«الحياة الجامعية كانت صورة رائعة أرصّع بها ألبوم مسيرتي العلمية لأنها حبلى بالنشاط والبذل والعطاء» هكذا أجاب ضيفي الكريم طارق القلعي ما إن بادرته بالسؤال عن رحلته في رحاب الجامعة قبل أن يدخل معترك الحياة من بوابة مهنة التدريس.. صمت قليلا فسايرته السكوت حتى صار المكان هادئا رغم صوت مذياع المقهى يهبنا بعض أغاني «فيروز» الصباحية لأني لم أتشجع لأقطع عنه شروده وهو يستجدي ذكريات الماضي البعيد.. «تحصلت على شهادة الباكالوريا دورة جوان 1985 شعبة الآداب من المعهد الثانوي بالقصور من ولاية الكاف قادما إليها من قرية قلعة سنان وكأن الغربة والبعد عن الأهل عنوان لفترة شبابي.. ثم حططت راحلتي بتونس العاصمة ليبدأ الكرّ والفرّ.. الذهاب والرواح من الصباح الباكر إلى حدّ الغروب بين المبيت الجامعي ميلوز بنهج بيار دي كوبرتان وكلية الآداب بمنّوبة على متن الحافلة الصفراء التي حفظناها وحفظتنا شبرا شبرا من محطة الانطلاق إلى محطة الوصول رفقة الأصدقاء».. وفي صميم الموضوع طال الحديث بين السؤال والجواب وأنا أتمتّع بكلام جليسي كرجل تعليم ومبدع مرّ من قسم «الآداب واللغة العربية» ورصّع مسيرته الجامعية بتجربة ثريّة لدى الأستاذ مبروك المناعي في الأدب القديم ولدى الأستاذ محمد القاضي في الأدب الحديث وهما علمان بارزان في هذا الاختصاص ممّا جعله يتأثر بهما فتنفجر موهبته في كتابة الشعر حيث انطلق من فضاء كليته في الاشتغال على القوافي ليدعّمها في نادي «خميس الشعراء» بدار الثقافة ابن خلدون في العاصمة لتمتزج المعرفة بالموهبة. «الذكريات للأمانة تتوالد وتتابع لا يمكن أن تمحى بين المبيت والمطعم الجامعي والكلية.. وأذكر أن عبد اللطيف المكي السياسي المعروف والوزير السابق كان ممرّضا متطوّعا في مبيتنا لأنه كان وقتها طالبا في كلية الطب.. وفي كلية الآداب بمنوبة كنت أتنقّل كالفراشة بين الدروس والمحاضرات والحوارات السياسية بين مختلف الانتماءات والاتجاهات وعشت وقتها ولادة الاتحاد العام التونسي للطلبة وكنت وفيّا لمكتبة الكلية حيث كانت رغبتني جامحة في التهام شتى العناوين الأدبية».. وقد أكد لي ضيفي المبجّل «طارق القلعي» أن المبيت الجامعي كان وقتها يضمّ طلبة من مختلف الجهات وفي جلّ الاختصاصات مما خلق «كوكتالا» من الأفكار والآراء واللهجات والعادات والإنتماءات والمواهب وهذا عامل إيجابيّ أثرى به تجربته الجامعية حيث أخذ من كل شيء بطرف.. «لم انضمّ إلى أي تيار سياسي حيث استهواني الشعر بعد العلم في مجاله التربوي لألتحق مباشرة بالتدريس في التعليم الابتدائي لأنه حلمي حيث علّمتني تجربتي في الكلية ما معنى أن تنفث المعرفة في عقول التلاميذ بما في ذلك من حبّ للعمل مع التضحية والبذل والعطاء لأن المرور من التعليم العالي هو بوّابة للنجاح في بقية مشوار الحياة وخاصة في مجال التدريس». المربي «طارق القلعي» فرض نفسه في مدرسته اذ جمع بين البيداغوجيا والثقافة فتألق في شتّى الملتقيات التربوية بفضل حضوره الفعّال حيث قدم مع أطفاله ثلاثة مشاريع إبداعية هي «من الخربشة إلى الدردشة إلى النص» نال بها المرتبة الأولى في قرية اللغات بالمنستير صيف 2014.. «العائلة تقرأ».. و«من الاستماع إلى الإبداع».. تزامنا مع صدور مجموعته الشعرية الأولى تحت عنوان «قد يسعفنا الماء».. وهي مخاض تجربة جامعية من العيار الثقيل.