ارتفاع ميزانية وزارة الدفاع الوطني ب 13 بالمائة    عاجل: المحامية دليلة مصدّق تكشف آخر مستجدات الوضع الصحي لشقيقها جوهر بن مبارك..    QNB تونس يفتتح أول فرع أوائل QNB في صفاقس    على خلفية أحداث الدربي.. المكتب الجامعي يعقد إجتماعا عاجلا مع الحيمودي ومساعديه    عاجل : الشرطة الجبائية بتونس تصعّد مراقبة ''البواتات''...شوفوا التفاصيل    عاجل/ سقوط سقف إحدى قاعات التدريس بمعهد: نائب بالمجلس المحلّي بفرنانة يفجرها ويكشف..    نابل: توافد حوالي 820 ألف سائح على جهة نابل - الحمامات منذ بداية السنة الحالية    سليانة: نشر مابين 2000 و3000 دعسوقة مكسيكية لمكافحة الحشرة القرمزية    عاجل: ميناء سوسة يفتّح أبوابه ل200 سائح من رحلة بحرية بريطانية!    وفاة نجم ''تيك توك'' أمريكي شهير    عشرات الضحايا في تفجير يضرب قرب مجمع المحاكم في إسلام آباد    وزير الداخلية: الوحدات الأمنية تعمل على ضرب خطوط التهريب وأماكن إدخالها إلى البلاد    بطولة الماسترس للتنس: فوز الأمريكي فريتز على الإيطالي موزيتي    معتز الزمزمي وبلال العيفة يتضامنان مع يوسف بلايلي    عاجل: منخفض جوي ''ناضج'' في هذه البلاد العربية    عاجل: رزنامة المراقبة المستمرة للثلاثي الأول    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل : تحرك أمني بعد تلاوة آيات قرآنية عن فرعون بالمتحف الكبير بمصر    عاجل: معهد صالح عزيز يعيد تشغيل جهاز الليزر بعد خمس سنوات    أقراص طبية لإطالة العمر حتى 150 عام...شنوا حكايتها ؟    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    تصفيات المونديال: منتخب بلجيكا يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهتي كازاخستان وليشتنشتاين    المنتخب التونسي يفتتح الأربعاء سلسلة ودياته بمواجهة موريتانيا استعدادًا للاستحقاقين العربي والإفريقي    بعد أكثر من 12 عاما من إغلاقها.. السفارة السورية تعود إلى العمل بواشنطن    مدينة العلوم تنظم يوم السبت 22 نوفمبر يوم الاستكشافات تحت شعار "العلوم متاحة للجميع"    الكحة ''الشايحة'' قد تكون إنذار مبكر لمشاكل خطيرة    ثورة في علاج العقم.. اكتشاف دور جديد للحيوانات المنوية في تطور الأجنة    عاجل: اضطراب وانقطاع المياه في هذه الجهة ..ال sonede توّضح    وزير الداخلية: الوحدات الأمنية تعمل على تأمين الشريطين الحدوديين البري والبحري    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    حاجة تستعملها ديما...سبب كبير في ارتفاع فاتورة الضوء    عاجل: حبس الفنان المصري سعد الصغير وآخرين..وهذه التفاصيل    المنتخب التونسي لكرة السلة يتحول الى تركيا لاجراء تربص باسبوعين منقوصا من زياد الشنوفي وواصف المثناني بداعي الاصابة    عاجل: هذا ما حكمت به الفيفا بين الترجي ومدربه الروماني السابق    الدكتور ذاكر لهيذب: '' كتبت التدوينة على البلايلي وساس وقلت يلزم يرتاحوا ما كنتش نستنقص من الفريق المنافس''    نقص في الحليب و الزبدة : نقابة الفلاحين تكشف للتوانسة هذه المعطيات    النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص تنظم يومي 13 و14 ديسمبر القادم فعاليات الدورة 19 لأيام الطب الخاص بالمهدية    ياخي الشتاء بدا يقرّب؟ شوف شنوّة يقول المعهد الوطني للرصد الجوي!    الكنيست الإسرائيلي يصادق على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين في القراءة الأولى    مجلس الشيوخ الأمريكي يقرّ مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    وزير السياحة يبحث مع نظيرته الإيطالية سبل تطوير التعاون الثنائي في المجال السياحي    العراق ينتخب.. ماذا سيحدث من يوم الاقتراع لإعلان النتائج؟    ترامب: أنا على وفاق مع الرئيس السوري وسنفعل كل ما بوسعنا لجعل سوريا ناجحة    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    المهرجان العالمي للخبز ..فتح باب الترشّح لمسابقة «أفضل خباز في تونس 2025»    جندوبة: تتويج المدرسة الابتدائية ريغة بالجائزة الوطنية للعمل المتميّز في المقاربة التربوية    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    قابس: تنظيم أيام صناعة المحتوى الرقمي من 14 الى 16 نوفمبر    بنزرت: إنتشال 5 جثث لفضتها الأمواج في عدد من شواطئ بنزرت الجنوبية    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي: كافية الراجحي تتحصل على جائزة البحث العلمي وعملان تونسيان ضمن المُسابقات الرسمية    عاجل/تنبيه.. تحوير جزئي لمسلك خطي الحافلة رقم 104 و 30..وهذه التفاصيل..    عاجل/ نشرة تحذيرية للرصد الجوي..وهذه التفاصيل..    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    محمد صبحي يتعرض لوعكة صحية مفاجئة ويُنقل للمستشفى    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب «التونسية» المتسلسل:«فخّ العولمة»
نشر في التونسية يوم 22 - 04 - 2016


6 نهاية دولة الرّفاهية
هذا الكتاب خطير.. خطير في معلوماته.. وخطير في دلالاته لأنه يكشف المستقبل الذي يحضره حكام العالم الخفيّين للبشرية.. أولئك الذين أوغلوا في عبادة المال الى درجة جعلت منهم وحوشا لا يتردّدون في تنفيذ مخططاتهم لوضع سكان المعمورة تحت أقدامهم.. عالمهم عالم متوحّش لا يرحم.. يستعملون للوصول الى غاياتهم كل الوسائل..
إله هؤلاء الوحيد هو الفلس والثروة.. أمّا البشر فهم عجين يطوّع حسب أهوائهم ورغباتهم ولا يهمّهم قتل شعب أو شعوب لنهب الثروة أو الثروات.. آخر ما تفتّقت عنه أذهان منظريهم سلاح العولمة التي تكسر كلّ الحدود وتدمّر بُنى كل الدول والحدود حتى يخلو لهم الجوّ ويفرضون حضارة السوق.. وحتى شعارات الديمقراطية والحرية التي يتستر وراءها بيادقهم فهي «شعارات الأسود» لأنهم يعتبرون العالم غابة يحكمها قانون القوي ولا مكان فيها للضعيف.. وسيكتشف القارىء في الفقرات المطولة التي اختارت «التونسية» نشرها من هذا الكتاب كيف يساق «قطيع البشر» الى مصير بائس يتمتع فيه 20 ٪ من سكان الأرض ب 80 ٪ من ثرواتها وخيراتها فيما يموت البقية جوعا وحرمانا.
و«فخّ العولمة» كتاب من تأليف هانس بيترمارتين وهارالد شومان ترجمه الى العربية د. عدنان عباس علي وقدمه وراجعه د. رمزي زكي وصدر عن سلسلة «عالم المعرفة».
لا يتحمل المستثمرون الأجانب بمفردهم وزر التطبيق الصارم لمنطق الأسواق. فحيثما يعولم سوق رأس المال ينضم أصحاب الثروة من أبناء البلد إلى قائمة المقيمين للسياسة الاقتصادية في بلدهم.
