الرابطة 2.. النتائج الكاملة لمباريات الجولة 20 والترتيب    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية في انتعاشة لهذه السياحة ذات القيمة المضافة العالية    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاه خالد الحداد : الدكتور أحمد الطويلي ل«الشروق» - الربيع العربي معجزة القرن 21
نشر في الشروق يوم 22 - 10 - 2012


المنتدى
«المنتدى» فضاء للتواصل مع قراء الشروق بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر ، تبتعد عن ذلك إلى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة إثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011.

اليوم يستضيف «المنتدى» الدكتور أحمد الطويلي والّذي اشتغل على العديد من القضايا منها خاصة المتعلقة بالحضارة والتحولات الاجتماعيّة في المجتمع العربي الإسلامي.
وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من السادة حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وتوفيق المديني وعبد الجليل سالم ومحسن التليلي ومحمود الذوادي و نبيل خلدون قريسة الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات.

وبإمكان السادة القراء العودة إلى هذه الحوارات عبر الموقع الإلكتروني لصحيفتنا www.alchourouk.com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.
إنّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا إلى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الإعلاميّة اليوم، إنّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و»جدل المفكرين» و«تباين قراءات» الجامعيين والأكادميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والإنسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها ، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة – في حدود 400 كلمة ) وبإمكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:
[email protected].

إن الحضارة العربية الإسلامية اليوم في أوجها لأن أساس كل حضارة حرية الفكر، ونحن نرى اليوم كيف ترقت المجلات والصحف بمقالاتها، وكيف تحرر الأدباء بأقلامهم والرسامون بريشاتهم فما نقرؤه في عديد الصحف والمجلات من آراء المفكرين والاساتذة الجامعيين والأدباء ورجال السياسة عبروا عنها بكل حرية، فكل ذلك شبيه بما تقرؤه في الصحف الأوروبية والأمريكية.

هذه الثورة هي أعظم ثورة في تاريخ تونس، كانت قبلها ثورات ولكن هذه الثورة لها جذور في الشخصية التونسية عبر التاريخ وان الثورات السابقة بالبلاد التونسية قادها اشخاص ضد الظلم والقهر والفساد ولكن هذه الثورة اقتلعت جذور الفساد من الأساس.

لا يمكن أن نتصور تونس في المستقبل حالة سياسية مثلما كانت منذ ثلاثين سنة وهذه اليقظة العامة في كل أفراد الشعب وهذه الصرخة الصاعدة من أعماق الشعب التونسي هي الأولى في العالم العربي والإسلامي.

إن الربيع العربي يمثل فصلا جديدا في تاريخ الحضارة العربية، ودعني أتحدث عن موقع ثورة 14 جانفي 2011 في الحضارة العربية التونسية، إنها نتاج الحضارة التونسية، نتاج أجيال اتسمت بالعبقرية والنبوغ الفكري والسياسي والعلمي

ما هي قراءتكم للربيع العربي، وطبيعة التحولات الحضارية والسياسية والثقافية الجارية في المنطقة العربية؟

- الربيع العربي من أعظم الأحداث وأجملها وأقواها دلالات في التاربخ العربي قديما وحديثا هو فتح من الله تعالى على الشعوب العربية اذ رفع العربي لأول مرة في تاريخه رأسه عاليا متحديا الظلم والقهر والفساد والمحسوبية والرشوة، إنها معجزة القرن الواحد والعشرين، وإنها هبة من الله تعالى إلى الأمة العربية، أنعم الله بها عليها أولا حين خلصها من الجاهلية ومن وأد البنات والنعرة العصبية بفضل الإسلام والرسالة المحمدية الخالدة، وأنعم عليها اليوم ثانيا حين خلصها من الإستبداد والصلف والعنجهية والتكبر وسلب خيراتها، فهو فتح جديد راجع إلى أن الإنسان خلق حرا ويجب أن يحافظ على حريته ، فالحرية أجمل كنز في الوجود ، سلبها يعني الموت وحياة الجماد، الحرية بجميع أنواعها والقضاء عليها ووضع الحدود لها يعني الاستعباد والاسترقاق فالربيع العربي دخول إلى عهد جديد، إلى خلق إنسان جديد واع بأنه حقق عملا إبداعيا، وظروفا جديدة، فحرام أن يقع الالتفاف على الربيع بزهوره وثماره، والمضرة ستلحق حينذاك بأبناء وحفدة هؤلاء الذين يعطلون مسيرة الشعوب الثائرة. فالربيع العربي كتاب جديد تؤلفه هاته الشعوب وحرام أن يصادروه أو يضعوا محرقة له، وهو يعني الانعتاق والانطلاق نحو حياة جديدة، نحو البناء الذاتي، بناء الإنسان الحر، المؤمن بوطنه، المعتز بعبقرية شعبه والمتفائل بمستقبل مضيء أحسن من حاضر سيء.

