تحقيق: ايناس الميّ هم مواطنون اقترنت أسماؤهم بالثورة التونسية داخل الوطن وخارجه أيضا وتناقلت صورهم وسائل الإعلام الوطنية والعالمية نظرا للخصوصية التي تفرد بها كل منهم , فمن بينهم من عرف بكلمة, مثل صاحب عبارة «هرمنا» ومنهم من عرف بصورة ,كصاحب القفص والحمامة البيضاء, ومنهم من تحدى النظام في الساحات ,ومنهم من كان سلاحه القلم, ومنهم أيضا من عاش القمع فعبر بطريقة مؤثرة عن هروب بن علي. جمعهم تاريخ مشترك وهدف واحد فطبعت صورهم في الأذهان وصارت خالدة خلود الثورة. اليوم وبمناسبة مرور 5 سنوات على ثورة 17 ديسمبر 2010 14 جانفي 2011 عديد الأسئلة تفرض نفسها: من هم هؤلاء؟ ماذا كانوا يشغلون وأين هم اليوم ؟ وما هي انطباعاتهم عمّا حدث وكيف عاشوا الثورة وخاصة ما مواقفهم من المسار الجديد الذي دخلته تونس بعد سقوط النظام السابق؟ «التونسية» اتصلت ببعض هذه الوجوه ممن أمكن الحصول عليهم وخرجت بالتحقيق التالي. صاحب صيحة « بن علي هرب»: لم يستوعبوا الدرس عبد الناصر العويني ناشط حقوقي ومحام تونسي اشتهر بصيحته المعروفة التي رددها بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة ليلا عقب مغادرة بن علي تونس وهي عبارة «بن علي هرب»,حائز على الأستاذية في الحقوق من كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة تونس المنار, نشط داخل صفوف الحركة الطلابية التونسية وحوكم عندما كان طالبا مرتين وسجن 9 أشهر من قبل نظام بن علي. وعن انطباعاته بعد مرور خمس سنوات على الثورة أكد العويني أن له موقفا مما يجري اليوم بالبلاد مشيرا إلى أن السياسيين الماسكين بالحكم لم يستوعبوا درس 17 ديسمبر 14 جانفي وصاروا يستعملون الشعب التونسي في حل مشاكلهم وخلافاتهم عوض أن ينكبوا على حل مشاكله والاهتمام بتطوير حياته ودفعها نحو الأفضل . وأضاف المحامي:«الفرصة التي منحت لتونس بعد ثورة 14 جانفي كي تقلع وتبرز في المحافل الدولية وتقدّم مثالا للنجاح والعدالة الاجتماعية ولإرادة الشعب القوية بدأت تضيع». كما أشار محدثنا إلى أن البلاد عاشت فترتين عصيبتين، الأولى خلال حكم «الترويكا» حيث «استشرى الفساد وكثرت الاغتيالات والتصفيات وعمت الفوضى, والثانية هي المرحلة التي لم تبشر بالجانب الايجابي». وواصل قائلا«الذين يحكمون بعد 14 جانفي لم يستوعبوا الدرس وللشعب التونسي القدرة على الصمود وإعادة الانبعاث من جديد لفرض حقوقه ورؤاه، مضيفا «وما نؤكد عليه اليوم أن الشعب التونسي لم يحقق من طموحاته وآماله ولو النزر القليل والحكام الجدد بصدد تبديد هذا الحلم مثلما بددته «الترويكا» ,متناسين أن الشعب التونسي كطائر مينيرفا سينتفض من رماده ويثور على من يتوهّم انه طوع بنانه وسيعطيه درسا قاسيا». صهر البراهمي: «أرونا ماذا ستفعلون» محام شاب كان أحد محرّكي الثورة وشارك فيها، هو خالد عواينية صهر المرحوم محمد البراهمي, والذي أكّد أن البلاد والمنطقة عموما عرفت خلال 5 سنوات أحداثا