التونسية (تونس) نظمت أمس جمعية القضاة التونسيين بمساعدة مؤسسة هانس زايدل (تونس، الجزائر، ليبيا) ندوة علمية تحت عنوان «قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، بين تحّدي مواجهة الإرهاب ورهان حماية الحقوق والحريات». وافتتحت الندوة بكلمة ألقتها روضة القرافي رئيسة جمعية القضاة أكدت فيها على أهمية مناقشة قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الجديد. وقالت القرافي ل«التونسية»، إن القانون الجديد المتعلق بمكافحة الإرهاب من اكثر القوانين المثيرة للجدل، خاصة من جهة تحقيق التوازن الأهم وهي مكافحة الإرهاب، وحماية الحقوق والحريات مضيفة أننا دخلنا مرحلة جديدة، وهي مرحلة القانون والمؤسسات، منبهة إلى أنه تمّ تمرير القانون بسرعة مما لم يسمح بالتثبت من مدى دستوريته، ومدى تطابقه مع المعايير الدولية مشيرة إلى أن القانون غامض خاصة في تقديم تعريف للجريمة الإرهابية في بعدها السياسي. وأضافت القرافي ان التصدي للجريمة الإرهابية، لا يكون من الجانب التشريعي والامني فقط، بل من خلال وضع مقاربة شاملة، تشمل الصعيد الإقتصادي، الإجتماعي والثقافي. قطب قضائي مختص، أم قضاء إستثنائي؟؟؟ واعتبرت روضة القرافي أن وضعية القطب القضائي الجديد، المخصص للنظر في القضايا المتعلقة بالإرهاب، غير واضحة بمقتضى القانون الجديد، وأن التساؤل قائم حول ما إذا كان القطب محكمة مختصة، أو قضاء متخصصا، متسائلة عن ماهية طبيعته القانونية منبهة إلى أن هذا القطب يحتوي على دائرتين فقط، مما يعني وجود اتجاه واحد ملاحظة أن ذلك ما لا يجب أن يكون حتى لا نقع في مسألة القضاء الإستثنائي أو الخاص. من جهته، اعتبر محمد العجمي المحامي والأستاذ الجامعي، أن إحداث القطب القضائي المختص يعتبر من أبرز العراقيل التي يمكن أن تواجه مكافحة الجريمة الإرهابية، لما فيها من مس بتنظيم المحاكم، معتبرا أن في إحداثه تأثير على نوعية التعامل مع القضايا المطروحة المتعلقة بالجريمة الإرهابية. تغييب حقوق الدفاع... وضرب الحقوق والحريّات واعتبر محمد العجمي أن قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال الجديد هو تنقيح لقانون 2003، حسب اعتقاده، باعتبار أنه لا يحمل أي تغيير في مضمونه أو جوهره، إضافة إلى وجود النقل الحرفي لبعض فصول القانون القديم، مضيفا «القانون لم يحمل معاني جديدة في مضمونه، مما يجعله أقرب إلى أن يكون تنقيحا لقانون 2003، من أن يكون قانونا جديدا لمكافحة الإرهاب». وأكد العجمي أن القانون الجديد المتعلق بمكافحة الإرهاب تعامل مع الإرهاب، معاملة أمنية بحتة، وأنه اكتفى بالجانبين الأمني والتشريعي فقط منبها إلى أنه يجب التعامل مع الإرهاب من خلال استراتيجية شاملة، أمنية، إقتصادية، إجتماعية، وثقافية، على أساس أن له أسباب ثقافية وإيديولوجية وإجتماعية ومالية، من خلال ما يلعبه الفساد والرشوة، وسياسة الدولة، والإستغلال الشديد، وإنتهاك حقوق الإنسان من دور في إنتشاره. وأضاف العجمي أن عديد الثغرات تخللت القانون الجديد منها غياب مفهوم واضح للجريمة الإرهابية، مشددا على خطورة تفادي القانون لمقتضيات الفصل 2 من الدستور، والفقرة 2 من الفصل 6 منه. وأكد محمد العجمي على أن قانون مكافحة الإرهاب، غيّب حقوق الدفاع، خاصة بالنسبة للمتهمين، مما يؤدي إلى المس بأهم الفصول المتعلقة بالمبادئ العامة للفصول، وبالنصوص المتعلقة بالحقوق والحريات الاساسية المكفولة بالدستور، وبحق الدفاع، والحق في المحامي، والحق في التظاهر، مما يجعل الدستور مجرد نص قابل للتأويل السياسي. وجدد العجمي دعوته إلى القضاء، من أجل تطبيق مقتضيات مجلة الإجراءات الجزائية، وتفعيل حقوق الدفاع، وتفعيل المعاهدات الدولية وتطبيقها. أمّا بسام الكراي الأستاذ المحاضر بالمعهد العالي للدراسات القانونية بقابس فقد دعا القضاء إلى العمل على حماية الحقوق والحريات الأساسية، وفق ما أقره الدستور، معتبرا أن بناء دولة القانون لا يمكن أن يتأسس على أعمدة مختلة، بل ينبغي أن ينبني على احترام إرادة المؤسس، وذلك بإخضاع النصوص إلى رقابة دستورية، التي تعطي للنص شهادة مطابقة للمواصفات الدستورية. محدودية التلاؤم بين القانون الجديد والمعايير الدولية لمكافحة الإرهاب وقدم محمد بن لطيف وكيل رئيس المحكمة الإبتدائية بصفاقس، لمحة عامة حول النظام القانوني العالمي لمكافحة الإرهاب، مؤكدا ان المجتمع الدولي وضع إتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات منذ سنة 1963، (13 اتفاقية، 3 بروتوكولات)، إضافة إلى قرارات مجلس الأمن، وتوصيات المقرر العام، في انتظار صدور اتفاقية شاملة، مازالت في حالة تفاوض منذ سنة 2008، على حد تعبيره. وصرّح بن لطيف أن تلاؤم القانون الجديد مع المعايير الدولية ورغم ما تضمنه من أوجه التحسن مازال محدودا منبها إلى ان القانون لم يتقيد بالمعايير الدولية في تعريف الجريمة الإرهابية، وأنه تم إغفال بعض المعايير في السياسة الجزائية، مضيفا: «القانون الجديد احتوى على العديد من الثغرات، تتعارض مع المعايير الدولية، من ذلك محدودية الحماية القانونية للمتهمين، وعدم وجود ضمانات المحاكمة العادلة، إضافة إلى أنه شمل مفاهيم موسعة مما يمس بحقوق الإنسان، كما أنه لم يتضمن مفهوما واضحا للجريمة الإرهابية، باعتبار أن ما ورد في مقتضيات الفصل 13 من القانون الجديد، تعريف فضفاض، وغير عملي بالمرة»، منبها إلى أنه لم يتم تقديم تعريف واضح للجريمة الإرهابية في النصوص الدولية، أو المواثيق الدولية، إلا ما تم التنصيص عليه في قرارين فقط لمجلس الأمن، مضيفا «توصيات المقرر العام بالأمم المتحدة، حاولت وضع تعريف للجريمة الإرهابية، من خلال وضع 3 معايير، يمكن لنا الإستدلال بها لمعرفة ما إذا كانت الجريمة المرتكبة، جريمة إرهابية أم لا، وهي معيار الوسيلة المستخدمة للقيام بالجريمة، وأن يكون القصد من العملية هو إرهاب الناس، وان يكون الهدف هو تحقيق أهداف سياسية أو إيديولوجية، أو عقائدية».