ليلة الإثنين الماضي لم تكن عادية في مدينة باجة وبصفة خاصة في منطقة قصر باردو داخل جامع الهداية الذي شهد أحداث عنف وفوضى طالت الفضاء المحيط به بين مجموعتين من الشباب الأمر الذي أفرز حالة من الذعر في صفوف المصلين من الكهول والشيوخ وأهالي حي قصر باردو...هذه الحادثة خلّفت ردود فعل مختلفة ومثلّت موضوع حديث ساخن في الأيام القليلة الماضية... «التونسية» حاولت الوقوف على حقيقة ما حدث على لسان الطرفين ممن عاشوا أحداث العنف لحظة بلحظة فكان الريبورتاج التالي: سليم القاسمي (أحد المنتسبين لأتباع ربيع المدخلي) أكد هذا الشاب الملتحي أن نشاط المجموعة بدأ بعد الثورة مضيفا أنهم ينتسبون لفرقة «المداخلة» أتباع الشيخ السعودي ربيع المدخلي الذي يراه أحد علماء أهل السنة بعد أن تمت تزكيته من الشيخ إبن الباز والشيخ الألباني والشيخ إبن عثيمين وأكد محدثنا «نحن لا نؤله الشيخ المدخلي ولا نتعصب له فإذا قال حقا قبلناه وإن قال باطلا خالفناه» وأضاف أن طريقة الاتصال المباشر به منعدمة تماما ليقتصر الأمر على الاطلاع على فتاويه ودروسه عبر شبكة الأنترنات. ويقول «سليم القاسمي» أن الشيخ ربيع المدخلي ردّ على كل المتشددين المنادين بالعنف والتفجير على غرار أبو محمد المقدسي وأسامة بن لادن وأبو قتادة الفلسطيني ولعلّ أهم ما يدعو له ربيع المدخلي هو الدعوة للتوحيد والسنة وذم أهل البدع وأتباعه في تونس متواجدون في كافة مناطق الجمهورية وأغلبهم من الشباب والطلبة والتلاميذ والعمال... وأشار محدثنا إلى أن همه وبقية المداخلة في باجة طلب العلم والعمل به... وتطرق محدثنا إلى الاختلاف بين «المداخلة» و«السلفية الجهادية» عندما قال نحن نرفض التكفير والخروج عن ولاّة الأمور ولا نقبل بث الفوضى مشيرا إلى أنهم اتخذوا موقفا سلبيا ورافضا للثورة التونسية استنادا إلى أنها لم تقم على أساس أدلة شرعية وفسادها أكثر من صلاحها مشيرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلّم حرّم الخروج عن ولاّة الأمور إلى أن نرى منهم كفرا بواحا» وهذا الأمر يختص به العلماء الراسخون وليس عامة الناس مؤكدا أن من مفاسد هذه الثورة ما ساد من مجاهرة بالمعاصي على غرار ما حصل في معرض العبدلية وغيره... رواية « المداخلة» لما حصل داخل جامع الهداية... قال الشاب سليم القاسمي «بداية الأزمة والمشكل كانت بإصرار جماعة السلفية الجهادية في باجة على بث الفوضى والتكفير في البلاد من خلال تحركهم في المساجد والدعوة إلى تلك الأفكار بما في ذلك جامع الهداية فنصحنا إمام جامع الهداية بعدم السماح لهم بإقامة الدروس في الجامع وبث أفكارهم فيه والتي نرى فيها خطرا على الشباب المسلم في الجهة لما فيها من دعوة للمغالطة ولتكفير الحاكم وعامة الناس خاصة أنهم نجحوا في السيطرة والإستيلاء على جامع المعقولة بباجة الجنوبية وبات مجالا مفتوحا لبث أفكارهم...