كيف ترون علاقة الشرق بالغرب على ضوء الربيع العربي والتحولات العربية؟

لقد سجل الشرق مغربا ومشرقا بثورته موقعا جديدا بالنسبة إلى الغرب فقد ثبت أن العرب جديرون بحياة كريمة مما أنتح تقديرا كبيرا لهم من الغرب. فمنذ الثورة التونسية وما لحقها من ثورات، تطورت علاقة الغرب بالشرق تطورا ملحوظا.

وتطورت سياسة الحكومات الغربية من الشعوب العربية نحو التقدير والاحترام بل الإعجاب بعد أن كانت تنظر إليها نظرة دونية تقول بأن العرب متعودون على الخنوع والعبودية والرضى بالإستبداد وصارت هذه الحكومات تؤازر هذه الشعوب في مسيرتها نحو الديمقراطية، وتدعمها من جميع النواحي ولعل الخطر الاكبر يكمن داخل الاوطان العربية من حكامها الذين لا يستجيبون لمتطلبات الثورة ويحاولون الالتفاف عليها وان تونس قريبة جغرافيا وحضاريا وفكريا من الغرب منذ رحلة أحمد باي المشير الأول إلى فرنسا ثم حركة الإصلاح الأولى في العالم الإسلامي بقيادة الوزير خير الدين ثم بسياسة الزعيم الحبيب بورقيبة الذي أخرج تونس نهائيا من الإنغلاق وجمود الفكر وفتح الأبواب نحو تكوين إنسان متقدم حر متعلم حداثي، يحب وطنه ويغار عليه و حقق له ظروف الصحة وأهدى للمرأة التونسية مجلة الأحوال الشخصية الخالدة بحول الله.

بحسب مقاربتكم ما تأثير الثورة على صورة الإنسان العربي والمسلم في العالم اليوم؟

كنت في السنة قبل الماضية أدرس في جامعة فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية الحضارة العربية والاسلامية وكانوا يسألونني عن تونس وكانوا لا يعرفونها فأحدّث الطلبة والأساتذة عما قدمته تونس للعالم والانسانية من حنبعل الى خير الدين مرورا بابن خلدون والآن صار كل الشعب الأمريكي يعرف موقع تونس وشعبها العظيم بفضل هذه الثورة المجيدة التاريخية وجاءتني الكثير من التهاني من كثير من الزملاء والطلبة الامريكيين وكذلك في فرنسا.

والآن معروف تأثير هذه الثورة في البلاد العربية أما في البلاد الغربية فقد اكتشفوا حقيقة ان العرب جديرون بحياة الكرامة والحرية والديمقراطية وأنّهم شعوب متحضرة وأن الصورة التي عملت بعض اللوبيات الاعلامية العنصرية على ترويجها في الغرب لا أساس لها من الصحة.

هل الحضارة العربية الإسلامية اليوم في منطق قوة أو ضعف؟

إن الربيع العربي يمثل فصلا جديدا في تاريخ الحضارة العربية، ودعني أتحدث عن موقع ثورة 14 جانفي 2011 في الحضارة العربية التونسية، إنها نتاج الحضارة التونسية، نتاج أجيال اتسمت بالعبقرية والنبوغ الفكري والسياسي والعلمي. نتذكر أسد بن الفرات وسحنون وابن خلدون والجنرال حسين. إن الحضارة العربية الإسلامية اليوم في أوجها لأن أساس كل حضارة حرية الفكر، ونحن نرى اليوم كيف ترقت المجلات والصحف بمقالاتها، وكيف تحرر الأدباء بأقلامهم والرسامون بريشاتهم فما نقرؤه في عديد الصحف والمجلات من أراء المفكرين والاساتذة الجامعيين والأدباء ورحال السياسة عبروا عنها بكل حرية، فكل ذلك شبيه بما تقرؤه في الصحف الأوروبية والأمريكية.