وتحولات كثيرة وانه لا يمكن إنكار ما حدث معللا ذلك بوجود تجليات للثورة حتى في مناطق مختلفة من العالم ككل. وقال عواينية «17 ديسمبر هو تاريخ ولادة وتاريخ وفاة في ذات الوقت ,فهو ولادة لأدوات العمل باندماج النقابي والحقوقي والمعطل وغيرهم ليشكلوا خصوصية لأدوات العمل السياسي بكونه عمل جماعي يحمل الأهداف ذاته,وهو كذلك تاريخ وفاة لأدوات العمل القديم من خلال أدوات العمل الفردي. وأضاف «هذا هو الجديد الذي حصل لا بد أن تكون هناك ثورة فكرية بدأنا نلحظ ملامحها في تغيير بعض الأحزاب تسمياتها كحزب العمّال الذي ألغى كلمة «الشيوعي» ومن خلال تسميات أخرى ك«التحالف الديمقراطي» كما لاحظنا أن الأحزاب التي لم تمتثل للتغيير الذي فرضته أحداث 17 ديسمبر عرفت انقسامات وتفتت, و«الجبهة» مثلا تحاول أن تتمثل مشهد 17 ديسمبر وهناك أحزاب أخرى تحاول أن تتمثل من موقع الاضطرار لا الاختيار لان 17 ديسمبر شكل نقلة نوعية. اليوم وبعد مرور خمس سنوات كل الأحزاب السياسية التي لم تتمثل مقفرة وخالية كالدكاكين التي يصفّر فيها الريح من دون شباب». وواصل عواينيّة كلامه قائلا «الشباب هجر, كفر, طلّق العمل الحزبي في بعده الفردي سواء أحزابا حاكمة أو ناشئة أو معارضة. الشباب أحس بمرارة الخيبة فهناك من ركب قوارب الموت أو توجه نحو الإرهاب أو المخدرات أو قاطع الحياة السياسية نتيجة كفره بالنخبة السياسية المعطوبة». وأضاف المحامي «حصلت هوة كبيرة وسحيقة بين النخب الكبرى وعامة الناس والشباب حسم موقفه من السياسيين, ثورة 17 ديسمبر لم تكن ثورة قومية أو إسلامية ولا ناصرية أو بعثية بل كانت ثورة اجتماعية واقتصادية بمناضلين متنوعي المشارب». وأشار محدثنا إلى أن المستهدفين بالاغتيالات كانوا اصواتا عبرت عن أوجاع الناس وشواغلهم كالمناضلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي, وان الرصاص لم يستهدف القوى الإصلاحية الوسطية المعتدلة بل عناصر قيادية قومية مناضلة واشتراكية نزلوا إلى الشارع وحرضوا وشجعوا الناس على ترك الخوف جانبا والمطالبة بالحقوق المنهوبة دون كلل أو ملل حسب قوله. وقال عواينية «أقول اليوم لمن استعملوا الرصاص لإسكات أصوات الحق كصوتي محمد البراهمي وشكري بلعيد ... ها هما الآن تحت التراب وانتم فوقه فأرونا ماذا ستفعلون؟». وبالنسبة للوضعين الاقتصادي والاجتماعي فقد أكد المحامي عدم رضاه مؤكدا أن من مسك الحكم قوى إصلاحية معتدلة تنفذ مخططات تنموية قديمة وان الشعب التونسي في حالة من اليأس حيال عدم تحقيق أية انجازات. في المقابل عرج محدثنا على جملة من المكتسبات التي نالها التونسيون بعد الثورة والتي أكد انه لا يمكن إنكارها كحرية الإعلام والتنظّم وتنوّع الأحزاب. كما أشار محدثنا إلى وجود خلط بين معطيين اثنين هما المسار الانتخابي والمسار الثوري باعتبار أن هذا الأخير يضمّ رجالا ونساء أحرارا يؤمنون بالتوزيع العادل للثروة والعيش الكريم ويعانون من التغييب عن وسائل الإعلام حسب قوله . وختم المحامي كلامه قائلا:«بعد خمس سنوات من الثورة أدعو المناضلين والثوار الحقيقيين لتمزيق الجلابيب الحزبية والتخلص منها ومواصلة المسار الثوري». لينا بن مهنّي : «هنّات كثيرة» لينا بن مهني شابة تونسية ناشطة في مجال حقوق الإنسان ,مدونة وأستاذة جامعية في اللغة الانقليزية وعضوة سابقة في الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال.