مع الأسف الشديد سقط بعض قادة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في أول امتحان لهم بعد الانتخابات وذلك خلال المفاوضات لتشكيل حكومة الائتلاف، لم يحترموا الديمقراطية داخل الحزب وخانوا مبادئه. على عكس ما ادعاه «ع وم» اتفق الجميع داخل المكتب السياسي بمن في ذلك الامين العام الحالي على مبدإ المشاركة في الائتلاف الحكومي ولكنه شدد على ضرورة التركيز على البرامج السياسية من أجل تحقيق أهداف الثورة وخاصة منها تنظيف وزارتي الداخلية والعدل من رموز الفساد والاستبداد وتفعيل مبدإ المحاسبة والمساءلة. وقد كان لهذا الموقف، من جانب الامين العام الحالي، أن أصبح شخصا غير مرغوب فيه في المفاوضات التي احتكر إدارتها المنصف المرزوقي ، محمد عبو وسليم بن حميدان وعبد الوهاب معطر.بدون اشراك الأعضاء الآخرين في المكتب السياسي ألا في ما قل وبإقصاء مشهود للكتلة النيابية مما أثار حفيظتها. والحال أن القانون الداخلي، الذي يتشدق هؤلاء بضرورة احترامه الآن، يعطي صلاحية تعيين ممثلي الحزب في الحكومة للمجلس الوطني. وهذا ما حدا بالأمين العام للدعوة لتشريك الكتلة النيابية ونظم انتخابات لتعيين ممثلي الحزب في الحكومة فثارت ثائرة هذه الزمرة التي أعلنت اقالة الامين العام وعينت مكانه الطاهر هميلة . وتوالت منذ ذلك الحين الممارسات والمناورات لتركيع الحزب لإرادة الوزراء والمستشارين في الرئاسة وجعله مجرد هياكل مشتتة وأشخاص لا تربطهم بالحزب الا علاقات ولاء شخصي لهذا أو ذاك من أعضاء الحكومة. - لقد انقلبت المفاوضات إذا الى مجرد مساومات للحساب الخاص وبلغ الامر الى حد امضاء ممثلينا على البياض في ما يخص مشروع القانون المؤقت المنظم للسلط والذي جرد رئيس الجمهورية من كل صلاحيات، مخالفين في ذلك تصورات الحزب كما جاءت في مؤتمر القيروان. واضطر الامين العام للتدخل في المجلس التأسيسي، رافضا هذه المسودة وطالبا تنقيحها بما يتجاوب وتصورات الحزب.الشيء الذي أذعنت له النهضة ، وهذا ما يؤكد أن مفاوضينا فاوضوا النهضة على حقائبهم ولا على البرامج السياسية كما ادعوا، ومن المضحك المبكي أن لا أحد في الحزب قد اطلع على أي وثيقة تذكر تؤسس للتحالف والتي تمكننا من معرفة تأثير مفاوضينا وحزبنا على برنامج الحكومة.و في غياب مثل هذه الوثيقة لم يبق لنا أي وسيلة لمراقبة مدى احترام الحكومة وممثلينا فيها لتعهداتها تجاه حزبنا. - كما عمد هذا الفريق لفرض سمير بن عمر على رئاسة الكتلة والتي لم يجتمع بها قط وتركها مشتتة، لايجمع بينها شيء يذكر.وترك هكذا النواب في عزلة تامة لا يصلهم من المكتب السياسي أو أعضاء الحكومة شيء يمكنهم من المشاركة الحقيقية في أخذ المواقف السياسية من المسائل المناقشة داخل المجلس. - ولما طرحت عملية انتخاب رئاسة المجلس التأسيسي رشحت الكتلة النائب عن المؤتمرالعربي عبيد ولكن الكتلة فوجئت بتقدم النائب المستقل نجيب حسني لنفس المنصب بايعاز من «ع وم» وشعر الجميع بمن في ذلك نجيب حسني بالخيانة الموصوفة التي لم يتورع عن ارتكابها عضو في المكتب السياسي في حق الحزب وللمرة الثانية ولم يحرك المكتب السياسي ساكنا وتناسى الفصل 56 من القانون الداخلي للحزب. - أما اجتماعات المكتب السياسي فقد أصبحت، قبل وبعد اعادة الامين العام لمنصبه، تحت ضغط القواعد، فارغة المحتوى. طرح الامين العام على المكتب ورقة السياسة العامة ولم يعطها لا المكتب السياسي ولا أعضاء الحكومة أي تفعيل يذكر أو أي تعليق أو نقد. و حتى بعد الاتفاق على توزيع المهام طرح الامين العام على ضرورة أن يقدم كل صاحب مهمة تصوره لهذه المهمة وكيفية انجازها والتزم بتقديم ورقة لمهمة الاعلام التي اوكلت له وفي الاجتماع الموالي قدم ورقته ولكنه اكتشف أن لا أحد غيره قام بما تعهد به. لقد انشغل أغلب أعضاء المكتب السياسي بمهامهم الحكومية أو في الرئاسة حتى أصبحت مشاركتهم الحزبية مجرد تسجيل حضور شكلي الهدف منه مواصلة السيطرة على قيادة الحزب والحيلولة دون