وسط قراءات سياسية وقانونية متباينة جدا أحيانا، أخذ الحديث عن موعد 23 أكتوبر المقبل يتزايد... قراءات كان موضوع الشرعية أحد أهم محاورها. فيوم 23 أكتوبر تكون قد مرت سنة على انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي الذي فوضه الشعب لصياغة مشروع دستور للبلاد، ومنح الثقة لحكومة تدير شؤون البلاد في هذه الفترة الانتقالية، فضلا عن انتخاب رئيس مؤقت للجمهورية. والسؤال المفصلي الذي يحاول أكثر من طرف الإجابة عليه اليوم هو ما العمل بعد 23 أكتوبر ؟ خاصة وأن الأمر الذي دعا إلى انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي نص على أن المجلس يتولى إعداد مشروع جديد للدستور في ظرف سنة من تاريخ انتخابه. ولكن كل الدلائل تشير اليوم إلى أن الدستور الجديد لن يكون جاهزا في هذا الموعد، وأن مناقشته والمصادقة عليه ستأخذ أشهرا، إذا ما استندنا إلى البطء الذي اتسم به عمل المجلس الوطني التأسيسي حتى لو تعلق الأمر بمناقشة مشروع قانون عادي فما بالك بدستور جديد. لن نخوض في تفاصيل المبررات القانونية وحتى السياسية التي استند إليها هذا الطرف أو ذلك. ولكن يمكن القول أن هناك اتجاهان رئيسيان، واحد يرى أن الشرعية القانونية تنتهي مساء 23 أكتوبر بعد انقضاء السنة التي حددها الأمر الذي دعا للانتخابات لإعداد دستور للبلاد وأنه يجب التفكير من الآن في سيناريو يرضي الجميع لتجاوز هذا الإشكال. في حين يرى الثاني أن يوم 23 أكتوبر هو يوم عادي كسائر الأيام باعتبار أن المجلس الوطني التأسيسي ومن خلال مصادقته على القانون المنظم للسلطات، أقر أن عمله ينتهي بانتهائه من إعداد الدستور الجديد والمصادقة عليه، ومن باقي المهام الأخرى كتكوين هيئة مستقلة للانتخابات وهيئة للإعلام وقانون انتخابي جديد. ووسط هذا الجدل - الصاخب أحيانا - والذي أدلى فيه الخبراء القانونيون بدلوهم، دون أن يتفقوا على قراءة واحدة، تبقى الصورة ضبابية وما زادها غموضا لدى الرأى العام هو عدم نجاح المجلس التأسيسي في تقديم أجندا واضحة لبقية المراحل وخاصة موعد الانتخابات القادمة التي ترى بعض الأطراف أنها لن تكون ممكنة قبل الخريف القادم. إن القول بأن البلاد ستدخل بداية من 23 أكتوبر في مرحلة من عدم الشرعية وحتى من الفراغ الدستوري – وهو مصطلح استعمله البعض - يخيف شرائح كبيرة من التونسيين، بل إن البعض يرفض حتى مجرد الإيحاء بهذا السيناريو، لأنه يساوي عندهم القفز في المجهول. كذلك يرى عدد من التونسيين أن التغاضي عن تحديد روزنامة واضحة لعمل المجلس التأسيسي وضبط مواعيد دقيقة لما تبقى من الفترة الانتقالية الحالية فيه استخفاف بإرادة الناخبين. وإزاء هذا الوضع ليس هناك من شك أنه من واجب السياسيين ومن مسؤوليتاهم الأكيدة البحث ومن الآن على أرضية للتوافق والجلوس إلى نفس الطاولة، وتجنب أي تشنج وحسابات ضيقة لأن الأمر يتعلق بحق بمصلحة الوطن في مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخه، سيحدد على ضوءها مصير البلاد، وبإمكانهم الاستئناس ببعض المبادرات التي طرحها أصحابها كحل للخروج من هذا «المأزق» خاصة وان بعض هؤلاء يحظون بقدر محترم من الثقة ولا يمكن أن يحسبوا على طرف سياسي دون آخر. ولعله من المطمئن تسرب أخبار تفيد أن لقاءات قد عقدت بين بعض القيادات السياسية الفاعلة في الحكومة والمعارضة وتناولت هذه المسألة من جملة مسائل أخرى، هذا فضلا عن التصريحات الصحفية لبعض الرموز من هذا الجانب أو ذاك ، والتي شددت على أنه لا مفر من الحوار لحسم هذه القضية لتعكس إرادة للتجاوز واستعدادا للتوافق. وكل ما يتمناه التونسيون اليوم هو تجسيد هذه الإرادة إلى أفعال واتفاقات، لأن البلاد لم تعد تحتمل تجاذبات سياسية إضافية.. تجاذبات تعيق التركيز على هموم التونسيين وأولوياتهم وهي كثيرة، وحتى لا تزيد خيبة التونسيين في نخبهم السياسية.