عرفت بمعارضتها لسياسة حجب المواقع على شبكة الانترنات زمن بن علي. دوّنت أحداث الحوض المنجمي في 2008، لها مدونة اختارت لها من الأسماء «بنية تونسية» أطلقتها سنة 2007 وتعرّضت للحجب عدة مرات. كما قامت لينا أيضا بتغطية أحداث ثورة 14 جانفي انطلاقا من سيدي بوزيد وشاركت في اغلب المظاهرات التي نظمت بالعاصمة وفي اعتصامي القصبة 1 و2 فيما بعد. ورشحت لنيل جائزة نوبل للسلام لسنة 2011 كما حصلت على المرتبة 23 ضمن أقوى 100 امرأة عربية وعلى لقب أفضل مدوّنة في مسابقة «البوبز»عام 2011 وورد اسمها أيضا ضمن قائمة أشجع مدوّني العالم من قبل موقع «ذي دايلي بيست» التي تضم 17 مدونا . في ردّها على أسئلتنا قالت لينا «بعد خمس سنوات لا أرى تونس كما يراها البعض تجربة ناجحة لما سمّوه « الربيع العربي» باعتبار تجاوزها مرحلة عصيبة دون الدخول في حرب أهلية وصراعات وحمامات من الدم, صحيح أن هناك نوعا من التحسن في بعض المجالات لكن في البعض الآخر لا وجود لفارق يذكر مقارنة بأيام الدكتاتورية رغم أن وضعنا ليس كاليمن أو ليبيا أو سوريا». وأكدت لينا أن كل من تظاهروا في ديسمبر 2010 وجانفي 2011 وطالبوا بالشغل والحرية والكرامة الوطنية لم يظفروا بشيء مما نادوا به . وواصلت «ورغم أننا نلنا جائزة نوبل للسلام فإن ذلك لا يعني نجاحا منقطع النظير فالجائزة جاءت كتشجيع على مواصلة المسيرة وعلينا أن نكون طموحين نحو الأفضل.صحيح أننا بنينا مجتمعا مدنيا يحاول بكل جهده أن يكون فاعلا وكتبنا دستورا جديدا للبلاد بضغط كبير ليكون الضامن لحقوق الإنسان, لكن ويجب أن تتلاءم بقية القوانين الأخرى مع الدستور وتطوّع لتتلاءم مع الظرف الجديد». وأضافت محدثتنا: «تونس اليوم تعاني من ظاهرة جديدة ألا وهي الإرهاب وقد تم التعاطي معها أمنيا لكن دون وجود استراتيجية واضحة لمجابهتها واجتثاثها بتطوير التعليم والاهتمام بالثقافة وبالحالات الاجتماعية وب«قفة» المواطن العادي .ومع وجود الدستور الجديد الضامن للحريات نقف في المقابل على كثير من الهنّات في تطبيقه اليوم والدليل الدراسات ونتائج سبر الآراء التي كشفت نسب التعذيب والقتل المستراب في بعض مراكز الإيقاف. واليوم هناك اشياء كثيرة لم تنجز والجيد في الأمر أننا نستطيع التكلّم عنها, هذا إذا لم ينحدر الوضع نحو الأسوإ طبعا». صاحب عبارة «هرمنا من أجل هذه اللحظة»:«الثورة... ربّي معاها» شخصية أخرى تواتر بخصوصها الحديث وهو المواطن احمد الحفناوي الذي وقف أمام عدسات الكاميرا وقال بتأثر شديد «هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية» ... جملة تناقلتها جل وسائل الإعلام العربية والعالمية. تعرض الحفناوي وعائلته للعديد من المضايقات والمداهمات الليلية والاعتقالات على أيدي ما يعرف ب«البوليس السياسي» في عهد بن علي بعد اعتقال شقيقه الأكبر بتهمة الانتماء إلى تنظيم غير مرخص له هو حركة «النهضة» الأمر الذي أجبره على الانقطاع مبكرا عن الدراسة ليتكفّل بإعالة والدته وبقية إخوته. غادر الحفناوي إلى المملكة العربية السعودية أين عمل بأحد الفنادق مدة 6 سنوات, ليعود بعدها إلى تونس سنة 1998, ويعمل لفترة قصيرة نادلا في مقهى بمطار تونسقرطاج الدولي, قبل ان يتفرّغ للإشراف على مقهى خاص به امتلكه بجهة المحمدية, والذي صار في ما بعد ملتقى لبعض المثقفين والسياسيين لفترة طويلة قبل الثورة. كان الحفناوي من أهم الشهود على الثورة رغم تقدم سنّه، كما شارك في اعتصامي القصبة 1 و2, حيث كان يدعو الشباب للاعتصام وتوحيد الصف وعدم التوقف عن المطالبة بإسقاط النظام. وبعد 14 جانفي 2011 أنشأ الحفناوي جمعية أطلق عليها اسم «جمعية الياسمين», وهي جمعية هدفها العناية بالشباب وتثقيفهم مدنيّا، وتكريس مبادئ الثورة وتفعيلها عن طريق العمل التطوعي، كما صار في ما بعد عضوا في المرصد الوطني للتربية. خلال اتصالنا بأحمد الحفناوي أكد لنا سوء حالته الصحية وخروجه منذ 3 أيام من المصحة اثر جلطة قلبية أصابته تمّ على إثرها تسريح العروق وتركيب آلات خاصة لتسهيل عمليّة ضخّ الدم. لم نطل الكلام معه بل سألناه عن رأيه في الثورة بعد مرور خمس سنوات لكنه لم يجبنا إلا بعبارة «الثورة ربّي معاها» واعتذر لنا لسوء حالته الصحيّة. صاحب قفص الحمامة:«ما عاد شيء يفرّح» وديع الجلاصي شاب تونسي عمل في فترة الثورة نادلا بنادي المحامين وكان ولوعا بالتنشيط الشبابي والأنشطة المسرحية والعروض الفرجوية, عرف بصاحب «قفص الحرية», القفص الذي كانت بداخله حمام بيضاء أطلقها وديع يوم 14 جانفي 2011 وسط حشود المواطنين المنادين برحيل بن علي بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة وتحديدا أمام وزارة الداخلية تعبيرا عن قرب تحرر الشعب التونسي وانعتاقه مرتديا آنذاك قميصا خطت عليه عبارة «لا أريد أن أكبر أريد أن أظل طفلا» ,واضعا الشال الفلسطيني على كتفيه. وبعبارات الحسرة وبنظرة جدّ معبرة قال وديع الجلاصي عندما سألناه عن انطباعاته بعد مرور خمس سنوات على الثورة :«منذ ثلاث سنوات خلت لم اعد احتفل بالثورة, لان ما نزلنا من أجله إلى الشوارع لم يتحقق ولو النزر القليل منه مع تعاقب الحكومات على بلادنا و«العيشة في تونس صُعبت».» وأكد الجلاصي أن تونس صارت بلد المطلبية وغلاء المعيشة المتزايد يوما بعد يوم .وأن طموحات الشباب وأحلامه بتغيير جذري وبحياة جديدة ذهبت أدراج الرياح وأصبحت فئة الشباب مهمّشة, يتصارع لاستقطابها المشايخ وباعة المخدرات, ويستغلون وضعياتهم الاجتماعية أو يأسهم لكسب المال وخدمة أجندات مدمرة. وأضاف محدثنا«اليوم طعم الثورة لم يعد مستساغا «و ما عاد شيء يفرّح»...