كل هذه المقالات والدراسات تساهم في بناء الثقافة الوطنية الفكرية والسياسية والحضارية. ولا تكون الحضارة العربية في منطق قوة إلا باستحضار التاريخ الحضاري العربي والإسلامي في فتراته النيرة، وباسترجاع التاريخ الحضاري الوطني، آثارا ورجالا ومشاهد وإنجازات وتوقا إلى مستقبل زاهر.

كيف ترون أقوم السبل لحوار بنّاء بين الحضارات والثقافات؟

إن مختلف الحضارات والثقافات منذ قديم الزمان متأثرة بعضها ببعض، كل حضارة تلقحت بالسابقة، والنهضة الأوروبية كانت وليدة اتصال الغرب بالفكر العربي، بتآليف ابن رشد وابن سينا والفارابي وابن الجزار والتيفاشي القفصي وابن باجة وابن زهر وابن جابر وغيرهم من الفلاسفة والعلماء الذين لولاهم لما وصل الغرب إلى القمر والمريخ. وأحسن السبل الى هذا الحوار هو المحبة والتسامح والتفاهم وتبادل المصالح وتقدير الشعوب وخدمة القيم السامية والمثل العليا وتفتح الكل على الآخر واقتباس ما يستحسن منه، والتعارف الحقيقي بل أخذ النظم الديمقراطية منها. والتحاور يكون خاصة بين العلماء والأدباء والجامعيين في كل جهة والحوار الدائم بين أساتذة الجامعة التونسية والأساتذة في الجامعات الغربية وقد شاركت في منتديات عدة بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكانوا متطلعين إلى معرفة الإسلام ومبادئه والواقع العربي وقضية فلسطين. وقد أسهمت كثيرا بمحاضراتي ومداخلاتي لتقريب هذه القضايا من الأساتذة الغربيين.

هل هناك أزمة ثقافية حضارية تتجسد خاصة في الحملة التي تسيء إلى المقدسات والرموز الدينية؟

ليس هناك أزمة، هي أزمة مفتعلة لم تكن هناك أي إساءة الى رموزنا الدينية، أعتبر أن التونسيين مسلمون، مؤمنون بالله ورسوله، فإن كانت هناك بعض الإساءات فهي تعتبر من الشذوذ الذي لا يقاس عليه، شذوذ ناتج عن جنون وعدم وعي أو عن حماقة. فما قدم على أنه إساءة، لم يكن ذلك كذلك مثل أحداث العبدلية، فالإساءة من هذا النوع لا تمس إيماننا ولا خوف على الإسلام في بلادنا، إسلام متجذر في قلوبنا، في تربتنا في الهواء الذي نتنفس، في الدم الذي يسري في شراييننا، في تاريخنا، في حضارتنا، في ثقافتنا، في معالمنا الحضارية، في آثارنا، في الرابطة التي تربطنا بعضنا ببعض.

كيف تنظرون إلى مستقبل المنطقة العربية؟

بفضل الثورة التونسية ثم المصرية انتشر الوعي في النفوس وأدركت الشعوب العربية أنه لا أحد يستطيع أن يستعبدها، وامتلكت حريتها ويجب أن تحافظ عليها وتشد عليها كل الشد لتستطيع أن تنهض وتحقق رغباتها ولا تترك أي مجال للاستبداد سواء من الحكام أو من الدول الأجنبية التي تريد استغلالها. فالثورات العربية تبشر بكل خير رغم ما تلاقيه البلدان العربية من صعوبات ومشاكل ستتغلب عليها إن شاء الله.

هناك جدل حول علاقة الإسلام بالمسألة الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة ما هو رأيكم؟

الإسلام لا ينافي الديمقراطية، مبادئه هي مبادئ الديمقراطية أي حكم الشعوب بأنفسها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تجتمع أمتي على ضلالة» بل إن القرآن والحديث النبوي الشريف يعلماننا وكذلك التاريخ الإسلامي كيف كان القضاء مستقلا في بعض العهود وكيف يكون الخليفة مثل عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب يستشير الصحابة بل رضي الله عنهم يبدون آراءهم بكل حرية وطلاقة مثل أبي ذر الغفاري وغيره وذلك رغبة في مصلحة المؤمنين. فالإسلام يرمي إلى سعادة المؤمن وأمنه وحريته، يقول عمر بن الخطاب: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.» ولا يتم ذلك إلا بنظام ديمقراطي يعتمد الفصل بين القضاء والحكم وحرية الرأي.

