تتناقل العديد من المواقع الإخبارية وصفحات التواصل الإجتماعي منذ بداية الاحتجاجات الإجتماعية في القصرين إمكانية الإستغناء عن رئيس الحكومة الحبيب الصيد وذهب بعضها الى حدّ طرح بديل له . الأخبار التي حملت نبأ إمكانية رحيل رئيس الحكومة وجدت امتدادا لها في البرلمان. فعلى إمتداد يومين من الجلسة العامة أمطر أعضاء مجلس نواب الشعب ( 124 تدخلا ) الحبيب الصيد بالإنتقادات محملين الحكومة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الإجتماعية وتعاملها مع ملف التشغيل بارتجالية دون البحث عن حلول جذرية تنهي معاناة الولايات الأقل تنمية . ولعلّ المتابع للحملة التي استهدفت رئيس الحكومة في شخصه يتبيّن من خلال تقاطع الأحداث والتصريحات أن سهام النقد لم تكن موجهة لعمل الحكومة في حد ذاته بقدر ما ترمي إلى ارباك عمل الرجل بالركوب على مطية الاحتقان الإجتماعي الذي تجمع كل الأطراف على أنه كان نتيجة تراكمات سياسة الحكومات التي تداولت على القصبة على امتداد السنوات الخمس الماضية إذا لم نأخذ بعين الاعتبار سياسة الخمسين عاما من تهميش الشريط الغربي . وبالرغم من الإقرار بأن الأداء الحكومي لا يجب أن يكون محصنا ضد أي شكل من أشكال النقد وأن الطبقة السياسية والمنظمات والمجتمع المدني مطالبة بأن تكون العين اليقظة على كل القرارات التي تتخذها الحكومة بهدف الضغط الإيجابي فإن الاستهداف المبالغ فيه أكد أن الحملة التي تستهدف رئيس الحكومة تخفي رغبات محمومة لدى البعض في القفز على «الكرسي» وتعويض الرجل... فالطبقة السياسية التي تحمّل الصيد المسؤولية المطلقة في ما آلت إلية الأوضاع الإجتماعية مدعوة الى النزول من الربوة والمساهمة في تقديم مقترحات وحلول بناءة من شأنها أن تساعد الحكومة على إيجاد مخارج وحلول سليمة للملفات الحارقة التي باتت أشبه بالقنبلة الموقوتة القابلة للإنفجار في وجه أية حكومة مهما كان غطاؤها السياسي. ورغم هشاشة التوازنات السياسية التي تضعف من قدرة الحكومة على التحرك بحرية أعلن رئيس الحكومة الحبيب الصيد أمس الأول عن قرارات هامة وضرورية بشأن العاطلين عن العمل من ذلك إحداث 72 ألف موطن شغل في المساحات التجارية الكبرى بل أن بعض هذه القرارات انتظرها التونسيون منذ سنوات وهو ما يتعين الإشارة إليه وإلى ايجابيته لأنّ في ذلك تحريرا حقيقيا للمبادرة الشبابية وإطلاقا للأمل من عقاله ولا بد من أن تكون هناك آليات مساعدة على تنفيذ هذه الإجراءات حتى لا يقع الالتفاف عليها وإفراغها من محتواها. فالأحداث الأخيرة كانت عنيفة في الدلالات التي حملتها وأشارت بوضوح إلى أنّ مخططات الفوضى الهدامة قد توظف الاحتجاجات السلمية وقد تخترقها وهو ما يجعل من تثبيت الحبيب الصيد أفضل التوجهات حاليا حفاظا على الاستقرار وعلى تجاوز المرحلة الحالية بأخف الأضرار الممكنة . فالأزمة الحقيقية لا تكمن في شخص الصيد أو غيره ممن تداولوا على هذا المنصب بقدر ما تكمن في الفساد المتوارث الذي ما زال ينخر الإدارة وهو ما يقتضي، بدايةً، إصلاحا عميقاً في أجهزة الحكم والإدارة ومحاربة انتشار الرشوة والفساد وإرساء منظومة الحكم الرشيد. وتونس التي تمكنت من قطع خطوات فعلية في المجال السياسي، عبر إقرار دستور جديد ومحاولة بناء نظام سياسي أكثر ديمقراطية وتعددية، باتت مهددة بسبب قتامة الوضع الاجتماعي الذي يلقى بظلاله على المشهد، بتقويض كل المنجز السياسي، وهو ما قد يعيد البلاد إلى مربع الاستبداد، أو نفق الفوضى. الوضع الحالي لحظة فارقة في تاريخ تونس السياسي، حيث يتطلب جهداً مضاعفاً وإجماعاً وطنياً لتجاوز الأزمة، والدفع نحو التقدم بخطوات ثابتة في اتجاه مزيد من الديمقراطية السياسية والإصلاح الاجتماعي، وحل مشاكل البطالة والتهميش والتفاوت بين الجهات، ومحاربة لوبيات الفساد، وتحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم لغالبية المواطنين، في بلد ثار شعبه يوماً رافعاً شعار «شغل حرية كرامة وطنية».