الشباب اليوم له جملة من الأفكار والطاقات المحنطة... شباب صنع ثورة ليتمعش منها السياسيون وأصحاب الأموال والمناصب وفي المقابل يبقى الحال على ما هو عليه بالنسبة للشباب, هذا إن لم نقل أنه يتدحرج نحو الأسوإ مع غياب من يشجّع ويحتضن ويكوّن الطاقات الشابة ويضعها على السكة الصحيحة». كما بين وديع أن الاحتفال بتاريخ 17 ديسمبر أو 14 جانفي تحول إلى مجرد احتفالات حزبية معتبرا أنه كان من الأجدى مع حلول كل ذكرى لقيام الثورة الوقوف في كامل تراب الجمهورية دقيقة صمت وتلاوة الفاتحة ترحما على أرواح الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الحرية التي ننعم بها اليوم ورفع شعارات وطنية لا حزبية مع القيام بحملات توعوية وأخرى لمساندة المخطوفين كالصحفيين نذير وسفيان ودعم الجالية التونسية بالخارج تذكيرا بمطالب الثورة. وأضاف قائلا: «هوما يجريو على الكراسي والفلوس ونحن جرينا ونجريو على بلادنا وأولادنا وأحفادنا .أحنا شباب حلمنا المسرح والسينما والرقص... وسعينا لغرس الفرحة والابتعاد عن السياسة في تونس إلّي صارت فيها الناس تتباع وتتشرى بالفلوس وتتدمغج ومابقى لشباب تونس كان الخمر والكورة». وعبر الجلاصي عن آمله في انتشار جمعيات تعنى بالشباب وتعمل على توعيته وخدمة الوطن وتساهم في الوقت ذاته في الترفيه عنه وتثقيفه كي لا يكون فريسة سهلة للمشايخ المتطرفين وتجار الدين وغيرهم من المنحرفين وباعة المخدرات, مع العمل على مزيد العناية بالأحياء الشعبية وتسهيل حياة المواطن اليومية داخل الادارات التونسية. كما عرج محدثنا على غياب شباب الثورة عن وسائل الإعلام في ما عدا بعض المناسبات النادرة لسيطرة السياسيين عليها, رغم مساهمتهم في الثورة وما يمكن أن يقدموه من إضافة اليوم بإرسال رسائل ايجابية لفائدة الشباب كي لا يقع فريسة الظواهر الدخيلة على مجتمعنا كالإرهاب والتطرف والعنف والجريمة. وختم وديع الجلاصي لقاءنا به بالترحم على ابن خالته, وتقدم بتحية خاصة لوالديه لدعمهما الشديد له وللمحامية ليلى بن دبة وكل الشبان في كامل ولايات الجمهورية الذين ساهموا في الثورة ولازالوا صامدين مناضلين بدافع وطني, كما أصر على الإشادة بالبورتري الذي خطّته أنامل الزميلة ايمان الحامدي حول شخصه والذي نالت بفضله الجائزة الأولى بألمانيا. ورغم محاولاتنا المتكررة الاتصال بوجوه أخرى برزت فترة الثورة وكانت لها بصمتها كالفنانة أمال المثلوثي التي هزت بصوتها الشجي من خلال أغنية «كلمتي حرة» مشاعر كلّ التونسيين والأجانب, أو كل من المدونيين ياسين العياري وعزيز عمامي فقد تعذّر علينا الاتصال بهم. ونتائج سبر الآراء التي كشفت نسب التعذيب والقتل المستراب في بعض مراكز الإيقاف. واليوم هناك اشياء كثيرة لم تنجز والجيد في الأمر أننا نستطيع التكلّم عنها, هذا إذا لم ينحدر الوضع نحو