عاش التونسيون أوقاتا عصيبة منذ 14 جانفي 2011 ، أشهر من الخوف جراء الأحداث التي لم نكن متعودين عليها كالرصاص و الاعتداءات بكل أشكالها أوضاع صعبة جعلت الكلّ يرجو العودة إلى الهدوء و الطمأنينة في أقرب الآجال . في هذا الوضع الصعب علق الناس أمالا كبيرة على البرمجة الرمضانية التي ضنوا أنها ستكون الانطلاقة لفكر وروح جديدة تبعث في البلاد بمسلسلات متنوعة تطرح الواقع دون أن تزيد من معاناة المشاهد . • نفس إجراميّ في الإفطار : إثر يوم طويل من الصّيام في طقس بلغت فيه الحرارة أكثر من 38 درجة ، و بعد كفاح في وسائل النقل و طوابير الخبز تجمعت العائلات حول طاولة الإفطار لنسيان كلّ هذه الهموم و الترفيه عن النفس فوجد افرادها أنفسهم أمام مسلسلات جمعت مخاوفهم ووضعتها أمامهم باستسهال لذوق التونسي . فالبداية بالوطنية مع سيتكوم "المطعم" الذي صوّر لنا فيه المخرج منذ المشهد الثاني "براكاجا" نعته الممثل "براكاجا بالمواصفات التونسية " استعملت فيه سيوف و لغة سوقية لا تليق بالمستوى الذي انتظرنا أن تبلغه الساحة الثقافية التونسية بعد الثورة . في السيتكوم الثاني "البورطابل" كان عنوان الحلقة الأولى "الحريقة" التي جاءت عشوائية مسقطة. والأمر لا يختلف كثيرا في القنوات الخاصة و على رأسها مسلسل "نجوم الليل 3" الذي لا يزال يلاحقنا بعصاباته وقضاياه المنحصرة في المخدرات و السجون والقتل. • "الخادمات" فعلا سيدات البيوت ؟ خسرنا مئات الشهداء في أيام قليلة للمطالبة بضمان حقوق العاملين و توفير العيش الكريم لهم ، وتفرجنا على الوضع "المزري" في الولايات المهمّشة ووضع العمال اليوميين و الخادمات المؤسف ، كلّ هذا تمحيه المسلسلات في ساعتين فقط . فمعظم المواضيع تحدّثت عن المعينات المنزلية و صورتها لنا في شكل المرأة الغنية الأنيقة المثقفة و التي تتحكم في صاحبة المنزل و كلّ من فيه ، و هي عاملة مدللة تأكل و تشرب على الطريقة الفرنسية و مطلعة على الحضارة الإيطالية . أ هذا هو فعلا و ضع عاملات المنازل ؟ ربما بعد الثورة تغير الوضع و نحن لا نعلم ؟ • برمجة تونسية بنكهة مصرية : بالفعل كان الوقت ضيقا لإتمام عمل دراميّ مطولّ لذا إقتصرت التلفزات على عدد من السيتكوم ما عدى مسلسل "نجوم الليل3 " ، هذه القلة في عدد المسلسلات لا تبرر برمجة مسلسل مصري في أهمّ توقيت في السهرة. و لا يمكن أن نعيد هذا لظروف الثورة و الكلّ يعلم أن مصر عاشت ثورة بعد تونس و لا تزال تعاني إلى حدّ الآن فكيف نقدم شيئا يبرز للناس ضعف الدراما التونسيّة و تحثّ الناس على التطلع دائما للأخر ، ألهذه الدرجة هناك معاناة في السّاحة الثقافية التونسية ؟ و إن كان الأمر كذلك فلماذا لم تجمع ميزانية السيتكوم للقيام بعمل واحد يستجيب للتطلعات المشاهدين في هذه الفترة الحساسة . بهذه البرمجة التي شهدناها في أول أيام رمضان ، يمكن أن نتساءل عن ما ستقدمه الأيام القادمة فإذا كانت الانطلاقة بهذا الأسلوب الذي حمل مشاكل التونسيّ التي يريد نسيانها ، فكيف ستكون الحلقات القادمة.