نظامها.
حسب جولاتك وأسفارك في بلدان العالم، شرقا وغربا، ما هي المسافة التي تفصل بين العرب والتقدّم؟
- بين الأمس واليوم تخلّف عدد كبير من الدول العربية عقودا من السنين على ما كانت عليه إن لم يكن قرنا من الزمان. انظر ما هو عليه العراق وسوريا واليمن وليبيا، فالشعوب العربية باتت رهينة الأيديولوجيات الغريبة، ومصالح الدول الغربيّة، وكلّها تعمل على إبقاء العالم العربي في تخلّف دائم وجهل مطبق، وفساد شامل، وفقر مدقع.. فالمسافة اليوم بين العالم العربي والعالم المتقدّم مسافة شاسعة كلّ يوم تكبر ممّا يجرّ إلى الإحباط واليأس والبكاء والعويل علي مصير الأمّة العربية. الحمد لله أنّ تونس اليوم سلمت من هذا الوضع الذي نتج عن تغوّل أصحاب المذاهب المتطرّفة مثل «داعش» وأخواتها أو بَنَاتُها، ولكن السؤال هو هل تواصل تونس بناءها الديمقراطي، والقضاء على الفساد بجميع أنواعه؟
هل صحيح أنّ، الناس في تونس وبقية العالم العربي لا يقرؤون؟
- في العالم الغربي، لا تكاد تخلو المكتبات الخاصة من وافدين لشراء الكتب، وأحيانا تجدهم مصطفّين لخلاص أثمان الكتب، أما في تونس والبلاد العربية فقد أصيب الكتاب بكارثة، التلامذة والطلبة لا يقرؤون وكذلك الأساتذة، وهؤلاء لا يشترون الكتب، ولا يحظّون التلامذة والطلبة على القراءة، وليس لهم عموما حبّ الاطلاع ولا التثقّف ولا تكوين مكتبات خاصة في منازلهم لهم ولأولادهم والأمّة التي لا تقرأ، ولا تقدّر الكتاب حقّ قدره أمّة بلا مستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.