حاوره: محمّد بوغلاّب خطفوا صغاري واتهموني بالجنون ولكني لم أرضخ ... انتخبت «النهضة» ولكن السياسة رذيلة... كان لقاؤنا يوم رأس السنة الهجرية، وقد جاء الرجل من عاصمة الأغالبة القيروان لمقابلتنا في العاصمة وفق اتفاق مسبق. هو لطفي بن الكحلاء مؤلف كتاب «لم أكن جاسوسا» الذي راجعه الأستاذ الكبير توفيق بكار وعلّق عليه بقوله «إن صدقت أتيت عجبا وإن كذبت جئت أدبا»...وهو ذات الموقف الذي التزمنا به فلم ننصّب أنفسنا في مرتبة من يمنح صكّ الصدق أو يسحبه، فلطفي بن الكحلاء مصرّ على صدقية ما تضمنه كتابه الوارد في شكل رواية مخابراتية عن سيرة حياته غريبة الأطوار، إذ شدّ الرحال سنة 1979 إلى إيران ليشارك في ثورتها بزعامة الخميني ...كان لطفي شابا مفعما بالحياة، تربى في مناخات القيروان حيث عاشق الصورة الراحل الحبيب المسروقي والسينمائي رضا الباهي والناقد مصطفى نقبو(ترى هل تذكرته إدارة أيام قرطاج السينمائية؟) كانت إيطاليا محطته الأولى وفيها تلقى أولى الإشارات الربانية إذ أرسلت له السماء كيسا بني اللون ليجمع فيه أدباشه ، تلقف لطفي الكيس واعتبره منّة إلاهية وكرامة ساقها الله له ليشعره بأنه حافظه في رحلته نحو المجهول. وجد لطفي نفسه في إيران وفيها قضى ثماني سنوات، انتقل خلالها بين عدد من البلدان سويسرا وفرنسا ومسقط رأسه القيروان... يعترف لطفي بأنه لم يكن بعيدا عن عوالم المخابرات وإن عنون كتابه ب «لم أكن جاسوسا» وفي كتابه يكشف سرّا رهيبا عن التفجيرات الذي ضربت فرنسا منتصف الثمانينات. تزوج فرنسية وأنجب منها ثلاثة أبناء(آسيا، المهدي، نور الدين علي) أصبحوا لاحقا جزءا من قصته الغريبة حدث خلالها أن انتحرت ابنته الوحيدة ولم يقدر على إنقاذها.... وهربا من ملاحقة المخابرات الفرنسية سافر لطفي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي دخلها بلا تأشيرة في 19 جوان 1987 لتبدأ ملاحقات من نوع خاص مع المخابرات الأمريكية انتهت بوضعه في مصحة عقلية بإيعاز من زوجته الفرنسية «فرنسواز»، وأفلت لطفي من مصير قاتم كان يعدّ له ليلتحق بعاصمة الضباب لندن في 5جويلية 1988. حين عاد إلى تونس كان بن علي قد أصبح رئيسا، ولم تنته متاعب لطفي بين أهله حتى أنه ادعى الجنون ليفلت مما هو أسوأ ... ويذكر لطفي بن الكحلاء في كتابه(ص397) أنه «يوم 19 جوان 2001 الساعة الخامسة بعد الظهر هاتف جهاز الاستخبارات الأمريكية وبلهجة لا تخلو من حدة وشراسة وأعلمهم بأن ساعة الصفر قد اقتربت وانهم سيدفعون ثمن حجز فرنسا لأبنائه قريبا وأكد لهم أن يتهيؤوا لحماية برجي مركز التجارة العالمي في قلب نيويورك»، وكان لطفي رأى في المنام في 2جوان 2001 إمرأة فاتنة ترتدي قرطين يسقطان وتبقى المرأة ثابتة في مكانها ...ثم كانت تفجيرات 11 سبتمبر .... في آخر جوان 2010 توجه لطفي إلى منطقة أمن الدولة (الكتاب ص 439) التي كان على رأسها عبد الرحيم السلامي الذي التقاه بمعية منذر بن غربية وماهر المكلف بالإرشاد السياسي وقدمه إليهم عبد الرزاق الأسمر، خاطب لطفي الجماعة طالبا منهم إبلاغ بن علي الرسالة التالية « أنذره من نزول الكارثة العظمى عليه وزوال ملكه وانهيار عرشه وسوء مصيره» ...