شرعت حركة «النهضة» منذ نهاية الأسبوع الماضي في مناقشة أهم النقاط التي سيطرحها المؤتمر العاشر وذلك بعد تضمين أغلب المسائل المطروحة للنقاش صلب التقرير الذي اشتغلت عليه لجنة الإعداد المضموني للمؤتمر. ويمثل المؤتمر القادم لحزب حركة «النهضة» مناسبة وطنية تنتظرها الساحتان الداخلية والخارجية منذ فترة لما يكتسيه الحدث من أهمية كبرى للحزب وللمسار السياسي في البلاد ولما تعلق به من انتظارات خاصة أن الحركة أكدت في أكثر من مناسبة على أن المؤتمر سيكون نقطة تحوّل في تاريخ الحزب على ضوء المراجعات المنتظرة . وتقر الحركة وفق ما ورد في تقرير اللجنة بمواجهتها بعد تجربة الحكم صنفين من السياقات والإكراهات منها الداخلية التي تهمّ واقع الحركة والبلاد، وخارجية تشمل الواقع الإقليمي والدولي زيادة على اصطدامها «بأوضاع اجتماعية واقتصادية وأمنية صعبة ومعقدة وبموازين قوى داخلية وخارجية لم تكن في صالحها». كما لم تنكر الحركة قلة الخبرة التي اتّسمت بها مرحلتها في إدارة شؤون الدولة وعدم النجاح في بناء أوسع التحالفات لإنجاح المرحلة الانتقالية . المرجعية النظرية والمشروع السياسي وحول التوجه السياسي المستقبلي للحركة يشير التقرير إلى أن «النهضة» تسعى إلى أن تكون حزبا معاصرا يوائم بين التحديث الإيجابي من جهة والتأصيل الثقافي من جهة أخرى وهو ما يقتضي العمل على تقديم رؤية جديدة للحداثة وتجنب الوقوع في مأزق المحاكاة والتقليد والتبعية وفق ما تشدد عليه قيادات الحزب . وتتطلع الحركة حسب التقرير ذاته إلى تجاوز مرحلة المعالجة الآنية للمشاكل والأحداث إلى فتح الآفاق المستقبلية البعيدة بهدف المساهمة في الجهود الوطنية في إحداث نهضة حضارية في بلادنا، على أن تكون المرجعية النظرية الجديدة بالنسبة لحزب حركة «النهضة» بديلا عن «الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي» التي صادق عليها مؤتمر الحركة سنة 1986. وتعتبر الحركة أن المشروع السياسي الإستراتيجي مقاربة جديدة في التموقع السياسي والانتخابي مبنية على قراءة تحليلية شاملة للمعطى الوطني والداخلي والدولي والتطورات المستجدة حتى تتأهل «النهضة» أكثر للمساهمة في بناء المشروع الوطني الحضاري القادر على رفع التحديات الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية. يهدف المشروع السياسي الذي سينبثق عن المؤتمر العاشر إلى تموقع «النهضة» في الوسط المجتمعي العريض في إطار حزب ديمقراطي وطني اجتماعي ذي مرجعية إسلامية مع المشاركة في بناء ونهضة تونس الثورة والدستور، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وحضاريا وعلى مستوى الإشعاع الخارجي. وتتمثل الأهداف الرئيسية للمشروع السياسي الجديد ل«النهضة» في تثبيت الخيار الديمقراطي وتحقيق الإقلاع الاقتصادي في إطار العدالة الاجتماعية وتوفير الأمن الشامل المجتمعي والثقافي والمادي والعمل على اندماج آمن للتجربة التونسية في محيطها الإقليمي والدولي. المشاركة في الحكم أما في ما يتعلق بمسألة المشاركة في الحكم ومنهج التوافق والتحالف السياسي فتعتبر الحركة وفق ما ورد في التقرير أن الحكم التشاركي هو المنهج المناسب في مراحل الانتقال الديمقراطي على أن يكون التحالف على أرضية البرنامج الوطني الإصلاحي وأن يكون مع الأطراف الوطنية القابلة للحوار والعمل المشترك. ويعتبر التقرير أن الإصلاح الداخلي والسياسي يجب أن يكون مرفوقا بتطوير هيكلي وتنظيمي يستجيب لعدد من المبادئ ويلبي عددا من الاحتياجات تتمحور بالأساس حول ترسيخ الديمقراطية ثقافة وممارسة بما ينعكس تطويرا على عمل الحزب وسلوكه التنظيمي والسياسي. ومن المنتظر أن يناقش المؤتمر مسألة اللامركزية حيث خلص تقرير لجنة الإعداد المضموني إلى ضرورة الانفتاح على مختلف الفئات والقطاعات المهنية داخل المجتمع، والعمل على إدماج كفاءات وطنية ومثقفين بما يحقق الاستفادة من خبراتهم المتولدة عن مسارهم السياسي والاجتماعي إلى جانب تعزيز وجود المرأة في مختلف هياكل الحزب والعمل على تجسير الهوة بين الأجيال حتّى لا يُحرم الحزب من جزء هام من طاقاته. كما تبنى التقرير فكرة تطوير الحزب باعتماد طرق الإدارة العلمية والوسائل الحديثة في التسيير والتنظيم والاتصال واعتماد الكفاءات المهنية وضمان الشفافية والحوكمة الرشيدة. الرؤية الاقتصادية في ما يتعلق بالمجال الاقتصادي والتنموي من المنتظر أن يناقش المؤتمر العاشر مسألة المنوال التنموي الجديد وذلك بهدف مساهمة الحزب في تحقيق النهوض والإقلاع الاقتصادي والتوزيع العادل للثروة بفضل دور تعديلي للدولة. وسيطرح المؤتمر القادم أيضا ملف العلاقات الخارجية خاصة في ظل تأكيد القواعد على ضرورة الحفاظ على علاقات تواصل وتعاون مع الأطراف الدولية التي لها صلات قوية مع تونس بحكم ميراث التاريخ وثقل المصالح مع انفتاح أكبر على القوى الدولية الصاعدة.