وهذا ليس بالأمر الغريب ، فهم أيضا بوسعهم استثمار أموالهم في مكان آخر. وكانت السويد قد عانت من وطأة هذه الحقيقة وبقدر فاق ما عاشته البلدان الأوروبية الأخرى. وكان هذا البلد قد نال الإعجاب بسبب سياسته الاجتماعية النموذجية وصار علامة لإمكانية تطبيق نظام رأسمالي تسوده العدالة الاجتماعية. إلا أنه لم يعد فيه أثر من هذا كله الآن. فالمؤسسات الصناعية الكبرى وأصحاب المال أخذوا ، منذ نهاية الثمانينات، ينقلون إنتاجهم ورؤوس أموالهم المدخرة إلى الخارج. و لمواجهة هذا التطور خفضت الحكومة الضرائب على المداخيل العالية ، على الرغم من أن انتقال المصانع ورؤوس الأموال كان قد تسبب في خفض مداخيل الحكومة من الضرائب. وكانت المحصلة النهائية لهذا كله هو ارتفاع العجز في الموازنة الحكومية على نحو درامي ، وإجبار الحكومة على التخلي عن العديد من برامج الإصلاح الاجتماعي.
على هذا النحو أُجبر هذا البلد القدوة على التخلي عن سياسته الرامية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ، فاستقر سعر صرف عملته وغدت أسعار الفائدة التي يدفعها على سندات الدين الحكومي عادية نسبيا. ومع هذا ظل التهديد قائما. وكان رئيس الوزراء الاشتراكي جوران برسون ،Goeron persson قد شعر بهذا التهديد على نحو ملموس في جانفي من عام 1996 .
فقد كان قد اقترح في سنة الانتخابات الحكومية زيادة ما يحصل عليه العاطلون عن العمل والمرضى من مساعدات حكومية لتصل ثانية إلى (80) بالمائة من مداخيلهم السابقة. بعد يومين من اقتراحه هذا قدمت موديز تقريرا علنيا يؤكد أن برامج الإصلاح المالي السويدية لاتزال غير كافية، وأنها بحاجة «لربما إلى تقليص أوسع في برامج الرعاية الاجتماعية».
في اليوم التالي لهذا الإعلان انخفضت أسعار السندات ثلاثين نقطة وأسعار الأسهم مائة نقطة ، كما أخذ سعر صرف الكرونة يترنح .
وعلى خطى نفس السيناريو يجري في ألمانيا أيضا التخلي عن دولة الرفاهية، وعما قامت به حتى الآن من إنجازات في الحد من عدم العدالة الاجتماعية عن طريق نظام الضرائب التصاعدية.
فالائتلاف الحكومي الذي يضم المحافظين والليبراليين استجاب في كل خطوة خطاها ، إلى مطالب الصناعة والمصارف المنادية بضرورة إعادة النظر في النظام الضريبي السائد. فقد خفض الضرائب على أرباح المؤسسات الكبرى مرتين في الأعوام القليلة الماضية. كما جرى تخفيض أعلى معدل ضريبي بمقدار خمس نقاط. علاوة على هذا ازدادت التسهيلات في احتساب الاندثار (الاهتلاك) في رأس المال على نحو بيّن وملموس. من ناحية أخرى جرى تمويل الأعباء المالية الإضافية الناجمة عن الوحدة الأ لمانية ، من خلال ما يتحمله الجمهور العام من ضرائب ، أعني ضريبة الأجور وضريبة القيمة المضافة. إن النتيجة النهائية لهذه الجهود بينة ولاتحتاج إلى الشرح الكثير: فحينما تسلم هلموت كول مهام عمله مستشارا في عام ،1983 كانت حصة المشاريع وأصحاب المهن الحرة (13٬1 ) بالمائة من مجموع العبء الضريبي. بعد( 13 ) عاما من هذا التاريخ لم تعد هذه الحصة تساوي سوى (5٬7) بالمائة. وكانت هيئة مكونة من خبراء لدىالمفوضية الأوروبية في بروكسل قد أعلنت في وقت مبكر ، وعلى وجه التحديد في عام ،1992 أن ألمانيا قد صارت تأتي بعد الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وبعد المتوسط السائد في بلدان أوروبا الغريبة ، من حيث ما تتحمله المشاريع من عبء ضريبي. ومعنى هذا هو أن أ لمانيا قد استسلمت ، منذ أمد ليس بالقصير ، ومن حيث الضرائب على أدنى تقدير ، للهجوم الشمولي على دولة الرفاهية ، الأمر الذي جعلها تفلت من معاقبة أسواق رأس المال لها وإجبارها على دفع أسعار فائدة أعلى.
