منحت وزارة التجارة مؤخرا الترخيص الأوّلي لنحو 13 فضاء تجاريا كبيرا للانتصاب في عدد من ولايات الجمهورية ومنها 4 في ولاية بن عروس في خطوة من الوزارة لدفع الاستثمار الخاص خاصة في تجارة التوزيع واستحثاث نسق توفير مواطن شغل جديدة لا سيما أنّ الفضاءات التجارية الجديدة ستوفر أكثر من ألف موطن شغل. وبقدر حرص وزارة التجارة على تعصير المشهد التجاري في البلاد ومزيد تطوير تجارة التوزيع عبر الفضاءات والمساحات التجارية من خلال ما توفره هذه المساحات من خدمات وضغط على الاسعار فإنّ هذه الفضاءات قد تطرح بعض الاشكاليات وتثير بعض التخوفات خاصة بالنسبة لأصحاب التجارة الصغرى والمتمثلة في «العطارة». ويبلغ عدد الفضاءات والمساحات التجارية المتوسطة والكبرى في تونس حوالي 175 فضاء موزعة على كامل البلاد فيما يبلغ عدد «العطّارة» حوالي 245 ألف عطّار. وقد ذهب بعض المتابعين للشأن التجاري إلى أنّ في إسناد وزارة التجارة عدد كبير من الرخص لفائدة المساحات والفضاءات التجارية الكبرى تهديدا مباشرا ل«العطّارة» وربّما القضاء على التجارة الصغرى باعتبار البون الشاسع بين الفضاءات التجارية و»العطار» عل جميع الاوجه والأصعدة بداية من حجم الاستثمارات مرورا بقوة التفاوض مع المصانع ووحدات الإنتاج باقتناء كميات ضخمة من المنتجات ووصولا الى القدرة على التسويق و«اللعب» على كيفية حفز المواطن على الاستهلاك واقتناء منتجات لم يفكّر في شرائها عند دخوله الى الفضاء التجاري. كما ان جل التونسيين يجدون في تسوقهم بالفضاءات التجارية الكبرى تلبية لرغبة اخرى هامة تتمثل في توفير فضاءات ترفيه للعائلة تجعل العائلة التونسية تجمع بين التسوق والترفيه عن النفس خاصة في عطلة نهاية الأسبوع خاصة أنّ ربّ العائلة الذي يحبذ حمل اطفاله للترفيه في المساحات التجارية سيجد نفسه مرغما على اقتناء بعض المنتجات. «العطّار» يواصل الصمود على الطرف المقابل فإنّ «العطّار» المتواجد في غالب الاحيان في الاحياء الشعبية والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية يتعامل مع عدد قليل من المواطنين وتنحصر استثماراته الصغيرة في اقتناء النزر القليل من البضائع علاوة على أنّه يتعامل ب«الكريدي» مع المواطن الامر الذي قد يتسبب له في بعض الاحيان في نقص السيولة. والمعادلة بين الفضاءات التجارية الكبرى و«العطارة» لا تستقيم وغير متكافئة إلا أن الدراسات وعمليات سبر الآراء تؤكد أن «العطَار» يواصل الصراع وتظلّ له مكانة في المجتمع التونسي ولا يمكن الاستغناء عنه بفضل الخدمات التي يقدمها من ابرزها عامل القرب للمنازل وإمكانية الحصول على المشتريات حتى في ساعة متأخرة من الليل. مسألة أخرى وجب لفت الانتباه اليها تتمثل في سعي عدد كبير من اصحاب الدكاكين الى تنويع المنتجات بإدراج منتجات جديدة تتلاءم وحاجات المستهلك (حفاظات الرضع بالتفصيل، بيع بطاقات شحن الهواتف الجوالة، بيع منتجات موردة مثل الاجبان والشكلاطة والبسكويت....) في خطوة من اجل الصمود امام ما توفره المساحات التجارية الكبرى من منتجات. الفضاءات التجارية تستحوذ على 21 بالمائة من تجارة التوزيع ووفق المعطيات المتوفرة