بقلم: نصر الدين بن سعيدة بحثنا كغيرنا في تأليفة تشكيلة الفريق الحكومي الجديد لمنتخب الحبيب الصيد الذي اصطفاه بجهد جهيد ليواصل معه المشوار المؤلم في تصريف شؤون البلاد. لم يكن همّنا البحث في خفايا الاختيارات ولا في نواياها، كانت الغاية العثور على وزارة أو كتابة دولة أو حتّى إدارة عامّة تحتاجها البلاد من جديد ويكون على رأسها علم من الأعلام... وجدنا أنفسنا أمام خيبة لا مُبرّر لها، لا أثر للمفتّش عنها وعنه في البنيان الجديد للحكومة فغاب العلم المنشود..! اصطّف الشعب بعد «الثّورة» وراء نخبة يصفّق لها وهي تبشّر بغزوات الحرية والديمقراطية وبمشاريع التنمية والقضاء على الفساد، لكنه اكتشف بمرور الزّمن أنّ الحصاد كان دون المنتظر وأنّ عديد صفحات الماضي كانت أخصب وأجمل. الاستنتاج الصادم طرح نفسه بقوة لكن الخوف والارتباك ومصالح البعض جعل الخوض فيه شبيها بالمحرّم والمجرّم... حرّرت أجواء الحرية الأفواه الملجّمة وفكّت عقد اللسان، وانساق أهل القطاع مع التيار الجديد لإعلان الثّورة. تيّار لا يعجب تغلّبت عليه أعراض جريان الجوف ومظاهر انفصام الشخصية وفقدان المهنية. الانزلاقات تفشّت في المحامل الإعلامية بين صحافة مكتوبة منفجرة، ومشهد سمعي وبصري غلب عليه العبث والاستهتار. حاد الإعلام عن مراميه السامية وتحوّلت رسائله إلى سموم تهدّد توازن المجتمع وتؤسّس لفوضى سلوكية وأخلاقية. «الدارجة» الساقطة وخليط من اللغات الأجنبية أصبحت العلامة المميّزة للتألّق والبروز في المنابر. من يستطيع كبح جماح هذه الفوضى؟ حين تغتال الحرية أصواتها من سينعاها؟ الثّورة أضعفت مفهوم الدولة بدلا من أن تقوّيه وتهذّبه، الذين تعاقبوا على السلطة فضّلوا الحلول السّهلة، فرّوا من حتمية المواجهة واحتموا بشعارات لم تنضج مفاهيمها لدينا. حياد الدولة ورفع يد الوصاية عن الإعلام لا يعني بالضّرورة الاستقالة عن أدوارها المنظّمة للقطاع. نشاط جمعية القضاة والنقابة مثلا، انتصاب مرصد استقلال القضاء وأدوار عمادة المحامين هي علامة من علامات سلامة الجسد القضائي ومعايير العدالة لكنّها لم تلغ الدّور الموكول إلى سلطة الإشراف ولا يمكن أن تحلّ محلّه... نفس الطّرح ينسحب على أدوار نقابة الإعلام ونقابة الصحفيين وال«هايكا» وجمعية مديري الصحف في الحقل الإعلامي بتونس، إنها هياكل ذات أدوار محدّدة ومسؤولية محدودة، ربّما هي إحدى ضمانات جودة المنتوج الإعلامي والذراع الحامية للعاملين بالقطاع ليس إلاّ!!! استقالة الدّولة أو خشيتها من الاقتراب من الهياكل المنتصبة هو عنوان فشل هي ضحيته الأولى، إنّها استقالة غير منطقية وغير موضوعية... قد نتفهّم أن تعير الدولة الأنف والأذن، الفم والذّراع لكنّنا لن نقبل أن تفرّط في عضو منها، لذلك فتّشنا في حكومة «الصّيد» الجديدة عن وزارة وعن فارس مفقود يضع على كتفيه شواغل أهل الإعلام لإعادة الصّواب إلى جداول المهمّة وتخليص المؤسّسات من المخالب المتربّصة تحت عناوين متعدّدة منها العولمة الخبيثة وأخواتها.