جرت أخيرا أحداث تتمثل في الاعتداء على بعض الزوايا ومقامات الأولياء، ما هو رأيكم في ذلك؟

إنه اعتداء صارخ على تاريخنا الحضاري وثقافتنا الوطنية وذاتيتنا التونسية وعلى شعبنا المسلم المؤمن، إن هذا الاعتداء يثير السخط والاستياء والمرارة. فدافعه الجهل بثقافتنا وتاريخنا ودور هذه الزوايا والمقامات من النواحي الحضارية والاجتماعية والثقافية والدينية عبر العصور. فهؤلاء الأولياء رجالا أو نساء قد قاموا بدور تاريخي وتعليمي واجتماعي وتربوي ونفساني في عصرهم فهم أصحاب قيم ومبادئ كانوا نشروها في مجتمعهم وأثبتوا بها الذاتية التونسية يدلون على أن تونس لم تكن تخلو من عظماء في التقوى أو الفكر أو التأثير الشعبي الإيجابي وهذه الزوايا لها دور اقتصادي كبير خاصة داخل البلاد بالإضافة إلى ما تنسجه من روابط اجتماعية ووطنية حدثتنا عنهم كتب التاريخ والطبقات وكذلك الذاكرة الشعبية في مناهضة الاستعمار ضد النورمان أو الاسبان أو الفرنسيين حديثا.
ما الذي ترونه في مسألة العلاقات اليوم بين الأحزاب وما هو تأثير ذلك؟

إن هذه العلاقات تنافسية ويجب أن يكون أساسها التوادد والمحبة فكل الأحزاب عموما ما عدا بعضها ترمي إلى إرساء ديمقراطية وإلى خير الوطن وإن من تعوزه المحبة من هذه الأحزاب ليس من الخير أن يسود البلاد إن الإسلام لم يوجد للعنف ولا للاضطهاد بدعوى الدين وإنما وجد لتنظيم الناس . فالدين ينافي العنف والظلم والقتل، وينافي الكبر والتسلط ويربينا على التحلي بالأخلاق الفاضلة ووداعة النفس. فالإسلام يعني المحبة ولا يكون بغير المحبة. وإن هؤلاء الذين يرمون الناس بالكفر هم متعصبون عتاة ظالمون لكنهم متسامحون مع الفساد والمحسوبية ورذيلة العنف. إن رفض التسامح والمحبة لمن يخالفك الرأي لسبب من أسباب الحروب وينذر بكل الويلات. فلا أحد يمكن له أن يتدخل بينك وبين الله تعالى. فالله عز وجل لم يكلف أي أحد ليكون بينه وبين المسلم المؤمن.

ما علاقة الشخصية التونسية على مرّ العصور بالثورة الحالية؟

كما قلت سابقا هذه الثورة هي أعظم ثورة في تاريخ تونس، كانت قبلها ثورات ولكن هذه الثورة لها جذور في الشخصية التونسية عبر التاريخ وان الثورات السابقة بالبلاد التونسية قادها أشخاص ضد الظلم والقهر والفساد ولكن هذه الثورة اقتلعت جذور الفساد من الأساس، لا يمكن أن نتصور تونس في المستقبل حالة سياسية مثلما كانت منذ ثلاثين سنة وهذه اليقظة العامة في كل أفراد الشعب وهذه الصرخة الصاعدة من أعماق الشعب التونسي هي الأولى في العالم العربي والإسلامي، وإني كلما أستمع الى تلك الصرخة التي صرخها ذلك التونسي الحرّ المعبر عن عواطف وأفكار كل التونسيين الأحرار وهي «الحرية للتوانسة الشعب التونسي لن يموت» وغير ذلك من العبارات التي ترددها بعض القنوات في العالم العربي وبعض الاذاعات إلى اليوم كلما أسمعها الا ويهتز قلبي وتغرورق عيني بالدموع من هذه الصرخة «المجد لتونس المجد للشعب».

فالشعب التونسي منذ التاريخ القديم علّم الناس والشعوب والبلدان الحرية فهي بلد الحضارة منذ آلاف السنين وهي التي علمت الشعوب معاني الحضارة والحرية والتقدم.

