عقدت صباح أمس جمعية القضاة التونسيين ندوة علمية تحت عنوان «قانون المجلس الأعلى للقضاء، وقانون المحكمة الدستورية»,وقالت روضة القرافي رئيسة الجمعية ان هذه الندوة جاءت لتسليط الضوء على آخر التطورات وعلى مدى استجابة لجنة التشريع العام داخل مجلس نواب الشعب لقرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين الصادر بتاريخ 8 جوان 2015، القاضي بعدم دستورية مشروع القانون عدد 16 لسنة 2015، المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، مشيرة الى أن أعضاء لجنة التشريع العام عبروا عن حرصهم على تعديل الفصول غير الدستورية، وجعلها ملائمة للدستور التونسي، منبهة إلى أنهم لم يتعاملوا بإيجابية مع قرار الهيئة، معتبرين إياه غامضا وناقصا ومليئا بالإخلالات القانونية، على حد تعبيرها. وقالت القرافي إن الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع القوانين أكدت على أولوية مشروع الحكومة المحال على مجلس نواب الشعب في 12 مارس 2015 على الجلسة العامة بالنظر وذلك طبقا للفصل 62 من الدستور، منبهة إلى أن في عدم عرض مشروع الحكومة على الجلسة العامة وعرض مشروع مغاير له، وهو المشروع المصاغ من لجنة التشريع العام، خرقا للفصل 62 من الدستور يقتضي الإصلاح، مؤكدة أن التنفيذ السليم لقرار الهيئة الوقتية لمراقبة مشاريع القوانين يتطلب إزالة الخلل الحاصل في إجراءات العرض على المصادقة، والعودة لعرض مشروع الحكومة المؤرخ في 12 مارس 2015 مع التعديلات والتحويرات المقترحة على ذلك المشروع ليتم الحسم في المشروع برمته من الجلسة العامة، على حد قولها. ونبهت القرافي إلى ضرورة تطبيق واحترام مقتضيات قرار هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين من حيث الشكل ومن حيث الأصل، مشددة على ضرورة استشارة هيئة القضاء العدلي في مشروع القانون الأصلي، أي مشروع الحكومة المحال على مجلس نواب الشعب بتاريخ 12 مارس 2015، في نطاق صلاحيات الحكومة في المبادرة التشريعية وأولوية النظر التي تحظى بها تلك المبادرة، ودراستها من قبل لجنة التشريع العام وتقديم مقترحاتها في تعديل وتحوير ذلك المشروع، وإحالته رفقة التعديلات المدخلة عليه على الجلسة العامة لمناقشته بالاعتماد على مضامين قرار هيئة الرقابة على دستورية القوانين كمبادئ فقه قضائية دستورية، يجب التقيد بها في تصور المجلس من حيث تركيبته وصلاحيته. كما أكدت القرافي أن التعقيدات والصعوبات التي جوبه بها تنفيذ قرار هيئة الرقابة على الدستورية بسبب اصرار لجنة التشريع العام على عدم الرجوع لمشروع الحكومة المؤرخ في 12 مارس 2015، هو رفض لذلك المشروع، والذي اعتبرته القرافي أكثر مطابقة للدستور، موضحة أهم الاختلافات الجوهرية بين مشروعي الحكومة ولجنة التشريع العام قائلة «من أهم الاختلافات هي التقليص في عدد أعضاء المجالس من 21 إلى 15 عضوا، والتقليص في عدد القضاة المنتخبين بكل مجلس من المجالس القضائية من 21 الى 11، والتقليص من صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء، وذلك بحذف الاختصاصات المتعلقة بوضع التدابير المتعلقة بالمسار المهني للقضاة ونظام تأجيرهم طبق النظام الأساسي للقضاة، والإشراف على المعهد الأعلى للقضاء، والإشراف على التفقد القضائي». بين التبني والتصدي من جانبه أكد