الأسوإ طبعا». صاحب عبارة «هرمنا من أجل هذه اللحظة»:«الثورة... ربّي معاها» شخصية أخرى تواتر بخصوصها الحديث وهو المواطن احمد الحفناوي الذي وقف أمام عدسات الكاميرا وقال بتأثر شديد «هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية» ... جملة تناقلتها جل وسائل الإعلام العربية والعالمية. تعرض الحفناوي وعائلته للعديد من المضايقات والمداهمات الليلية والاعتقالات على أيدي ما يعرف ب«البوليس السياسي» في عهد بن علي بعد اعتقال شقيقه الأكبر بتهمة الانتماء إلى تنظيم غير مرخص له هو حركة «النهضة» الأمر الذي أجبره على الانقطاع مبكرا عن الدراسة ليتكفّل بإعالة والدته وبقية إخوته. غادر الحفناوي إلى المملكة العربية السعودية أين عمل بأحد الفنادق مدة 6 سنوات, ليعود بعدها إلى تونس سنة 1998, ويعمل لفترة قصيرة نادلا في مقهى بمطار تونسقرطاج الدولي, قبل ان يتفرّغ للإشراف على مقهى خاص به امتلكه بجهة المحمدية, والذي صار في ما بعد ملتقى لبعض المثقفين والسياسيين لفترة طويلة قبل الثورة. كان الحفناوي من أهم الشهود على الثورة رغم تقدم سنّه، كما شارك في اعتصامي القصبة 1 و2, حيث كان يدعو الشباب للاعتصام وتوحيد الصف وعدم التوقف عن المطالبة بإسقاط النظام. وبعد 14 جانفي 2011 أنشأ الحفناوي جمعية أطلق عليها اسم «جمعية الياسمين», وهي جمعية هدفها العناية بالشباب وتثقيفهم مدنيّا، وتكريس مبادئ الثورة وتفعيلها عن طريق العمل التطوعي، كما صار في ما بعد عضوا في المرصد الوطني للتربية. خلال اتصالنا بأحمد الحفناوي أكد لنا سوء حالته الصحية وخروجه منذ 3 أيام من المصحة اثر جلطة قلبية أصابته تمّ على إثرها تسريح العروق وتركيب آلات خاصة لتسهيل عمليّة ضخّ الدم. لم نطل الكلام معه بل سألناه عن رأيه في الثورة بعد مرور خمس سنوات لكنه لم يجبنا إلا بعبارة «الثورة ربّي معاها» واعتذر لنا لسوء حالته الصحيّة. صاحب قفص الحمامة:«ما عاد شيء يفرّح» وديع الجلاصي شاب تونسي عمل في فترة الثورة نادلا بنادي المحامين وكان ولوعا بالتنشيط الشبابي والأنشطة المسرحية والعروض الفرجوية, عرف بصاحب «قفص الحرية», القفص الذي كانت بداخله حمام بيضاء أطلقها وديع يوم 14 جانفي 2011 وسط حشود المواطنين المنادين برحيل بن علي بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة وتحديدا أمام وزارة الداخلية تعبيرا عن قرب تحرر الشعب التونسي وانعتاقه مرتديا آنذاك قميصا خطت عليه عبارة «لا أريد أن أكبر أريد أن أظل طفلا» ,واضعا الشال الفلسطيني على كتفيه. وبعبارات الحسرة وبنظرة جدّ معبرة قال وديع الجلاصي عندما سألناه عن انطباعاته بعد مرور خمس سنوات على الثورة :«منذ ثلاث سنوات خلت لم اعد احتفل بالثورة, لان ما نزلنا من أجله إلى الشوارع لم يتحقق ولو النزر القليل منه مع تعاقب الحكومات على بلادنا و«العيشة في تونس صُعبت».» وأكد الجلاصي أن تونس صارت بلد المطلبية وغلاء المعيشة المتزايد يوما بعد يوم .