عاشت دوز أياما استثنائية بمناسبة عرسها السنوي، بوابة الصحراء تزينت بالأصالة والتقاليد ورقصت على أنغام الفلكلور الشعبي المتنوع فاتحة ذراعيها لضيوف المرازيق الوافدين عليها من كل صوب وحدب تقاسمت معهم جمال البادية وبساطتها وأشبعتهم جودا وكرما لا يمّحيان من مخيلة عاشق لهذه الأجواء. وبعد تغطيتنا لفعاليات الدورة 43 لمهرجان الصحراء الدولي بدوز وبحكم تزامن فترة المهرجان مع اقتراب موعد الاحتفالات برأس السنة الميلادية عنت لنا فكرة محاورة أهالي الصحراء حول مدى تفشي ظاهرة الاحتفال ب"الريفيون" في ربوعهم.
"علي بن عون" (صاحب خيول لنقل السياح) يعتبر العادة دخيلة على أهالي المنطقة لكنه مضطر للاحتفال بها بحكم عمله مع السياح الذين يقضي بعضهم هذه الليلة فوق رمال الصحراء. "ضو بن عمر" (حرفي في الصناعات التقليدية) يقول: "نحن لا نعترف بسهرة رأس السنة ولا ب"القاتو" وما يشبهه نحن ندير الكسكسي بالعصبان والمطبقة والملة والتاي لحمر في احتفالاتنا "ضو يعتبر أن التحضر لا يعني بالضرورة الانسلاخ عن الهوية وعادات الآباء والأجداد.اكتشفنا خلال محاورتنا للمستجوبين امتعاضهم من الخوض في موضوع لا يمثل قيمة لديهم ولا يمت إليهم بصلة على لسان أهل الجهة، يقول "ضو": "أش نديرو بيه رأس العام احكوا على مشكلة الماء". * أزمة الماء في دوز أمام رفض المستجوبين الحديث عن احتفالات رأس السنة واعتبارها قضية تافهة مقارنة بمعاناتهم الحقيقية استجبنا لدعوتهم لنا الخوض في أزمة الماء بدوز..وحولنا وجهة التحقيق من احتفالات رأس السنة إلى معاناة أزمة الماء.. يشتكي أهالي دوز من نسبة الملوحة العالية في ماء الشراب حتى أن نزل الجهة لم تغفل عن تلصيق معلقات في غرفها تحذر من خلالها الزائرين من مغبة استهلاك الماء (ماء غير صالح للشراب) فمم يشرب أهل دوز؟؟؟ *دراسة ألمانية وماء غير صالح حتى للحيوانات "بوبكر" (موظف بالتكوين المهني) قال أن أهالي دوز أرهقتهم معاناة الماء الصالح للشراب فهي مشكلة لم يجدوا لها حلاّ حتى أن شركة ألمانية قامت بدراسة حول هذه الوضعية وصرحت بأن الماء غير صالح حتى للحيوانات وبالفعل فإن أغلب الأمراض المنتشرة والتي يعاني منها أهل الجهة سببها الماء. *قنوات المياه لم يقع استبدالها منذ الاستعمار يقول "عبد الله" (بائع مرطبات) أن حوالي 60 %أو 70 %من قنوات المياه لم يقع استبدالها منذ عهد الاستعمار وأن الأهالي يضطرون إلى شراء الماء الصالح للشراب من بعض التجار الذين يجلبونه من زغوان "5 لترات بدينار" مما أدى إلى تخصيص ميزانية لهذا الغرض والتي ساهمت بشكل كبير في تأزم الوضع باعتبار أن أهل المنطقة مازالوا يعيشون ضمن عائلات كبيرة إذ يبلغ عدد أفراد بعض العائلات 16 أو أكثر. ناهيك عن حرارة الصيف في الصحراء ومحدودية الدخل الذي يقتصر على خدمة السواني ورعي الإبل *ملوحة لا تطاق يقول "أحمد الفقيه" (تاجر صناعات تقليدية) أن ماء دوز يحتوي على ملوحة عالية حتى أنك عندما تضع أمامك كأسا به ماء تلحظ بالعين المجردة طبقة الملح التي حولت طعمه إلى مرارة لا تطاق. وحتى وإن وجدنا حلا في شراء الماء والذي بالكاد نحصل عليه فإننا نجد صعوبة كبيرة في الاستحمام لما يخلفه الماء المحلي من "حكة وقشرة" وسواد البشرة. *لا حل سوى الصبر تقول "عائشة بنت محمد" (ربة بيت) امرأة تناهز السبعين ارتسمت على وجهها تجاعيد شاهدة على تاريخ بوابة الصحراء بدت منذ الوهلة الأولى خائفة من عدسة الكاميرا لكن بمجرد أن نطقنا كلمة ماء أزاحت اللثام عن وجهها وبادرتنا بتنهيدة متقطعة :" اشتري الماء لزوجي المقعد واكتفي أنا وبناتي الثلاث بشرب الماء المالح فلست قادرة على شراء الماء ولا أملك دخلا قارّا لمجابهة هذه الوضعية وليس لي من حل سوى الصبر وفي نهاية الأمر فنحن تعودنا على مذاقه: "ربينا عليه الكبدة". * 3 محطات تحلية لمزيد التوضيح حول أزمة الماء بدوز اتصلت "التونسية" بالسيد "عبد الله عزيز" نائب الرئيس المدير العام بفرع الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه بقبلي الذي صرح بأن طبقة المياه المتواجدة بقبلي تحتوي على نسبة مهمة من الملوحة وهي متفاوتة من معتمدية إلى أخرى وهي خاضعة لمراقبة مستمرة من طرف وزارة الصحة التي بددت كل المخاوف حول المخلفات الناتجة عن شربها. هذا وأشار السيد "عبد الله عزيز" إلى أن السلطات المحلية والجهوية منكبة حاليا للتحضير لمشروع تحلية المياه بولاية قبلي وقد تم الانتهاء من تحضير المرحلة الصعبة والمتمثلة في حفر الآبار ومد القنوات لتركيز 3 محطات تحلية بكل من منطقة قبلي ومعتمدية دوز ومعتمدية سوق الأحد. وقد قمنا بإعلان طلب عروض دولي توجهنا به لشركات تونسية وأخرى أجنبية للتكفل بهذه الأشغال. ومن المنتظر أن تكون سنة 2012 سنة تعميم تحلية الماء بكافة ربوع ولاية قبلي.