وبعد أشهر هرب بن علي. في هذا الحوار نكتشف لطفي بن الكحلاء مؤلف كتاب «لم أكن جاسوسا» الذي يباع حاليا في المكتبات التونسية.... هل «لم أكن جاسوسا» هو سيرتك الذاتية؟ هو مذكراتي ولكنها لا تشبه مذكرات رجال السياسة الذين حين يغادرون الحكم راغبين أو مكرهين ويحالون على التقاعد يكتبون سيرهم ليلمّعوا صورهم. هل الأحداث التي وردت في الكتاب كلها أحداث حقيقية؟ نعم هي أحداث حقيقية عشتها ولم أحاول البتة أن ألمع صورتي ، يطرح الكتاب صراعا ، كتابي رواية تاريخية «ما عناش برشة يكتبوا النوع هذا في تونس» لماذا أصدرت الكتاب الآن؟ الكتاب هو الذي خرج للناس ولم أقرر شيئا، كنت كتبت بعض فصوله قبل14 جانفي وحين جاءت الثورة أنهيته هل الثورة هي التي دفعتك لإصدار الكتاب؟ لولا الثورة لما رأى كتابي النور. هل أنت محسوب على تيار سياسي؟ لا ولا التيار الإسلامي؟ لا بالعكس، أنا رجل لا أؤمن بالسياسة صلب الدين. في كتابك نزعة تديّن وإيمان بالقدرات الخارقة الميتافيزيقية ولا تخفي إيمانك بالجانب الغيبي؟ أكيد هذا الجانب الغيبي جزء من حياتنا ، الأمريكان أرادوا أن يتجاوزا المادة بالمادة أما نحن فنتحدث عن أصحاب الخطوة هل أنت من أصحاب الخطوة؟ لست من أصحاب الخطوة ولكن الإمداد الغيبي حاضر معي «ربي ناصرني» لا أكثر ولا أقل ، هناك تأييد رباني وحصانة محمدية. في 2 جوان 2001 رأيت في المنام سقوط برجي مركز التجارة العالمية وحذرت المخابرات الأمريكية يوم 19جوان 2001 ماذا قلت لهم؟ حذرتهم إن لم يعيدوا لي أطفالي المخطوفين طيلة ثلاث عشرة سنة فسيواجهون هذا المصير. أطفالك في فرنسا رفقة أمهم؟ أخذوا أطفالي من بيتي هنا في القيروان ولم تكن أمّهم معهم، لم أكن طلقت حينها، خالفوا كل القوانين وأخذوا صغاري. أطفالك في فرنسا وأنت تهدد أمريكا؟ بعد حادثة 11 سبتمبر بثلاثة أسابيع أرسل لي أطفالي بتعليمات من الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد غياب 13 سنة ما الذي قلته لمخاطبيك من CIA؟ قلت لهم «حضّرو رواحكم لأنه إذا ما تعطيونيش صغاري أنا باش نضربكم». هل تعتبر نفسك من قام بعملية 11 سبتمبر 2001؟ أكيد هذا لا شك فيه» لتوة يلوجوا الأمريكان، موش عارفين الحقيقة» أرسلوا ورائي جواسيسهم و لاحقوني في تونس. أليس أسامة بن لادن من قام بالتفجيرات؟ تلك سياسة أرادوا من ورائها الدخول إلى العراق و أفغانستان أريد رواية تقنع الناس، فسّر لي كيف سخرت «ملائكة مؤيدين من رب العزة»-كما ورد في كتابك- لضرب برجي مركز التجارة العالمي؟ ببساطة «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى». هل تظن أن هذه الرواية قابلة للتصديق؟ النبي صلى الله عليه وسلم أيده الله بملائكة في معركة بدر، شنوة الفرق؟ ، ورد في حديث قدسي « عبدي أطعني تكن مثلي» شنية المشكلة ؟ لست زاهدا أو متصوفا لتكون لك هذه الكرامات ، في كتابك تعترف بأنك لم تحرم نفسك من ملذات الحياة الدنيا؟ دعوة المظلوم تصل إلى الله دون حجاب، دعاء المظلوم لا يرد عند الله مرة أخرى أسألك، هل أنت من فجّر برجي مركز التجارة العالمي؟ نعم، بملائكة روحانيين حولوا وجهة الطائرات. لماذا لم تقل هذا الكلام سابقا؟ لم تكن هناك فرصة، لو قلت هذا لقيل «إني مجنون» الكتاب فيه البراهين على صدق كلامي، لا يمكن أن أختصر الأحداث بشكل موجز... أقرؤوا الكتاب ما الذي أخذك إلى إيران سنة 1979؟ لأشارك في الثورة هل شاركت فيها؟ أكيد. هل ندمت على ذلك؟ علاش باش نندم؟ أنت غيرت رأيك من الثورة الإيرانية لاحقا؟ غيرت موقفي لأن الثورة انحرفت عن مسارها الطبيعي ، رجال الدين أرادوا جرنا إلى غير أهداف الثورة. أليسوا هم من قاموا بالثورة؟ لم يكونوا بمفردهم، كانت معهم قوى أخرى غير دينية هل تخشى أن ينحرف شيوخنا بالثورة التونسية؟ هي منحرفة من أصلها، لأن الأصل غير ثابت، السياسة والدين لا يلتقيان، الفضيلة والرذيلة لا يلتقيان هل السياسة رذيلة؟ جزء منها تلطيخ اليد أنت لا تنتمي لأي حزب سياسي؟ لا في كتابك تتهم «حزب الله» بأنه يتلقى 200 مليون دولار سنويا من إيران، ما هي مصادرك؟ هذا معروف عند الناس الكل. أنت أوردته في كتابك ولا يتعلق الأمر بحديث المقاهي؟ اطلع على ميزانية «حزب الله» وقل لي من أين يأتي بالأموال؟ اطلعت على وثائق تدين «حزب الله» في تفجيرات باريس سنتي 1985 و1986، هل مازلت تحتفظ بالملف؟ لا، الملف أخذته المخابرات الفرنسية وبعض الوثائق أخذتها المخابرات الأمريكية. إن لم تكن جاسوسا فماذا كنت؟ هل كنت شيخ طريقة؟ شوف، أنا آمنت في البداية بأن أقف مع الثورة الإيرانية ثم انقلبت عليها حين إكتشفت أن إيران أصبح لها توجه عنصري توسعي على حساب العرب. متى كان ذلك؟ في نهاية المطاف تفطنت إلى أن الجمهورية الإسلامية لا أساس شرعي لها. هل النظام الإيراني عنصري؟ نعم حين يشم أحدهم رائحة نتنة يقول «بويا آراب» أي رائحة عربي. من هو التونسي فرات بن صالح الذي ذكرته في كتابك باعتباره مسؤولا عن تفجيرات باريس منتصف الثمانينات؟ هو فؤاد علي صالح وهو تونسي سخره حزب الله لقتل الفرنسيين مازال موقوفا إلى الآن مع أن فرنسا نفسها متورطة في قتل مواطنيها خدمة لمصلحة إيران وبالتالي مصلحة إسرائيل. كيف ذلك؟ أراد الغرب جر إيران كجسد ثان غريب وزرعه في قلب الأمة العربية ليخفف الضغط عن إسرائيل ولتفتك إيران شرعية المقاومة من العرب. تكره السياسة وإجاباتك تطغى عليها السياسة؟ بالطبع. كيف دخلت الولاياتالمتحدة بلا تأشيرة؟ هرّبني الأمريكان حتى لا يقتلني الفرنسيون. ما مصلحة الأمريكان من تهريبك؟ أنا الشاهد الوحيد الذي يقدر على إثبات أن إيران دولة إرهابية وعلى تورط فرنسا في عمليات إرهابية فوق أراضيها. هل تعاملت مع المخابرات الأمريكية؟ نعم تعاملت معها. ولم تكن جاسوسا؟ حبوني نخدم معاهم ولكني رفضت ما الفرق بين «تعاملت معهم» و«خدمت» معاهم؟ أنا سافرت إلى الولاياتالمتحدة طلبا للجوء السياسي وفق ما تتيحه القوانين الأمريكية حتى تتم حمايتي. لم تسلمهم أي معلومة؟ سألوني عن بعض الأشياء. هل سلمتهم وثائق؟ لم أسلمهم سوى التسجيلات المتعلقة بفؤاد علي صالح. هل أخذت مقابلا؟ لا ، ما خذيت شيء. والمخابرات الفرنسية؟ « الفلوس فكيتهالهم» قبل سفري إلى أمريكا، عرضوا عليّ 3 مليارات حتى أنسحب في البداية ولكني رفضت كيف تلقي بك زوجتك السابقة «فرنسواز» في مصحة عقلية أمريكية بعد ثماني سنوات من الزواج؟ كنت على صلة بإمرأة أخرى، زوجتي غارت والغيرة هي التي أدت بها إلى ما فعلته. تحدثت عن انتحار إبنتك «آسيا»(ورد إسمها في الكتاب آمنة) هل زوجتك الأولى مسؤولة عما حدث؟ لا شك في ذلك مع المخابرات الفرنسية والأمريكية. ألا تتحمل جزءا من المسؤولية؟ بقيت ست عشرة سنة «ما شفتهاش» وإبناك كيف هي علاقتك بهما؟ باهية ، ربّي حفظهما عائلتي اضطهدت لأني ساندت العراق في حربه. شاركت في الثورة الإيرانية فكيف ساندت العراق؟ أنا الذي أوقعت بين إيرانوفرنسا وجعلت العراق يستغل الفرصة. هل زرت العراق؟ لا طلبت اللجوء إلى العراق مرتين؟ في المرتين لم أتمكن من السفر. كيف هي علاقتك بالأمن التونسي؟ «مشومة برشة» ذكرت محمد علي القنزوعي في كتابك، ماذا دار بينكما؟ هو واحد من الذين اتهموني بأني جاسوس. ماذا طلب منك؟ طلب مني « نسكّر فمي وحطني شهر حبس عربون،وقلّي تحل فمك تعرف آش يصيرلك». ومحمد العربي المحجوبي؟ شهر « الشاذلي الحامي» ، نفس الشيء بعد إدلائي بحوار لفائدة قناة TF1 وضعني في السجن. وبن قبيلة؟ حطني في الحبس وعز الدين جنيح (مدير الحدود والأجانب في ذلك الوقت) هو الذي اقتحم بيتي وخطف أطفالي اتهمت جان بيار شوفانمان(كان وزيرا للدفاع) بإصدار أوامر اختطاف أطفالك؟ لأنه كان وزيرا آنذاك وبن علي كان يشتغل لفرنسا بالوكالة «حبو يهبّلوني». وإنت لعبت اللعبة؟ هبلت وبطلت. تزوجت من جديد بمن ذكرتها في الكتاب(حنان)؟ نعم وهي إمرأة طيبة تزوجتها وعمرها عشرون سنة ولم تبال بفارق السن بيننا ولي منها حسين ومجتبى. في جوان 2010 حذرت بن علي من زوال عرشه؟ بعثت له مع رجال أمنه في القيروان. لا تقل لي بأنك أنت أيضا وراء سقوط بن علي؟ ذكرت شهود الحادثة في الكتاب ويمكنكم سؤالهم، طلبت منهم أن يبلغوا بن علي ضرورة إعادة الأمريكان أبنائي وأموالي وإلا سيدفع هو الثمن. هل كنت تتوقع سقوط نظامه؟ نعم هددت بن علي ولم يفعل لك شيئا؟ هددته وفضحته أكثر من مرة في القيروان «كان يخاف مني ، ما يقربنيش» أنت صاحب كرامات في ما يبدو وبتّ أخشى على نفسي ؟ الأمريكان يعتبرون هذا من العلوم التي لم يبلغوها. هل تتنبأ بالمستقبل؟ ماذا سيحدث العام القادم؟ أحذر الأمريكان إن لم يعيدوا لي مستحقاتي البالغة مليار دولار سأضربهم ضربة تركعهم أمام الجمهور «خذيت صغاري» انتصرت عليهم في الشوط الأول تحت الطاولة ، في الشوط الثاني ستكون هزيمتهم أمام الجمهور مادمت بهذه القدرة لماذا لا تضرب إسرائيل؟ حربي مع أمريكا وليست مع إسرائيل. هل شاركت في انتخابات 23 أكتوبر؟ نعم. لمن صوّت؟ ل «النهضة». ألم تقل لي بأنك غير منتم سياسيا؟ كان علي أن أنتخب «النهضة». لماذا؟ لأنها كانت في ذلك الوقت قادرة «باش تركح البلاد» والآن؟ مصير تونس الآن بين أيادي التونسيين. أعيد طرح سؤالي للمرة الثانية، هل ما رويته أحداثا حقيقية؟ مائة بالمائة. اتهمت بالجنون أكثر من مرة بما في ذلك زوجتك اتهمتك في الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ كان ذلك مخططهم ومازلت ملاحقا إلى اليوم أنت ملاحق حتى في تونس؟ نعم، قبل يومين أوصلوني حتى للفندق الذي أقمت فيه، لاحقتني السيارة حتى دخولي الغرفة .... من يلاحقك؟ لا يهمني، أفترض أنهم الفرنسيون والأمريكان «خايفين» مني لأنهم يخشون من ضربة قادمة وستكون قريبة. أنت من ألفت الكتاب؟ نعم هل صحيح أن الأستاذ توفيق بكار قام بمراجعته؟ نعم، ومراجعته أخرجت الكتاب في هذا الشكل ، قال لي هذا كتاب عالمي وأنت أسطورة ...