بين محطات المترو بمختلف اتجاهاتها صوب ضواحي العاصمة ومشارفها .. أريانة والمروج ومنوبة وحي ابن خلدون وحي الانطلاقة.. يتوزّعون أزواجا وفرقا ليستهدفوا الركاب قسرا في ما يحملونه من نقود وهواتف جوالة وحواسيب ثم تعدّت إلى الأساور والساعات والأقراط معتمدين على مهارتهم في النشل والنطر والخطف تحت انظار المسافرين دون خوف أو ارتباك .. دون خجل أو حياء طالما هم يأتون عملا قذرا وسخيفا تتقزّز لرؤيته العيون لأن أصحاب السرقة في عربات المترو هم ذو قامات فارعة وأجسام سليمة وهندام لا ئق تجعلنا نتساءل عن أسباب اقدامهم على القيام بجرائم موصوفة يعاقب عليها القانون وفيها يرعبون المواطنين ويغتصبون منهم الاطمئنان فما بالك لما يكون المستهدف امرأة حاملا أو شيخا مسنّا أو بنتا صغيرة تحلم بالأمن والأمان بينما امكاناتهم البدنية والفكرية على ما يبدو تسمح لهم بالعمل في أي ميدان غاية كسب ورقهم بالمال الحلال.. ولكن ما الحل والظاهرة تنتشر وتتكرر كل يوم رغم الحملات الأمنية المكثفة لأن العديد من أطفالنا وشبابنا من باب «إذا لم تستح .. فافعل ما شئت».. صاروا يتلذذون ويفتخرون بما يقترفونه من عمليات النشل بطريقة عجيبة تستهدف أقراط النسوة والفتيات في مشاهد لم نكن نشاهدها إلا في الأفلام البولسية. هم للأمانة - احببنا أم كرهنا - منا وإلينا .. خريخو مؤسساتنا التربوية من الابتدائي إلى الثانوي من لحقت بهم عقوبات طرد ليجدوا أنفسهم من الطبق إلى بيت النار دون تأطير ولا حماية ولا رعاية خاصة لمن لهم ظروف عائلية قاهرة .. كوفاة الأب أو طلاق الأبوين وما شابه ذلك من مشاكل تنزل بثقلها على نمط حياة العائلة فيهيم بعض أبنائها - خاصة لما يكونوا في سن المراهقة - في متاهات الحياة وظلمات الشارع تحت رحمة أولاد الحلال الذين يستغلونهم لفائدتهم ويدفعونهم للكسب الحرام من خلال بيع الزطلة أو امتهان السرقة والنشل والخطف وإلا مآلهم الجوع والعراء .. ومقابل ذلك أموال تأتي دون تعب لتوفر لهم الملابس العصرية والمطاعم الفاخرة والهواتف الجوالة الثمينة لتتحول الظاهرة إلى مهنة لا يمكن لهؤلاء أن يتخلوا عنها في صورة تخلّي المجتمع المدني عن دوره الرائد في استقطاب مثل هذه الفئة من أطفالنا وشبابنا الجانحين والمارقين ومحاولة ضمهم إلى جمعيات تربوية تؤهلهم لغد أفضل بعد أن صاروا عبئا على عائلاتهم وجيرانهم وأهاليهم يشيرون لهم بالبنان دون رأفة أو حنان ..وبين استنكار المجتمع وجنوح هؤلاء فلا حل إطلاقا في الأفق لندرك جيدا أن ظاهرة النشل في عربات المترو لن تتوقف اطلاقا طالما لم يتم معالجة أسبابها ودوافعها والخوف أن يتعدّى النطر والخطف إلى اعتداءات أكبر باعتبار أن النشالين يتسلّحون بالسكاكين والسيوف .. وقتها على من سنلوم .. ليس الا القول .. رب عذر.. أقبح من ذنب.