ما إن ينهي الطلبة تكوينهم العلمي ويتحصلوا على شهاداتهم حتى يكون عليهم مواجهة متطلبات سوق الشغل وصعوباتها. فمهما اختلفت المجالات والاختصاصات يتكرر شرط الخبرة في عروض الشغل ويطرح سؤال حول التجربة المكتسبة في كل مقابلات العمل. لذا قد يمثل غياب الخبرة عائقا أمام الكثير من الطلبة المتخرجين حديثا والذين لم يتمكنوا بعد من الحصول على عمل يوفر لهم الخبرة المطلوبة. وحتى إن تعلق الأمر بطلبة متحصلين على شهادات الماجستير والدكتوراه، يحتل شرط التجربة المرتبة الأولى دائما لتأتي الشهادة في مرحلة لاحقة. لكن "كيف من الممكن أن يتحصل الطالب على الخبرة المطلوبة إن لم تسمح له أية مؤسسة بالعمل لديها لأنه يفتقر إلى الخبرة؟" هكذا يتساءل خالد الورتاني طالب ماجستير في علوم الإعلام والاتصال ومتحصل على الأستاذية في الصحافة وعلوم الإخبار منذ 2006. ويتكرر هذا التساؤل لدى عديد الطلبة ففي كثير من الأحيان لا يكون من السهل على الطلبة المتخرجين حديثا الحصول على عمل أو تربص يوفر لهم الخبرة حتى إن قبلوا بالعمل بشكل مجاني. إيناس حمي مثلا متحصلة على شهادة تقني سامي في تكنولوجيات البيئة تقول "حتى عندما قبلت بالعمل بشكل مجاني قوبلت بالرفض، دائما ما أسمع نفس العبارة دون خبرة لا عمل، ففي كل مقابلة عمل يؤرقني شرط الخبرة فغالبا يطلب أن يكون المترشح صاحب تجربة لا تقل عن سنتين، مما دفعني إلى العمل بمراكز النداء إلا أنه عمل مرهق ولا يوفر لي التجربة اللازمة لكن لم يكن لدي خيار آخر." إلى جانب ذلك وخلال مرحلة الدراسة لا تتوفر فرص كبيرة للطالب لاكتساب خبرة إلا في حدود التربصات التي تفرضها المؤسسات التعليمية. فالطلبة مطالبون بالحضور بشكل يومي يكون أحيانا من الثامنة صباحا إلى الخامسة مساء خاصة في المؤسسات التعلمية التي تعتمد نظاما مدرسيا، مما يمنعهم من الالتحاق بعمل بدوام نصفي مثلا. فالطالب "يفني سنوات من عمره في التحصيل العلمي حتى يتمكن من الحصول على شهادة ليكتشف في نهاية المطاف أنها غير كافية للمنافسة في سوق الشغل فليس هناك إيمان بقدرات الطالب الذي لو أتيحت له الفرصة المناسبة لاكتسب الخبرة المطلوبة ولطور مهاراته"، كما يقول خالد الورتاني. وتشارك هذا الرأي سناء الجربوعي المتحصلة على شهادة أستاذية في المحاسبة وشهادة الماجستير في التجارة الدولية التي تعتبر أنه من غير المنطقي أن يقابل صاحب شهادة عليا متخرج حديثا مازال متحمسا للعمل بشرط تعجيزي يطالبه بأن يكون صاحب خبرة لا تقل عن سنتين أو ثلاث سنوات. وترى سناء أنه لا يمكن لأي منا أن ينكر أهمية التجربة فمن خلالها يستطيع الملتحق حديثا بالمؤسسة أن يقدم الإضافة المرجوة. لكن يجب توفير فرص لاكتساب الخبرة قبل المطالبة بها. وقد يظطر أصحاب الشهادات العاليا أحيانا إلى ترك شهاداتهم على حدة والتفكير بشكل عملي أكثر للحصول على عمل وذلك من خلال التعويل على أنفسهم وخلق فرص الخبرة الخاصة بهم. فاكر يعقوبي مثلا متحصل على شهادة تقني محترف في الصيانة السمعية البصرية والوسائط المتعددة الجماعية سعى منذ تخرجه عام 2008 إلى " إرسال طلبات شغل إلى قنوات تلفزيونية عمومية وخاصة" دون أن يتحصل على رد. وباعتبار أن شهادته لم تكن كافية للحصول على عمل قرر أن يبعث مشروعه الخاص ويبحث حاليا عن تمويل كاف. ويكون شرط الخبرة أحيانا خيارا يتخذه المشغل حسب ما ترى ضحى بن سعيد صاحبة شهادة تقني سامي في البيولوجيا فالجميع تقريبا "يمتلك شهادة عليا مما يجعل المنافسة في السوق حادة هذا من جهة من جهة أخرى يفضل أصحاب العمل ذوي الخبرة على حساب الشهادة. فصحيح أن الشهادة توفر تكوينا أساسيا للطالب لكنها لا تزوده بالمهرات اللازمة تطبيقيا، فالمشغلون يعتبرون أنه من السهل التعامل مع صاحب الخبرة الذي يدرك تماما كيفية سير العمل في حين أنه عند تشغيل طالب متخرج حديثا يكون على مديري المؤسسة تدريبه وتعريفه بسيرورة العمل داخل المؤسسة. وقد تكون وجهة النظر هذه صحيحة ولكن إذا كان المشغل سيقبل تشغيل أربعة مثلا لن يضيره أن يكون واحد منهم فقط متخرجا حديثا." كما أن الشهادة في أحيان عديدة حسب ما ترى ضحى تكون دون قيمة تذكر في سوق الشغل وكثيرون هم من يظطرون إلى ترك شهاداتهم والعمل في مجال مختلف تماما عن اختصاصهم. إن مؤسسات التعليم العليا توفر للطالب التكوين النظري والتطبيقي الذي يمكنه من امتلاك المهارات الأساسية لبدء مشواره المهني. إلا أن ذلك غير كاف بالنسبة إلى سوق الشغل التي تفرض الخبرة كشرط أساسي في عديد المجالات. ولكن حتى يكتسب الطالب خبرة يبقى على الشركات والمؤسسات العمومية الخاصة ضرورة فتح المجال أمامه من أجل إجراء فترات تربص وتسهيل التحاقه بالمؤسسة إذا ثبتت كفاءته. كما يبقى على الطلبة أن يستفيدوا بشكل أكبر من فرص التربص التي توفر لهم أثناء الدراسة لتكوين علاقات مهنية وفهم متطلبات السوق في مجال اختصاصهم بشكل أكبر. وفي كل الأحول يبقى شرط الخبرة عائقا أمام العديد من أصحاب الشهادات العليا في وقت لم تعد فيه الشهادة تذكرة عبور آلية نحو الحياة المهنية.