إلا أن إمام جامع الهداية لم يمتثل لمطلبنا ونصيحتنا وأصر على جلب أحد أتباع السلفية الجهادية وفسح لهم المجال لتقديم درس في مناسبتين متتاليتين خلال شهر رمضان فنبهنا بعد الدرس الأول بعدم تمكينهم من فرصة أخرى داخل جامع الهداية إلا أن الأمر تكرر في اليوم الموالي فحاول بعض المنتسبين منع تقديم الدرس فكانت ردة الفعل بالإعتداء علينا بالعنف وبإستعمال الغاز المسيل للدموع فرددنا الفعل ودافعنا عن أنفسنا وعن حرمة المسجد فعمّت الفوضى وسادت أجواء مشحونة...». لماذا يفطر «المداخلة» قبل موعد آذان المغرب ؟ سألنا سليم القاسمي حول مسألة التعجيل بتناول الإفطار قبل حلول موعد آذان المغرب فأجاب: «نحن لسنا ضد التطور العلمي واستخدام الوسائل الحديثة لتحديد وقت الغروب بل نحن دعاة علم ديني ودنيوي كذلك ففي عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان غروب الشمس يرى بالعين المجردة وقد أمر المسلمون بالافطار عند غروب الشمس إستنادا لقوله صلى الله عليه وسلّم كما في صحيح البخاري ومسلم: إذا أقبل الليل من ها هنا (من جهة المشرق) وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» ويضيف محدثنا «السنّة تعجيل الفطر وعدم تأخيره لقول رسول الله كما في الصحيحين: لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر» وأضاف مستدلا: «سئل شيخ الإسلام إبن تيمية هل يجوز للصائم أن يفطر بمجرد غروب الشمس فأجاب «إذا غاب جميع القرص جاز للصائم أن يفطر ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق». وقال سليم القاسمي «أنه بناء على قناعتنا بما سبق اتصلنا بالمصلين في جامع الهداية وفي الجامع الكبير بالمدينة العتيقة لتعليمهم هذه السنّة فلم يستجب أغلبهم لذلك... أما جماعة السلفية الجهادية فقد أنكروا علينا مسألة تعجيل الفطر حتى أن أحد أئمة الجمعة تطرق للمسألة في خطبته أمام المصلين في جامع «الأقواس» بباجة الشمالية وكفّر بعض الذين عجّلوا بالفطر في ذلك المسجد»... وختم سليم القاسمي حديثه ل «التونسية» قائلا: «نحن لسنا دعاة عنف ولا فوضى ولكننا ندعو للسلم والتآخي بطبعنا». محمد إكرام الوسلاتي (إمام جامع سيدي فرج وعضو الجمعية القرآنية بباجة) بعد الاستماع إلى تحليل وتفسير ما وقع من أحداث على لسان سليم القاسمي أحد منتسبي المداخلة اتصلنا بمحمد إكرام الوسلاتي إمام جامع سيدي فرج الذي نفى في البداية ما ينسب إلى الشباب المصلّي بجامع سيدي فرج وجامع المعقولة على أنهم جماعة السلفية الجهادية مشيرا إلى أن ذلك من قبيل الدعوة الجاهلية للتفرقة بإعتماد فزاعة التخويف ولف النظر عن أصل المشكل ألا وهو البدع والفتنة مشيرا إلى أن شباب مسجدي سيدي فرج والمعقولة هم من التونسيين المسلمين ولا تصح فيهم أية صفة أخرى... سألنا في البداية محمد إكرام الوسلاتي عن موقفه من جماعة «المداخلة» فأكد أنه لا يتفق معهم في العديد من الأمور لعل أهمها أنهم يرون أن الشعب التونسي من خلال ثورته خرج عن طاعة ولّي الأمر مشيرا إلى أنه يعتبر ذلك من قبيل التفاهة كما أنه يؤاخذهم على إتهامهم أطرافا اخرى بأشياء هي في الأصل معتقداتهم تتعلق بالتكفير والتبديع كما أكد أن من خصال المداخلة الهجر دون ضوابط شرعية ولا كفاءة علمية كما أنه لا توجد مساحة للحوار والنقاش والإتفاق مع المداخلة بما أنهم يعتمدون العنف ولا يقبلون النصح... ماذا حصل داخل جامع الهداية؟ يجيب محمد: «المداخلة» يرفضون الآخر وهو أمر أشد خطورة من التكفير فقد لبسوا مسألة الإفطار قبل الوقت حسب اجتهادهم ورأوا أنه من السنة التعجيل قبل آذان المغرب ب 10 دقائق فتوجهنا لهم بالنصح وطلبنا منهم الصبر تفاديا لإثارة الفتنة والتفرقة بين المسلمين الذين تعودوا الإفطار في وقت واحد ساعة آذان صلاة المغرب إلا أنهم تمادوا في موقفهم ووصل بهم الأمر حد تعمد الإفطار المبكر في المحراب في جامع الهداية وفي ذلك إستفزاز مباشر... وعندما أردنا مقارعتهم بالحجة والبرهان في هذه المسألة رفضوا توضيح الأمر ومنعوا أحد طلبة العلم من إلقاء درس حول تلك المسألة على مسمع المصلين رغم أن غرضنا كان الحفاظ على وحدة المصلين وتفادي التفرقة... وعندما دعي أحد طلبة العلم من طرف إمام جامع الهداية لإلقاء درس في خصوص مسألة التعجيل بالفطر تمّ منعه واستفزازه في اليوم الأول وطلب منه ألا يعود إلى جامع الهداية لألقاء أي درس ثانية ووصل الأمر حد التهديد والافتراء بأن جماعة جامع سيدي فرج وجامع المعقولة يحاولون السيطرة على جامع الهداية وبسط نفوذهم فيه وتناسوا أن بيوت الله لجميع المسلمين ولا يمكن أن ننسب جامع لجماعة دون أخرى... وقال إمام جامع سيدي فرج أن طالب العلم دعي في اليوم الموالي لإلقاء درس آخر في موضوع ثان لا صلة له بمسألة تعجيل الفطر وبمجرد خروجه من بيت الإمام باتجاه المحراب لإلقاء الدرس بادره بعض «المداخلة» بالعنف فسادت أجواء من الفوضى وتمادى المداخلة في العنف بإستعمال الغاز والمشارب الفخار داخل المسجد فتعرض العديد إلى إصابات وأصبت أنا بضيق في التنفس جراء كثرة الغاز داخل المسجد وحتى عند محاولة نقلي للمستشفى لتلقي الإسعافات تم إلقاء عبوة غاز داخل الشاحنة التي أقلتني. وذكر محمد إكرام الوسلاتي أن «المداخلة» هددوا إمام جامع الأقواس في بيته عندما تحولوا إلى منزله في ساعة متأخرة من الليل على خلفية أنه تناول مسألة تعجيل الإفطار خلال خطبة الجمعة التي أداها في المسجد وفرضوا على أطفاله أجواء مخيفة مشيرا الى أن ما حصل في الأيام الماضية وخاصة العنف الذي جد في جامع الهداية لا يليق بأي منتسب للإسلام دين العفو والتسامح وإعمال العقل وتجنب الفتنة وتقسيم الأمة بالبدع والفتن. هذا رأينا في تعجيل الإفطار أما عن مسألة تعجيل الإفطار التي دعا إليها «المداخلة» فقال إمام جامع الهداية إن ما اعتمده شباب المداخلة في اعتبار الأمر من قبيل السنة ليس سليما فشيخ الإسلام إبن تيمية الذي استندوا إلى قوله «إذا غاب جميع القرص جاز للصائم أن يفطر ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق» بما أنهم اقتطعوا بقية قوله التالي «إذا غاب جميع القرص وظهر السواد من المشرق» وأضاف محمد إكرام الوسلاتي أن شيخ الإسلام إبن تيمية يقول كذلك: «والأكل مع نحوه مع الشك في طلوع الفجر جائز والإفطار مع الشك في الشمس لا يجوز وهو مبني على قاعدة شرعية عظيمة هي أن الأصل بقاء ما كان على ما كان. ففي السحور بقاء الليل وفي الفطر بقاء النهار»... وأضاف الوسلاتي أن الرسول صلى الله عليه وسلّم قال: إذا أقبل الليل من ها هنا ودبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم...هكذا في الفتاوى الكبرى الجزء الثاني الصفحة 469...