احمد سهيل الراعي مندوب دولة بالمحكمة الإدارية في مداخلته ورود مراسلة على مجلس نواب الشعب من قبل رئيس الحكومة، أقر فيها بأن «المشروع المعدل أضحى يتماشى والمشروع المقدم من طرف الحكومة ويستجيب لأهدافه»، وان المراسلة لم تتعرّض إلى مسألة تراجع الحكومة عن مشروعها الأصلي أو تخليها عنه، وتبني المشروع المعدل. وأشار الراعي إلى أن التطبيق السليم لقرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في ما يتعلق بمسألة تعهيد الجلسة العامة يقتضي استحضار المفاهيم الأساسية التي استند إليها وفي مقدمتها مفهوم مشروع الحكومة بوصفها صاحبة المبادرة التشريعية، بما يفترض أن يكون تدخلها أًصليا لا ثانويا أو فرعيا لمجرد التسوية، ملاحظا ان ذلك يدعم ضرورة استيفاء المسار التشريعي الذي يقتضيه الدستور، مؤكدا على أن الحكومة لم تحسم بعد في مسألة «التبني والتصديق» منبها الى أن إقحام الحكومة في تنفيذ قرار هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين فاقد لكل شرعية، ولكل أساس قانوني. تسييس قضاة المحكمة الدستورية؟ من جهته تطرق محمد بن لطيف وكيل رئيس المحكمة الابتدائية بصفاقس، إلى مسألة تعيين المجلس الأعلى للقضاء أعضاء المحكمة الدستورية، ولما تكتسيه مسألة تعيين قضاة المحكمة الدستورية من أهمية، لما لها من تأثير مباشر على استقلالية المحكمة وجودة أدائها. وأكد بن لطيف أن تأسيس محكمة دستورية مستقلة، يعمل قضاتها على تفسير القانون بكل استقلالية وموضوعية وشفافية، يستوجب تحصين تركيبتها من التأثيرات والضغوطات السياسية، مضيفا «إن طريقة التعيين كما وردت بالفصل 118 من الدستور، وكما فصلت بمشروع القانون المنظم للمحكمة الدستورية لم تجنب قضاة المحكمة الدستورية خطر التسييس، ولم تقر الضمانات الكافية للحد من خطر التسييس». ضمانات ... ونبه بن لطيف إلى ضرورة الحد من خطورة تسييس التعيينات بالمحكمة الدستورية، خاصة أن تعيين ثلثي أعضائها يتم عبر جهة سياسية (رئيس الجمهورية ومجلس نواب الشعب)، مضيفا «تحديد التعيين بالمحكمة الدستورية بفترة واحدة مدتها 9 سنوات، وتجديد ثلث أعضاء المحكمة كل 3 سنوات وانتخاب أعضاء المحكمة من بينهم رئيسا ونائبا، يعد من الضمانات الأساسية التي أتى بها الفصل 118 من الدستور للحد من التأثير السياسي على تركيبة المحكمة الدستورية وعلى أعمالها بالتبعية، إلا أن هذه الضمانات، وعلى أهميتها، تبقى غير كافية لتحصين المحكمة الدستورية، ويجب إدخال ضمانات جوهرية أخرى لضمان إستقلالية قضاة المحكمة، كتمتيعهم بالحصانة الكاملة الجزائية والمدنية، وتكريس مبدأ عدم قابلية العزل». إشكاليات وتعقيدات ومراوغات ... أمّا الأستاذ الجامعي والمحامي محمد العجمي فقد قدّم أهم الإشكالات التي يطرحها قانون المحكمة الدستورية، والمتعلقة بطرق التعيين وجهة التعيين وطريقة تجديد الأعضاء وكيفية التجريح في أعضاء المحكمة، متطرقا إل مشكل الشغورات.وأكد العجمي أن الصراعات الموجودة اليوم تحت قبة مجلس النواب حول مشروع الحكومة وبعض مقترحات نواب الشعب، هي مشاكل وصراعات مفتعلة، خاصة أن هناك اتفاقا بينهم في المسائل الجوهرية، ما عدا ما تعلق بالعضويات، ملاحظا أن الهدف من وراء كل ما يحدث هو فرض السيطرة على المحكمة الدستورية، لضمان التموقع الحزبي داخل المحكمة. خولة الزتايقي