ولكن أيّ مستقبل للثقافة في تونس الثورة؟

اليوم والحمد لله بدأت الثقافة التونسية تأخذ مكانها يعني بدأت أوضاعها تتضح ومشاكلها تبرز كل ذلك في سبيل إرساء ثقافة تونسية حداثية متقدمة لا يمكن الا تكون اليوم الثقافة مرآة لتونس الثورة والحضارة.

وأنا متفائل جدا في أن تكون عناصر الثقافة التونسية متطورة. كلّها عطاء في سبيل التطوير المستمر لا يحده حد فالحرية هي أساس كل إبداع أدبي او فكري أو فني.

وضعية المبدع العربي اليوم تلقى بعض الصعوبة، ما هي وجهة نظركم في أدوار المبدعين؟

الإبداع الجاد ليس في متناول أي كان فإلى جانب كونه عطاء ربّانيا فهو معاناة وعذاب ولادة. والمبدع منتوج سام من انتاجات المجتمع الخلاق وهو صورة منه يسير بها نحو التقدم والتطوّر وعالمه لا يعرفه سوى المبدعين فلولا روسو وفولتير وديدرو لما تقدمت فرنسا ولما كانت الثورة الفرنسية التي أشعت على العالم وأدخلته في دنيا المساواة والحرية والعدالة ولما تألقت الحضارة الغربية، ولولا الشابي لما استلهم الثائرون في جميع البلدان العربية نشيد الخلاص من الظلم والقهر وتشبثوا بالحياة الكريمة وتعلقت همم الشعوب بالحرية والأمل في القضاء على الاستبداد.لذلك فان اضطهاد المبدع سواء كان شاعرا أو روائيا أو رساما تشكيليا أو مسرحيا أو سينمائيا أو غيرهم من الفنانين هو اضطهاد للإنسانية الخلاّقة ورجوع إلى عهود الانحطاط وتذكير بمحاكمة المبدعين القدامى مثل لسان الدين بن الخطيب وابن رشد والحلاج.

إن اضطهاد المبدع وقمع المبدع غير مقبول ومرفوض بشدّة، ولا بد من توفير الحرية للمبدع كي ينبلج نور الحق والخير والجمال فهو عنوان التقدم والحضارة والمدنية.

المثقف التونسي مشتت اليوم في خضم تجاذبات السياسة ، ما طبيعة هذا التحدّي وهل تقر بوجوده فعلا؟

المثقف الحقيقي يكون منتميا لرغبات وطنه وهو مرآة لأحاسيسه وأفكاره وهو يعبّر بالأساس عن هذا الشعب وما يؤلمني في هذا العدد الضخم من الأحزاب ان بعضها ليس باعثها الوطن وحده وهذه الأحزاب التي لا ترتكز على الذاتية التونسية والوطنية الصادقة ولا تؤمن بمصالح الوطن وحده ولا تستوحي من رجالاتها الذين ركزوا الهوية التونسية فهي ضارة بمستقبل الوطن، يجب ان تكون تونس هي الأولى والأخيرة في أي برنامج يقدمه حزب من الأحزاب ويشارك فيه أو يلتزم به المثقفون، فكيف يؤسس المشهد السياسي والحزبي في تونس ما بعد الثورة بدون معرفة التاريخ التونسي وإشعاع تونس عبر العصور وفي سائر البلدان.

مما صدر لك أخيرا كتاب الزعيم عبد العزيز الثعالبي مسيرة نضاله الفكري والسياسي فهل تقدمون لنا هذا الكتاب ودور عبد العزيز الثعالبي الإصلاحي وفي مقاومة الاستعمار؟

هو من زعماء تونس الأفذاذ الذين قاوموا الاستعمار وناضلوا في سبيل إدخال تونس في طور الحداثة، عانى من النفي والسجن والغربة، وأحب تونس حتى النخاع فهو زعيم النهضة التونسية المطلق كما يقول الفاضل بن عاشور بماضيه السياسي والإصلاحي في ميادين الدين والمجتمع والسياسة، ولد بتونس في 5 سبتمبر 1876 في عائلة عرفت بالعلم والتقوى وقد عانى من الظلامية والتعصب الديني ثم رفعت ضده في جوان 1904 قضية بتهمة المس بسيدي عبد القادر وبعض الأولياء، كان يمشي في الأنهج ووراءه ناس يتهمونه ويلعنونه ويقول: هذا الكافر عدو الله وسجن شهرين