وحتى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أخذت تطيع الآن تقويم موجهي تدفق رأس المال. فحينما انتقل بيل كلينتون في عام 1992 إلى البيت الأبيض ، كان قد وعد ناخبيه بإجراء إصلاحات واسعة النطاق ترمي ، من ناحية ، إلى تجديد المدارس الحكومية الخربة وتحويلها إلى نظام تعليمي يفي بالمتطلبات ، ومن ناحية أخرى إلى أن يكون لدى كل مواطن أمريكي تأمين ضد المرض. المشكلة تكمن في أن أيا من هذه الإصلاحات لا يمكن تحقيقه إلا بإنفاق حكومي متزايد ، ولذا ، وبعد فوزه بالانتخابات مباشرة ، أخذت أسعار سندات الدين الحكومي الأمريكية بالانخفاض. وهذا ليس بالأمر العجيب ، فقد عارض مصرفيو صناديق الاستثمار هذه الإصلاحات علانية ، وبالتالي، وبعد أشهر وجيزة من تسلمه للحكم ، أي في وقت سابق على فقدانه للأكثرية في الكونغرس بكثير ، كانت هذه الإصلاحات قد صارت في خبر كان.
هكذا إذن يصبح الخضوع لحكم أسواق المال ضربة للديمقراطية. حقا لايزال يحق لكل مواطن التصويت ، ولايزال السياسيون ، سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في ألمانيا، يسعون للموازنة بين مصالح الفئات الاجتماعية المختلفة لكسب ود الأغلبية. ولكن ومع هذا، فإن ما يتحقق بعد إجراء الانتخابات يقرره الناخبون القائمون على إدارة الأموال. ولا مجال للحديث عن الأخلاقيات ههنا. فالمكلف ، بحكم مهنته ، بإدارة الأموال ، عليه أن يسعى إلى تحقيق أكبر معدل ربحية لهذه الأموال. وكيفما كان الحال ، فإن الأمر الذي لا شك فيه هو أن هؤلاء قد صاروا يضعون اليوم على طاولة المناقشة ، كل الإنجازات التي تحققت إثر صراع طبقي دام مائة عام وبعد سياسات إصلاحية، كانت ترمي إلى تحقيق التوازن الاجتماعي.
ولعله من سخرية القدر أن النجاح العظيم الذي حققته الاشتراكيات الديموقراطية في الحد من هيمنة رأس المال ، هو الذي يدفع الآن إلى السيادة الشمولية الجديدة للنظام الرأسمالي. فالارتفاع المستمر في الأجور وسياسة الرعاية الاجتماعية الحكومية في الخمسين سنة الماضية ، كانتا قد خلقتا تلك الطبقة الاجتماعية المتوسطة التي تعمل بمدّخراتها الآن في أسواق المال. ولم تشهد العصور الماضية قط هذا العدد الكبير من الناس
الذين تزيد مداخيلهم على ما ينفقونه على وسائل المعيشة. وفي الواقع فإن هؤلاء هم الذين يزودون، بما لديهم من مدخرات ، مؤسسات التأمين والمصارف وصناديق الاستثمار بالمادة الأساسية الضرورية للهجوم على النقابات ودولة الرعاية الاجتماعية.
من هنا فإن من حق الحكومات التي تسهر على استقرار أسعار سندات الدين وسعر صرف العملة ، أن تدعي لنفسها بأنها تضع الأسس الضرورية لزيادة الرفاهية في المجتمع. إلا أن هذه الإنجازات ليست في مصلحة أولئك الذين لا يحوزون مدخرات تذكر ، ولا أولئك الذين سيسرحون عن العمل ، ولا يكون بوسعهم الاستمرار في تسديد أقساط الادخار. فهؤلاء جميعا سيخرجون صفر اليدين. ومعنى هذا أن «الترشيد» الأعمى للعمل الحكومي من خلال »الأسواق « ليس بالنهج «المستحسن» الذي يزعمه النقديون، فهو لا يتجاهل أن السياسة الديموقراطية تخضع لقوانين أخرى غير قوانين السوق فحسب ، بل ولا يراعي أيضا الاختلافات الثقافية الاجتماعية بين الأمم، الأمر الذي يؤدي إلى مخاطر نمو النزاعات والتوترات المحتملة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.