تصريحات المنصف المرزوقي الأخيرة ركزت بالأساس على اللحمة الوطنية خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي تعلقت بالعلم الوطني وتدنيس المصحف الكريم.. مؤكدا أن الفتنة إذا استيقظت ستأتي على الأخضر واليابس وتجهض الثورة.. وزاد الرئيس بقوله يوم الاحتفال بذكرى الاستقلال «إنه لم يعد هناك مبرر لبقاء تبعات المظلمة التي وقعت في حق اليوسفيين ولم يعد هناك مبرر أيضا لشيطنة البورقيبيين».. وإن استكثر عليه الطاهر هميلة الظهور فإن هذه التصريحات كانت ضرورية لأنها تنزع الألغام في مسار الإصلاح الذي لا يمكن أن يبنى على الضغينة وإعادة انتاج نفس الظروف التي هيأت للفتنة في وقت حساس وحاسم لما سيكون عليه غدنا.. وهذا يحسب للمرزوقي الذي رغم صلاحياته المحدودة فإنه دعا إلى سد المنافذ التي تتسلل منها الشياطين.. وقال ما لم يقله من هم أولى بذلك من مسؤولين في الحكومة أو في الأحزاب.. أحيانا تتضارب تصريحات المرزوقي مع تصريحات الجبالي أو الوزراء ولكني أرى في هذا الاختلاف رحمة وفرصة للتعديل والالتفاف في منطقة وسط.. عفوية المرزوقي تضعه أحيانا في مأزق ولكن ثقافته الحقوقية تشفع له عندما يسكت الآخرون الذين لم يتجاوزوا كوابيس الماضي.. ويرفضون حتى الترحم على الأموات.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. المرزوقي اليوم ليس المرزوقي قبل أشهر.. ما دام يحسم في القضايا الكبرى مثل مدنية الدولة وحرية المرأة وشرعية المعارضة.. والنأي بالدين عن السياسة.. ومن أجل هذه الأهداف تعامل المنصف المرزوقي بمفهوم الدولة التي تعتذر.. والدولة التي تحمي.. مواقف قد تحرج البعض ولكنه من موقعه تعامل كرئيس لكل التونسيين لا كحزب في «الترويكا».. وإن استكثر عليه الطاهر هميلة ظهوره وحضوره في المشهد فإن ما يقوله المرزوقي يجمّع التونسيين بينما ما يقوله الطاهر هميلة هو دعوة لضرب المعارضة واتحاد الشغل.. وكلما تكلم ترك وراءه دخانا أسود ينذر بالتصادم والاحتراب.. لسنا في حاجة إلى هكذا تصريحات.. لسنا في حاجة إلى من برنامجه حزمة من الانتقام والتخوين.. لسنا في حاجة إلى ابتزاز أي كان من أجل رأيه أو ماله أو عرضه.. نحن في حاجة إلى الكفاءات لا الولاءات وفي حاجة إلى التفكير لا إلى التكفير.. لأن هذا المسار لا يوفر مواطن شغل ولا يؤمن استقرار البلاد وانتعاش اقتصادها.. ألم أقل لكم إن الاختلاف رحمة..