بعد غيبة وطول انتظار عادت المطربة التونسية صوفية صادق إلى المشهد الثقافي في تونس من جديد ومعها العديد من المفاجآت الطيبة وكانت إطلالتها على شاشة التلفزة التونسية في نهاية الأسبوع الماضي من خلال ملحمة "صرخة أمة" دليلا جديدا على حرفيتها ونضجها الفني. صوفية كعادتها ترفض الظهور لمجرد الظهور وإنما تخير العمل في صمت وهدوء بعيدا عن الأخذ والرد والمزايدات التي لا تخدم الفن في شيء. ربما اختفت صوفية عن الأنظار لمدة ولكن كل من يعرفها جيدا يدرك أن وراء اختفائها مشروعا فنيا جديدا تجيد التكتم عنه حتى آخر لحظة. فصاحبة "وبتحلى الليالي" لا تسمح لأي شيء بأن يعيقها عن تنفيذ مشاريعها الفنية وتحرص على دراسة أدق التفاصيل حتى تكون إطلالتها على جمهورها مميزة و مقنعة. عادت صوفية و في جرابها عدد محترم من الأغاني والأناشيد الدينية و الوطنية التي أدتها بكل اقتدار. هذه الأعمال المتميزة تعكس ذوقا راقيا وحرصا على تقديم فن يترك بصمة على السامعين بصفة خاصة وعلى المجتمع بصفة عامة. كان حضورها متميزا وأداؤها رائعا يدل على احترامها لتاريخها الفني ولجمهورها الذي تعتبره رفيق دربها في رحلتها الفنية. وباعتبار عرضها خلال هذه الأيام الفضيلة من شهر رمضان المعظم، فقد استهلت صوفية الملحمة بأغنيات وأناشيد دينية مؤثرة جداً "صلى الله على محمد" و"أمتك يا محمد" أبدعت في أدائها إبداعا رائعا. و هي بذلك تثري رصيدها من الأغاني الدينية التي أحبها الجمهور التونسي و العربي مثل "أجرني إله العرش" من تلحين الناصر صمود و"ربي سبحانك" من تلحين رياض السمباطي. وكان اختيار صوفية لهذه الأغاني اختيارا موفقا يعكس وفاءها لهذا اللون الغنائي الذي تربت عليه في طفولتها وتعلمت أصوله في إطار التعليم الديني الذي تلقته في صغرها. و بعد الأغاني الدينية أطلت علينا صوفية من جديد لتشدو بأغان وأناشيد وطنية تعكس واقع البلدان العربية التي مازالت تخوض معارك من أجل الحرية والكرامة. كان قصيد "استيقظي يا أمتي" فعلا صرخة مدوية أطلقتها صوفية من أجل أن تستيقظ الأمة العربية و تمضي إلى الأمام في سبيل تحقيق حلمها بالحرية والعدالة والكرامة. كان هذا النشيد المؤثر من تلحين الموسيقار جمال سلامة الذي سبق أن تعاملت معه صوفية في أعمال دينية ووطنية ضخمة نالت إعجاب الجمهور التونسي والعربي. و غنت صوفية أيضاً رائعة أم كلثوم "أنا الشعب لا أعرف المستحيل" من ألحان العبقري محمد عبد الوهاب وأبدعت في أدائها بطريقتها الخاصة، كما أدت بإقناع كبير رائعتي "أنا الشعب... ماشي وعارف طريقي" و"سيد قصورك" للشيخ إمام لتقدّم بذلك تحية إلى كل الشعوب العربية التي كسرت قيود الخوف والصمت وثارت من أجل الحرية و الكرامة. كان ظهور صوفية الأخير ظهورا مميزا درسته بدقة وذكاء ونفذته بالتعاون مع فريق ضخم من الموسيقيين والتقنيين فكانت النتيجة ثمرة فنية في غاية من الجودة. أخذتنا صوفية معها في رحلة فنية روحية و كأنها دعوة الى الترفّع عن الخلافات والعنف والمضي قدما على درب تشييد واقع أجمل. فهنيئا لتونس بهذا الصوت القوي الصادق الذي لا يتخلف عن مواكبة ما يحدث في العالم العربي من تغيرات. هذا الصوت الذي أبى إلا أن يشارك الأمة العربية أفراحها و أحزانها لأنه صوت من الشعب و إلى الشعب.