لكل عقد احلامه.. لكل عشرية طموحاتها.. في الستينات كانت الاشتراكية مذهبا حاملا طموح الفقراء.. فزاد الفقر فقرا.. في السبعينات كانت الليبرالية مذهبا حاملا شعار الاقلاع من الفقر الى الثروة.. فإذا بها تصنع مجتمعا استهلاكيا والجيوب فارغة.. قلة تملك كل شيء واغلبية مسحوقة.. حلم الثروة تحول الى ثورة.. في الثمانينات كانت الديمقراطية مذهبا حاملا الحرية والتعددية..وكان الحمل كاذبا.. وفي رواية اخرى كان المولود مشوها.. ولكل عشرية سجونها ومساجينها.. في التسعينات كانت حقوق الانسان دستورا عالميا فوق دساتير كل الدول.. ومرة اخرى «هرب عمار بكرتي» سمعنا عزفا.. سمعنا شعارات.. شممنا رائحة هذه الحقوق ولم نتذوق طعمها.. اعلان نوايا.. ولكل عقد مساجينه.. في الاثناء لم يتغير الشعب.. بقي عربيا يناصر فلسطين وبقي عربيا مفتوحا على الغرب بقي عربيا ويحب «ريال مدريد» ويتذوق كل الموسيقات وبقي مسلما ويباهي بكل الحضارات التي مرت بقي مسلما يباهي بسماحة الاسلام.. «ويقسم بالمعصية» وبقي مسلما عقلانيا والدليل مقولة «اقرأ سورة ياسين وهز حجرة في يدك « .. وها نحن اليوم على مرمى حجر من بلوغ الخلاص.. تحولنا من شعب يقاد الى شعب يقود ومرة أخرى حملنا بمسؤولية تاريخية من قبل الذين ينشدون الخلاص.. والعبرة بالخواتم.. فإن نجحنا نجحوا.. لقد جربت فينا كل «الخلطات» السياسية والاقتصادية والتعليمية.. ولكن عمقنا التاريخي أمّن مناعتنا.. وهاهو مصيرنا بين ايدينا ربما لأول مرة في التاريخ.. هذا الشعب هو الذي زرع الشجرة وثمارها للاجيال القادمة .. وزينة تونس هي عقل التونسي واعتداله واحتفاؤه بالحياة.. من ضعفه يصنع المعجزات.. ومن المأساة يصنع «النكتة».. يكره العنف.. يكره الاقصاء.. يكره الظلم.. وتلك هي ميزاته التي يتفوق بها على ثورات اخرى مزروعة بالألغام والفخاخ الدينية والعرقية والمذهبية.