عندما يتحول الفسفاط إلى لعنة.. عندما يذهب الفسفاط غبارا في رئة المواطن ويذهب خراجه إلى جيوب مناطق أخرى.. عندما تمر السنوات والأيام الحمضية على سكان الحوض المنجمي ولا يتغير شيء.. يجب أن نتوقف لحظة لنسأل لماذا؟!.. وهم إخوتنا.. وهم كالجمال عطاشا والقِرب فوق ظهورهم.. هم إخوتنا طبعهم الجدية.. وطلب الحق بدون ذلة.. أنصاف الحلول لا تغريهم.. وهم لا يحنون ظهورهم ولا يكسر الظلم أنفتهم.. هذا طبعهم.. ولهذا صار النظام المركزي ينظر إليهم بعين الريبة لا بعين العدل.. في زمن بورقيبة.. وزمن بن علي عانوا الإقصاء والتهميش.. حتى أيام الحرب العالمية ذاقوا مرارة القصف والقتل.. وها هم اليوم يتعرضون إلى نفس الممارسات.. مرة أخرى يجدون أنفسهم في خانة المشبوه..سبحان الله.. بذور الثورة زرعت منذ أحداث الحوض.. بذور الثورة هي الزخات الأولى التي أوصلتنا إلى 14 جانفي.. تذكروا الحصار المطبق على إخوتنا هناك.. لا خبر.. لا دخول لا خروج.. تذكروا الذي احترق بالكهرباء.. أول شهيد يختزل ما تبقى من عمر النظام.. تذكروا الصمت الذي غطى الحوض برداء أسود.. تذكروا الرجال والنساء الذين كسروا أسنان الظلم ومخالب البطش.. تذكروا وجوها أصبحت رموزا لثورة آتية لا محالة.. جلنا كنا شركاء في الصمت أو اللامبالاة..حتى هذه الوجوه لما صرخت.. طالها البطش هذه الأيام.. ورفعت ضدهم قضايا لأنهم قالوا ما قالوا من قبل.. إذن ماذا تغير؟! ومن يعوّل على تغيير أهل الحوض المنجمي فهو مخطئ.. ذهب بورقيبة وذهب بن علي وبقيت المناجم.. بقي أهل المناجم.. نردد أغانيهم التي يرتد صداها القادم من آلاف السنين.. على جدار الصمت.. ولكن الحجر نطق.. لما طالب إخوتنا بالحق.. بالعزة.. بالشغل.. بالكرامة.. بالفجر الذي انبثق.. نفد الصبر من صدر أيوب.. وآن الأوان لرفع الغبن عن إخوتنا بجدية.. إخوتنا الذين لا يطالون الخير الذي يمشون فوقه.. الخير الذي تحمله القطارات إلى خزينة الدولة.. ولا يسّاقط منها حتى الفتات.. وأهل المناجم لا يقبلون بكرامة الفتات..