- برغم كل الليونة التي تعامل بها الإسلاميون قبل وبعد الانتخابات، فإن أزمة الثقة ما تزال تميز علاقاتهم بالعديد من قوى المجتمع وخاصة النخب. - يستبعد المراقبون حصول «ردة» في المسار الانتقالي الديمقراطي. خاصة أن الظرف الإقليمي والدولي مناسب لحصول التغيير. تبقى معه تطورات المشهد السياسي رهينة تطورات داخلية في المقام الأول، ومتوقفة على حصول توافق بين النهضة وخصومها، كشرط لتجسير الفجوة بين الطرفين. - إن التحديات التي تواجه حركة النهضة وهي تستلم الحكم كثيرة ومتنوعة، وهي امتحان لمعرفة مدى خلوّ خطابها من وعظ الناس إلى تقديم حلول لمشكلاتهم الاجتماعية والأمنية، وابتعادها عن تكرار الأخطاء التي انزلقت إليها التجارب الإسلامية الحديثة في الحكم في كل من السودان وإيران. أثار-وما يزال - فوز حركة النهضة ، في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وتشكيلها لأول حكومة «شرعية» بعد الثورة العديد من التخوفات والتساؤلات، حول مستقبل الانتقال الديمقراطي في تونس. فما هي تحديات المستقبل السياسي في تونس بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم؟ برغم كل الليونة التي تعامل بها الإسلاميون قبل وبعد الانتخابات، فإن أزمة الثقة ما تزال تميز علاقاتهم بالعديد من قوى المجتمع وخاصة النخب. ما يجعلهم مطالبون بتفنيد كل «التخوفات»، عبر التعاطي بايجابية وبتفاعل عقلاني مع المجتمع التونسي، من خلال الانتصار إلى «إسلام حركي تونسي» يأخذ في المقام الأول خصوصية التجربة التحديثية التونسية التي تعود إلى حركة الإصلاح في القرن التاسع عشر وتعد الدولة الوطنية استمرارا لها والعمل من أجل التأسيس لتوافق بين هوية المجتمع وعلمانية الدولة، على غرار التجربة التركية التي تحظى بالإعجاب لدى النهضة. و الابتعاد عن الأخطاء القاتلة التي طبعت تجارب حكم الإسلاميين في السودان وإيران وأفغانستان. ولعل الضمانة في عدم الوقوع في مثل هذه التجارب، تكمن في كون المجتمع التونسي له من الحصانة ما يجعله قادرا على حماية مكاسبه. إضافة إلى أن أغلب الدراسات التي أنجزت حول الحركة الإسلامية في تونس، تشير إلى أنها تطورت ضمن السياق التاريخي والاجتماعي التونسي، ما سمح ب «تونسة» النهضة لا «أسلمة» تونس. وفي هذا الإطار سبق للنهضة، أن ساهمت في التنسيق مع المعارضات العلمانية واليسارية، قبل وبعد الثورة ولعل أبرزها المشاركة في تحالف هيئة 18 أكتوبر، وخاصة الورقات التي أعدها ومنها وثيقة هامة حول علاقة «الدولة والدين»، وتضمنت التأكيد على وجود ثلاثة تحديات تواجه الشعب التونسي في تطلعه إلى إنجاز تغيير ديمقراطي حقيقي وتأسيس علاقة سليمة بين الدين والدولة، وتتمثل هذه التحديات في «استبداد السلطة» الذي من مظاهره إخضاع الدين الإسلامي للإرادة السياسية للنظام القائم وتوظيفه، و«الاستبداد باسم الدين» الناجم عن قراءة أحادية مغالية للإسلام والذي يؤدي إلى التدخل بالقوة في حياة المواطنين الخاصة، والى النيل من حقوقهم وحرياتهم الأساسية ومن المبادئ الديمقراطية، ثمّ «الاستبداد باسم الحداثة» الذي يعمل على إلغاء الدين من الحياة العامة بوسائل قهرية من داخل أجهزة الدولة وخارجها ويدفع نحو التصادم بين الدولة والدين. وهو تصور لا يؤدي إلا إلى دوام الاستبداد القائم ودعم انتهاك الحريات وحقوق الإنسان وتعطيل المشروع الديمقراطي. يستبعد المراقبون حصول «ردة» في المسار الانتقالي الديمقراطي. خاصة وأن الظرف الإقليمي والدولي مناسب لحصول التغيير. تبقى معه تطورات المشهد السياسي رهينة تطورات داخلية في المقام الأول، ومتوقفة على حصول توافق بين النهضة وخصومها، كشرط لتجسير الفجوة بين الطرفين. مع أنه ليس من اليسير على الحكم الجديد في تونس تهدئة جبهات الضغط الكثيرة خلال المدة الزمنية الوجيزة المخصصة للمجلس التأسيسي بسبب عمق التباينات بين مشاريع الحكم والمعارضة، فلا يستبعد أن تواصل المعارضات اليسارية تحريك مواقع الضغط والاحتجاج، من داخل الساحة النقابية العمالية أو الساحة الطلابية. وهو ما برز في أكثر من مناسبة سواء عند تشكيل الحكومة أو بمناسبة جلسات المجلس التأسيسي.وقد استطاعت هذه الأطراف «إحراج» النهضة، بفضل قدرتها على التعبئة في صفوف المجتمع المدني، وقدرتها أيضا على «تصيد» أخطاء الإسلاميين الذين يفتقدون إلى الخبرة والتجربة في إدارة الشأن العام. إن التحديات التي تواجه حركة النهضة وهي تستلم الحكم كثيرة ومتنوعة، وهي امتحان لمعرفة مدى خلو خطابها من وعظ الناس إلى تقديم حلول لمشكلاتهم الاجتماعية والأمنية، وابتعادها عن تكرار الأخطاء التي انزلقت إليها التجارب الإسلامية الحديثة في الحكم في كل من السودان وإيران، حيث انقلبت على الديمقراطية وأسست لاستبداد باسم الدين. وهي أيضا مطالبة بالعمل أكثر على «تأطير» الساحة الإسلامية، من أجل محاصرة بعض المظاهر المنسوبة لتيارات إسلامية وخاصة السلفية. والتي برزت من خلال جماعات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عمدت إلى محاولات تستهدف المس من الحريات الفردية التي هي «مقدسة» بالنسبة للتونسيين. لقد مثل وصول حزب إسلامي لرئاسة الحكومة في بلد مثل تونس، «مفاجأة» بالنظر لحركة التحديث الشاملة التي عرفتها البلاد بقيادة الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة. ويذكر أن الإسلاميين سبق لهم تولي الحكم في دول عربية وإسلامية مثل السودان وإيران وأفغانستان، وكانت تجارب فاشلة بل مؤلمة في تاريخ هذه الشعوب. مع وجود مثال ناجح متجسّد في تجربة حزب العدالة والتنمية التركي ذي الميولات الإسلامية، الذي استطاع الملاءمة بين علمانية الدولة وخلفيته الإسلامية. فما هو مصير التجربة التونسية الوليدة؟