توسيعه أو قيامه بدوره الطبيعي في بلورة السياسات التي من شأنها المساهمة الفعالة في تحقيق أهداف الثورة والإخلاص للوعود التي قدمناها للشعب التونسي. - أما الموقف من القواعد الحزبية فحدث ولا حرج، فسياسة الولاءات قد عمقت الانقسامات وظاهرة خلق المكاتب الموازية قبل أن يلتحق عماد الدايمي بالرئاسة قدم ورقة بالاشتراك مع ايوب المسعودي وإقبال مصدع لهيكلة الحزب وقرروا على اثرها تجميد الانخراط في الحزب وكل العمليات الانتخابية للهياكل القاعدية بدون تقديم أي مبررات، وقد طغت على هذه الورقة فكرة تركيز كل السلطات داخل الحزب بين أيدي المكتب السياسي وتغييب كامل للمجلس الوطني للحزب وقد قمت بالرد على هذه الورقة في 10 ديسمبر 2011 وبعد أن عددت السمات الرئيسية للأوضاع السياسية والتنظيمية للحزب وخاصة منها ضبابية الرؤية السياسية وغياب الديمقراطية ، ذكرت بضرورة تفعيل الديمقراطية والشفافية ودوران المعلومة داخل الحزب، والابتعاد عن إقحام قواعد الحزب في التجاذبات داخل المكتب السياسي وناديت بعقد مجلس وطني للحزب ونبهت من خطورة الاوضاع على مستقبل الحزب. ولكنني لم أتلق أي رد أو حتى مجرد إعلام بالوصول باستثناء الامين العام الذي عبر لي عن اتفاقه مع أهم ما جاء في ورقتي مع تسجيله بعض التحفظات لإمكانية انعقاد المجلس الوطني بالنظر لعدم وجود هياكل قاعدية منتخبة وغياب انتخاب الأعضاء الأربعين للمجلس الوطني وبين لي رأيه في ضرورة تشريك الكتلة النيابية المنتخبة في سد الفراغ الناجم عن اشتغال أغلب أعضاء الحزب في الحكومة والرئاسة والقيام مباشرة بمهمة اعادة هيكلة الحزب حتى الوصول للانتخابات القاعدية وعقد المؤتمر الوطني. - أمام الشلل الذي اصاب الحزب وخاصة المكتب السياسي، بادر الأمين العام بتشكيل لجنة الهيكلة من أعضاء محايدين تقدمت بتصور مهني وجاد لاعادة هيكلة الحزب وبدأت بحملات اعلامية لشرح مشروعها أعادت الامل والنشاط لأول مرة داخل الحزب منذ الانتخابات ولكنها لاقت العديد من حملات التشكيك وحتى كيل الاتهامات بايعاز من البعض من أعضاء المكتب السياسي. - لقد قمت بمبادرة مني بمحاولة أولى في بداية شهر فيفري لتقريب وجهات النظر بين الأمين العام ومحمد عبو واتفقنا على أربعة مبادئ اتفق الطرفان على احترامها وصولا للمؤتمر الوطني. - مساندة عمل لجنة الهيكلة التي شكلها الامين العام والتي بدأت عملها بحيادية للبدء في انتخابات الهياكل القاعدية والالتزام بعدم التدخل أو عرقلة عملها. - الاستجابة لطلب الامين العام في تشكيل لجنة إعلام من مهنيين وأعضاء في الحزب للتعريف بنشاطات الحزب داخله وخارجه. - تشكيل لجان سياسية تنسق بين مختلف قيادات وقواعد الحزب. - الكف عن كل التصريحات الاعلامية ونقاش مشاكل الحزب الداخلية على الهواء. وما ان بادر الامين العام بتشكيل هذه الهيئة الاعلامية حتى بادرت نفس المجموعة من المكتب السياسي بالحملات الاعلامية ضد سليم بوخذير، مستعملة أساليب وعبارات نابية، زادت في تسميم الاجواء وتعميق انعدام الثقة بين كل الاطراف، كما قرر ت أمانة المال تجميد أي عملية مالية مما أدى الى غلق عدة مقرات للحزب وشلت نشاطات الحزب وعطلت عملية إعادة الهيكلة. وهكذا عادت الصراعات من جديد لتصبح المادة الأفضل للأوساط الاعلامية. وبالرغم من هذا كله واصل الامين العام ضبط النفس والدعوة للحوار ولكن مع مواصلة العمل لإنقاذ الحزب والحفاظ على استقلاليته ومصدقيته.ولكن الأغلبية داخل المكتب السياسي واصلت نفس النهج التصفوي للحزب وذلك بشل كل تحركاته ولتجعل من المكتب السياسي أداة لتجميد هذا أو ذاك وتهديد كل من خالفهم الرأي بالعقاب وتحصين أنفسهم من أي مساءلة مهما اقترفوا من اعمال عدائية في حق الحزب ومبادئه. ونتيجة هذه الممارسات، زاد الشعور بالاحباط بين أعضاء الحزب وتسارعت الاستقالات من الحزب الذي بدا من خلال ممارسات وتصريحات البعض من قياداته وكأنه فقد روحه وداس مبادئه وخان الأمانة والثقة التي أعطاهما له ناخبوه.