وأن طموحات الشباب وأحلامه بتغيير جذري وبحياة جديدة ذهبت أدراج الرياح وأصبحت فئة الشباب مهمّشة, يتصارع لاستقطابها المشايخ وباعة المخدرات, ويستغلون وضعياتهم الاجتماعية أو يأسهم لكسب المال وخدمة أجندات مدمرة. وأضاف محدثنا«اليوم طعم الثورة لم يعد مستساغا «و ما عاد شيء يفرّح»...الشباب اليوم له جملة من الأفكار والطاقات المحنطة... شباب صنع ثورة ليتمعش منها السياسيون وأصحاب الأموال والمناصب وفي المقابل يبقى الحال على ما هو عليه بالنسبة للشباب, هذا إن لم نقل أنه يتدحرج نحو الأسوإ مع غياب من يشجّع ويحتضن ويكوّن الطاقات الشابة ويضعها على السكة الصحيحة». كما بين وديع أن الاحتفال بتاريخ 17 ديسمبر أو 14 جانفي تحول إلى مجرد احتفالات حزبية معتبرا أنه كان من الأجدى مع حلول كل ذكرى لقيام الثورة الوقوف في كامل تراب الجمهورية دقيقة صمت وتلاوة الفاتحة ترحما على أرواح الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الحرية التي ننعم بها اليوم ورفع شعارات وطنية لا حزبية مع القيام بحملات توعوية وأخرى لمساندة المخطوفين كالصحفيين نذير وسفيان ودعم الجالية التونسية بالخارج تذكيرا بمطالب الثورة. وأضاف قائلا: «هوما يجريو على الكراسي والفلوس ونحن جرينا ونجريو على بلادنا وأولادنا وأحفادنا .أحنا شباب حلمنا المسرح والسينما والرقص... وسعينا لغرس الفرحة والابتعاد عن السياسة في تونس إلّي صارت فيها الناس تتباع وتتشرى بالفلوس وتتدمغج ومابقى لشباب تونس كان الخمر والكورة». وعبر الجلاصي عن آمله في انتشار جمعيات تعنى بالشباب وتعمل على توعيته وخدمة الوطن وتساهم في الوقت ذاته في الترفيه عنه وتثقيفه كي لا يكون فريسة سهلة للمشايخ المتطرفين وتجار الدين وغيرهم من المنحرفين وباعة المخدرات, مع العمل على مزيد العناية بالأحياء الشعبية وتسهيل حياة المواطن اليومية داخل الادارات التونسية. كما عرج محدثنا على غياب شباب الثورة عن وسائل الإعلام في ما عدا بعض المناسبات النادرة لسيطرة السياسيين عليها, رغم مساهمتهم في الثورة وما يمكن أن يقدموه من إضافة اليوم بإرسال رسائل ايجابية لفائدة الشباب كي لا يقع فريسة الظواهر الدخيلة على مجتمعنا كالإرهاب والتطرف والعنف والجريمة. وختم وديع الجلاصي لقاءنا به بالترحم على ابن خالته, وتقدم بتحية خاصة لوالديه لدعمهما الشديد له وللمحامية ليلى بن دبة وكل الشبان في كامل ولايات الجمهورية الذين ساهموا في الثورة ولازالوا صامدين مناضلين بدافع وطني, كما أصر على الإشادة بالبورتري الذي خطّته أنامل الزميلة ايمان الحامدي حول شخصه والذي نالت بفضله الجائزة الأولى بألمانيا. ورغم محاولاتنا المتكررة الاتصال بوجوه أخرى برزت فترة الثورة وكانت لها بصمتها كالفنانة أمال المثلوثي التي هزت بصوتها الشجي من خلال أغنية «كلمتي حرة» مشاعر كلّ التونسيين والأجانب, أو كل من المدونيين ياسين العياري وعزيز عمامي فقد تعذّر علينا الاتصال بهم.