نسمع كثيرا عن عديد التشكيات من قبل المواطنين في علاقتهم بالمحامين وما يشوب هذه العلاقة من توتر في بعض الأحيان ولكن السؤال المطروح هو: هل أن المواطن أو بالأحرى الحريف هو دائما صاحب الحق؟ ألا يعاني المحامي بدوره من ضغوطات عدة ومشاكل من قبل الموكل؟ للإجابة عن هذه التساؤلات تجوّلت "التونسية" في رحاب المحكمة ورصدت آراء بعض المحامين الذين أبدوا في لحظة المكاشفة تذمرهم من بعض الحرفاء الذين مارسوا عليهم ضغطا ماديا ومعنويا كبيرا الأمر الذي يدفعهم إلى التخلي عن إنابة القضية أحيانا أو الدخول في مناوشات كلامية مع الحريف. الأستاذة "هدى بن حمودة" (محامية) صرحت بأن الحريف يطالب المحامي المكلف بالإنابة عن قضيته بنتيجة إيجابية مهما كان الأمر في حين أن المحامي ملزم بالقيام بالمجهودات اللازمة التي يفرضها القانون أما الحكم فهو من مشمولات القضاء. هذا الاختلاف يخلق بعض المشاكل بين المحامي وحريفه كما أن الحريف في بعض الأحيان يفضل تكليف محام للدفاع عنه عوض محامية ظنا منه أن المحامي هو أكثر حرصا على مصالحه والحال أن محامية اليوم شأنها شأن زميلها المحامي تحرص على حماية مصالح منوبيها وهي اليوم تمثل أكثر من 40% من المحامين وفرضت نفسها بكفاءتها على الساحة الحقوقية والقضائية. * "القلبة" شعار حريف اليوم أما الأستاذ "منذر الملوكي" (محامي) فقد أكد أن المشاكل بين المحامي وحريفه لا تحصى ولا تعد وهي مشاكل متنوعة ومختلفة باختلاف ملفات القضايا فمسألة "القلبة" مثلا أصبحت من المشاكل البديهية التي يتعرض لها جل المحامين تقريبا وفي أغلب الأحيان. هذا إلى جانب الإزعاج الذي تسببه له عائلة المتهم حيث يتصل بك جل أفراد العائلة من بعيد ومن قريب لمعرفة قرار المحكمة إثر كل جلسة أو للاستفسار عن معلومة تهم ملف القضية وهذا الأمر أنا شخصيا يقلقني فيكفي التعامل مع فرد واحد من عائلة المتهم. أما عن عدم احترام الوقت والالتزام بالمواعيد فحدث ولا حرج حيث يلتزم المحامي بحضور جل الجلسات المقررة في حين أن المتهم الذي من المفروض أن يكون هو الأكثر حرصا على الحضور غير مبال يحضر مرة ويتغيب مرارا. وهذا ما عانيته أنا مؤخرا بمحكمة عين دراهم فبعد أن تكبدت عناء التنقل إلى هناك في ساعة مبكرة من الصباح وفي طقس بارد جدا حيث كانت الثلوج يومها تكسو المنطقة تفاجأت بغياب منوبي الذي يبعد عن مقر المحكمة بضعة كيلومترات فقط. كما أننا أحيانا نبني مرافعاتنا على ما أفادنا به المنوب من تصريحات ولكننا نتفاجأ يوم الجلسة وأثناء استنطاقه باعترافات مغايرة تماما فإما أن ينكر بعد الاعتراف أو أن يعترف بعد الإنكار وهذا ما يجعل المحامي في حيرة من أمره وعاجزا أمام المحكمة عن مواصلة المرافعة. أما الأستاذ "عبد الفتاح مورو" والذي استوقفناه بينما كان بصدد حل خلاف بسيط بينه وبين إحدى حريفاته وقد ظهرت على وجهه علامات التوتر والغضب فقد أجابنا قائلا: "إن ما شاهدتموه الآن لا يمثل سوى جزءا ضئيلا جدا من المضايقات والقلق الذي يتعرض له المحامي يوميا من حرفائه الذين لا يقنعون بالإجابة الأولى التي يقدمها لهم المحامي فيكررون السؤال ألف مرة مما يخلق نوعا من التوتر العصبي لدى المحامي المنشغل بدفاتر وملفات عديدة تتطلب التركيز والتدقيق. كما أن المحامي اليوم أصبح لا يمثل المصدر الوحيد أو الرئيسي للمعلومة بالنسبة إلى الحريف الذي لا يكتفي باستشارة محاميه في ما يخص قضيته وإنما يلتجئ إلى مصادر ثانوية لا علاقة لها بالموضوع فتملي عليه بعض القرارات المغلوطة يعتبرها الحريف تقصيرا من محاميه لعدم التطرق إليها أثناء مرافعته التي أحيانا لا تنال رضاء الحريف وكأنه أدرى بالقانون من المحامي نفسه. * أجرة المحامي هي سلاح الضغط عليه وقد ساندته الرأي الأستاذة "هندة الهرمي" محامية لدى محاكم الاستئناف قائلة: "لقد أصبح المبلغ الذي يسلمه المنوب لمحاميه لقاء الدفاع عن قضيته لدى البعض من الحرفاء عبارة عن وسيلة ضغط واستعباد للمحامي. فيتصل الحريف أو أحد أفراد عائلته إن لم نقل جميعهم بالمحامي في ساعات متأخرة من الليل الأمر الذي يثير القلق. وأنا شخصيا تعرضت إلى مثل هذا التصرف غير اللائق حيث اتصل بي ذات مرة شقيق منوبتي على الساعة العاشرة ليلا وكان مخمورا ويريد التحدث عن تفاصيل قضية شقيقته. حقيقة مثل هذه التصرفات تزعجني أيما إزعاج فهناك جملة من الضوابط والقوانين التي لا بد للحريف أن يحترمها. فأحيانا يصل الأمر بالحريف إلى حد التدخل في مسألة تأخير القضية فيعيب ذلك على المحامي بالرغم من أن تأخيرها يكون في صالح الحريف. * المحامي يستنزف أموالنا توجهنا بالسؤال نفسه إلى بعض الحرفاء المتواجدين في رحاب المحكمة فأجمعوا على الظلم أو ما عبروا عنه بالتقصير والاستغلال الفادح من طرف المحامي الذي يعمل على استنزاف أموالهم بطلباته المتشعبة فيعمد إلى تأخير القضية في كل مرة فتطول بنا رحلة الدفع المادي والمعنوي دون التوصل إلى نهاية إيجابية. وإذا ما تمت مناقشة المحامي في هذا الشأن يعتبر ذلك تدخلا في عمله ويصل به الأمر أحيانا إلى التخلي عن القضية معتبرا أن مهنة المحاماة أرفع وأرقى من أن تنزل إلى مثل هذه التصرفات. وحتى وإن كان الحريف مخطئا في حق المحامي فلا بد أن يراعي هذا الأخير ظروفه النفسية والمادية والاجتماعية لأن كل تصرف من الحريف إنما هو في الحقيقة ناتج عن مأساة يعانيها على حدّ تعبيره