عقد أمس مركز الدراسات المتوسطية والدولية «كونراد أديناور» ندوة صحفية بنزل «أفريكا» بالعاصمة بحضور عديد الدارسين والباحثين المغاربيين والدوليين مثل «هارْدي أوستري» ممثل المركز وخديجة فينان وأندْرو باسولس وغيرهم. وتناولت الندوة تأثيرات التغيّرات السياسية على الأمن في منطقة المتوسط وخاصة في دول الربيع العربي. وقال هاردي أوستري ممثل مركز الدراسات المتوسطية والدولية إن مسألة الأمن في بلدان الربيع العربي تُمثّل تحديا كبيرا لهذه المنطقة سيما بعد تنامي ما أسماه «التيّارات الرجعية والمتطرّفة التي وجدت الأرضية المناسبة في هذه البلدان بسبب الانفلات الأمني الذي أعقب سقوط الأنظمة الاستبدادية والقمعية». وأضاف هاردي أوستري إنّ دول الثورات العربية في حوض المتوسط تواجه مخاطر أمنية تهدّد استقرارها خاصة مع انتشار ما يسمى بالعنف السلفي الذي تسعى السلفية الجهادية إلى إرسائه بتعلة حماية الدين الإسلامي وغيرها من التعلات الواهية. وأشار ممثل مركز الدراسات المتوسطية والدولية إلى أنّ هذه الأطراف المتشدّدة خاصة في تونس وليبيا ومصر تريد فرض قانونها الأمني الموازي للمؤسسات الأمنية المتعارف عليها في الدولة الحديثة كمؤسسة الأمن العمومي ومؤسسة الجيش مشيرا إلى أنّ ذلك يمثّل خطرا كبيرا على الاستقرار في المنطقة المتوسطيّة ككلّ لأنه «يؤسّس لشريعة الغاب والتطرّف والإرهاب» مضيفا أنّ الثورات العربية قامت من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسلم لا من أجل التطرّف والتشدّد الديني وأنه على شعوب المنطقة حماية ثوراتها وتحقيق أهدافها الحقيقية المتمثلة في الحرية ومقاومة الفقر والتشغيل. وختم أوستري كلامه بأنه لا يمكن إنجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تمرّ بها تونس في غياب الأمن والسلم الاجتماعي لأنّ الديمقراطية لا تتحقّق في بلد قانونه العنف بكل أنواعه. أمّا خديجة فينان الباحثة في الأمن المغاربي والمتوسّطي فقد أكدت من جهتها أنّ تونس تعيش مرحلة انتقالية صعبة بعض الشيء وككل بلدان الربيع العربي تشهد مظاهر صراع وعنف تتراوح حدّته بين الانخفاض والارتفاع مشيرة إلى أنّ ذلك نتيجة طبيعية لبلد يعيش مخاضا ثوريّا. وأضافت خديجة فينان أنّ العنف مُتعدّد الأشكال فهناك عنف رمزي وعنف حقيقي تمارسه أطراف متشدّدة ضدّ هيبة الدولة ومؤسّساتها ورموزها الأمنية وضدّ المبدعين مستشهدة بما حدث منذ أشهر في قصر العبدلية وكذلك عنف ضدّ مؤسسات أجنبية كأحداث السفارة الأمريكية وعنف آخر هو عنف الدولة وإرهابها المسلّط على المتظاهرين مثلما وقع يوم 9 أفريل 2012 عندما مارست الدولة العنف ضدّ متظاهرين سلميين. وتساءلت خديجة فينان عن كيفية تحقيق أهداف الثورة في ظل تنامي العنف وتدهور الوضع الأمني الذي صار بدوره «مكسبا من مكاسب الثورة» على حدّ تعبيرها. وأشارت فينان إلى أنّ العنف السلفي يتنامى ويتطوّر بطريقة ملحوظة في تونس ملاحظة أنه عنف مرتبط بتنظيم «القاعدة» الناشط في بلدان المغرب الإسلامي منذ الثورات، وأكدت أنّ عنف السلفية الجهادية في تونس خرج عن سيطرة الحكومة وعن سيطرة الحزب الحاكم مستشهدة بحادث الاعتداء على السفارة الأمريكية كدليل على ذلك مضيفة أنّ هناك «منافسة واضحة للعيان بين حركة «النهضة» والسلفيين مشدّدة على وجود سلفية سياسية إلى جانب السلفية الوهابية والجهادية وغيرهما. أندرو باسولس قال بدوره إنّ المسألة الأمنية في دول الربيع العربي تعتبر أكبر الرهانات والتحديات المطروحة في الوقت الحالي مضيفا أنه على دول المنطقة التعاون مع الدول الأوروبية لإيجاد مقاربة مشتركة لتذليل الصعوبات والحدّ من الخسائر المحتملة لأنّ الأمن المتوسطي هاجس مشترك بين دول شمال إفريقيا ودول الاتحاد الأوروبي مؤكدا في هذا الصدد أنّ السلفية السياسية «تمثّل أكبر خطر على أمن المنطقة لأنّ تطرّف الحزب الحاكم وممارسته للعنف أو سكوته عنه هو الخطر الحقيقي المحدق بالسلم الاجتماعي في بلدان الربيع العربي خاصة تونس وليبيا». وتساءل في هذا الصدد: كيف يمكن التعامل مع هذا الإشكال في بلد يحكمه إسلاميون مثلما هو الشأن في تونس ومصر؟؟ مضيفا أنه ليس مهما أن يحكم هذه البلدان إسلاميون بل المهم هو تحقيق الأمن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وأهداف الثورات.