وفي جوان 1920أسس الحزب الحر الدستوري. وسافر إلى فرنسا للتعريف بالقضية الوطنية فكان أول شخص اتصل هناك برجال السياسة والأحزاب والصحفيين لنشر القضية التونسية وأسس أول حزب سياسي يذب عن مصالح الشعب ويطالب بتحريره جامعا الشباب والشيوخ والنساء لمناهضة المستعمر وتخليص البلاد من الاحتلال مما انجر عنه اضطهاده وألف كتاب تونس الشهيدة منتقدا الاستعمار الفرنسي بتونس ونشر الكتاب بلغته الفرنسية في جميع أرجاء أوروبا وأمريكا مما أثار ضده فرنسا فجيء به إلى تونس مقيدا من باريس وحوكم أمام مجلس عسكري. وفي قضيته الأولى سنة 1904 نشرت الجرائد حملة ضده وفي السجن ألف كتاب الروح التحررية في القرآن كتبه مدافعا عن الإسلام وتسامحه وتحرر روحه مبينا للفرنسيين أنه دين التقدم والمدنية، فهذا الكتاب هو البيان الاجتماعي والإصلاحي في حركة الثعالبي التحررية الإصلاحية بين فيه مرامي القرآن الأخلاقية والاجتماعية والدينية من ضمنها مبادئ حقوق الانسان من محبة وحرية وتسامح وتحرير المرأة وكان لهذا الكتاب صداه في المشرق والمغرب وترجمت بعض فصوله في جريدة الأهرام.

بالإضافة إلى كتابه الروح التحررية في القرآن، نذكر الجرائد العديدة التي أنشأها أو رأس تحريرها مثل سبيل الرشاد وجريدة التونسي، كانت غاية الثعالبي النهوض بتونس والسعي إلى الإصلاح الديني والفكري التف حوله شبان من الزيتونة والصادقية يجتمعون به ويؤمنون بأفكاره، يجتمع بهم في بعض المقاهي في الحلفاوين وببعض النوادي مثل نادي باب بنات وكان برنامجه يعتمد على التعليم ونشره وإصلاحه وإنشاء مدارس ثانوية في أهم جهات الوطن على النمط العصري وإرسال بعثات علمية إلى كليات أوروبا للتكون في الطب والعلوم العصرية ونشر الثقافة العصرية بطبع الكتب والتكثير من المكتبات ونشر الجرائد وتكوين الجمعيات.

من أهم مبادئه التسامح بالاعتماد على القرآن ونقرأ في كتاب الروح التحررية في القرآن برنامجا كاملا للإصلاح يحتوي على الطرق الكفيلة للخروج من التخلف الفكري والمادي بالاعتماد على القرآن خاصة بالقضاء على التعصب الديني والتكفير. ويتساءل الثعالبي كيف جعل من ذلك الكتاب المقدس أداة للتعصب والتزمت ويستنكر إغلاق باب الاجتهاد والاقصاء عن كل حركة ثقافية وحضارية تقدمية.

ويؤكد الثعالبي أن المسلمين الأوائل احترموا الديانات المختلفة التي وجدوها في البلاد التي فتحوها ويؤكد أن القرآن لم يكن قط أداة للبغضاء والحقد والكره والتعصب وعدم التسامح ويبين أنه لا وجود في القرآن وسيرة السلف الصالح التعصب الأقصى والكراهية .

وهناك محور آخر في برنامج الثعالبي الإصلاحي وهو تحرير المرأة وذلك للحفاظ على مصلحة الأسرة ويشن حربا شعواء على الجهالة والتعصب داعيا الى نشر أفكار التقدم والتمدن.

من هو الدكتور احمد الطويلي؟
هو أستاذ تعليم عال في اللغة والآداب العربية بتونس ودكتور دولة ومبرز في اللغة والاداب العربية. مؤلف أكثر من ثمانين كتابا في البحث والتحقيق والدراسة والمقالة والقصة. ولد بحومة الجامع بالقيروان، وتلقى فيها تعليمه الابتدائي بمدرسة الأسوار، والثانوي بالمدرسة التكميلية ثم بالمعهد الصادقي بتونس والعالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ومعهد الصحافة.وعلوم الإخبار بتونس درّس بجامعة هون كونغ للغات والدراسات الأجنبية بسيول بكوريا الجنوبية وجامعة قطر. له عدة برامج اذاعية بثّت لأكثر من عشر سنوات وأذيعت له عدة مسلسلات مسرحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.