فإن الفضاءات التجارية الكبرى تستأثر حاليا بحوالي 21 بالمائة من تجارة التوزيع في تونس وترجح نفس المعطيات أن تصل هذه النسبة إلى ٪40 في قادم السنوات. وتجدر الاشارة الى ان وزارة التجارة كانت قد أعلنت منذ سنة 2009 عن إحداث صندوق لمساعدة التجارة الصغرى وشرعت في إعداد دراسة في الغرض إلا ان الدراسة توقفت بأمر من احد وزراء التجارة بعد الثورة. كما أنه حسب ما توفر لدينا من معلومات فإن وزارة التجارة بصدد اعداد مشروع امر بالتعاون مع الوزارات المتدخلة يرمي الى الحطَ من المسافة الفاصلة بين موقع المساحة التجارية ومناطق العمران من 5 كلم حاليا الى اقل من ذلك. قائمة الفضاءات التجارية الجديدة علمنا أنه تم في المدة الأخيرة إسناد الترخيص المبدئي لعدد من المساحات والفضاءات التجارية الكبرى وعددها 13 مشروعا 4 منها تحصلت على الترخيص النهائي بما يعني شروعها قريبا في انجاز وتشييد الفضاءات و7 تحصلت على الموافقة المبدئية. وفي ما يلي قائمة في اسماء المجمعات والعلامات التجارية التي ستفتح فضاءات تجارية كبرى: مجمع المزابي (monoprix) في ولاية بن عروس مجمع المبروك (géant) في ولاية بن عروس مجمع المبروك (géant) في ولاية القيروان مجمع الشايبي (carrefour) في ولاية بن عروس مجمع الشايبي (carrefour) في ولاية صفاقس مجمع البياحي (المغازة العامة) في ولاية بن عروس المهيري (أوشان) في ولاية سوسة mall of tunisia في ولاية سوسة مجمع حشيشة انجاز فضاء تجاري مختص في أدوات وتجهيزات الديكور في ولاية اريانة. فضاء 3 M في ولاية المنستير مجمع الزواري سينجز فضاء تجاري في ولاية قابس. غياب الرؤية ويعتبر هذا التوجه من طرف وزارة التجارة غير منسجم مع المشاريع الحكومية، فبقدر ما تسعى الحكومة إلى دفع الاستثمار والتنمية الجهوية، فإنّها في نفس الوقت تدعو إلى حماية الفئات الضعيفة والهشة وخاصة الطبقة المتوسطة. كما أن هذه المساحات التجارية الكبرى تفضح ازدواجية الخطاب لا سيما أنّ هذه الاستثمارات ليست ذات قيمة مضافة كبيرة، بل هي مشاريع خدماتية تسعى لدفع الاستهلاك فقط، في حين أن مخطط التنمية 2016 - 2020 يضع من أولوياته دفع المشاريع المجددة ممّا يطرح سؤالا عمّا إذا كان وزير التجارة يغنّي خارج السّرب؟ إلى جانب ذلك لابدّ من الإشارة إلى أنّ من شأن مثل هذه المشاريع أن تزيد في اهتراء القدرة الشرائية للمستهلك التونسي. فقد بينت الدراسات المنجزة من طرف وزارة التجارة ذاتها، أن المساحات التجارية تزيد في إنفاق التونسي في حدود 20 بالمائة، بفعل العروض التجارية، والإغراءات وتنوع العرض. فهل أن هذه المشاريع تنسجم مع السياسة الاجتماعية للحكومة؟ وباعتبار ما سبق ذكره، هل أعدت الوزارة والحكومة إجمالا، الدراسات لمعرفة تأثير المساحات التجارية على «العطّارة»؟ وهل فكرت في مستقبلهم باعتبار أنّهم سيغلقون محلاتهم نظرا لضعف المردودية؟ أم أن الحكومة تسعى، من حيث تدري أو لا تدري، إلى خلق أزمة اجتماعية جديدة؟ وهل فكرت وزارة التجارة في اقتراح الامتيازات الكافية ل«العطّارة» لتكوين مركزيات للشراء، تقوي من تفاوضهم عند الشراء، حسبما ينص عليه قانون تجارة التوزيع لسنة 2009؟