انطلقت امس بصفاقس فعاليات الملتقى الدولي حول «حرية الاعلام والصحافة» الذي تنظمه على امتداد يومين وحدة البحث الالتزامات والتحكيم بكلية الحقوق بصفاقس ومعهد البحث في قانون الاعمال بجامعة باريس 13 بنزل الزيتونة بصفاقس وذلك بالتعاون مع المعهد الفرنسي للتعاون وبمساهمة بيت الخبرة. وقد أكد سامي الجربي مدير وحدة البحث الالتزامات والتحكيم في كلمته التي افتتح بها الملتقى على ان حرية التعبير عماد كل الحقوق . واكد الجربي على الصبغة القانونية والسياسية للمسألة وعلى الحاجة الى مراجعة عديد النصوص القانونية المنظمة للمجال الاعلامي والصحفي في بلادنا. وفي اشارته الى مدى حدود حرية التعبير تساءل حول سبل تحقيق المعادلة بين حرية الاعلام وحماية المعطيات الشخصية، أما مصطفى المكي وهو مدير معهد البحوث في قانون الاعمال الفرنسي فقال ان موضوع الملتقى الدولي حول حرية الاعلام والصحافة يكتسي اهمية كبيرة في تونس التي شهدت ولا تزال تحولات تجعل منها مثالا يحتذى ويقتدى به اليوم في العالم العربي وابرز المكي اهمية التعاون القائم بين وحدة البحث والمعهد الفرنسي. وفي اولى المداخلات ضمن الجلسة العلمية الاولى للملتقى حول «حرية الاعلام حق أساسي» لسارج سلامة وهو استاذ محاضر في القانون العام بجامعة افري فال دوماري ناتتار مختص في الحقوق الاساسية وحقوق الانسان، تحدّث المحاضر عن حرية الاعلام كحق اساسي يتسم بالنسبية ولا ينبغي ان يمس حقوق الاخرين وقام بتقديم شواهد وامثلة من التجربة الفرنسية تضمنت بعض الحالات التي يقع التعدي فيها على المعطيات الشخصية او الحث على التمييز العنصري او الكراهية. واكد سارج سلامة من جانب آخر على ان حرية النفاذ لمصادر المعلومة وحماية الصحفيين ومصادرهم تعتبر في الانظمة الديمقراطية من ركائز احترام حرية التعبير موضحا ان تحديد حرية التعبير محمولة على القانون والمشرع وان المحاكم المدنية هي التي تتولى الفصل في التجاوزات التي تحصل تحت غطاء حرية التعبير والصحافة. أما مداخلة ايمانوال ديريو وهو استاذ تعليم عال بجامعة باريس II التي تطرقت إلى «القواعد الإجرائية : ضمانات لحرية التعبير او امتياز لوسائل الاعلام» فقد أثار فيها مسألة غياب الهيكل القانوني والقضائي الدولي الذي يتولى الفصل في قضايا التجاوزات إلى جانب غياب النظرة الشاملة التي تكرس ملاءمة القوانين الوطنية المنظمة لقطاع الإعلام في الدول في ظل حرية بث المعلومة واستقبالها عالميا. وقد قام عمر بوبكري وهو استاذ بكلية الحقوق بصفاقس في مداخلته بتحليل اوجه تكريس القانون الدولي العام لحرية التعبير وبين علاقة الارتباط والتشابك بين حرية ومجالات حقوق الانسان ومقاومة الفساد الحكومي ذاكرا بعض الامثلة والشواهد منها من كشفته صحيفة الواشنطن بوست الامريكية عن فضيحة واتر قايت ومقال بيتر بينينسون الذي احدثت على اثره منظمة العفو الدولية واشار المحاضر عمر بوبكري الى التضييقات التي تمارسها عديد الانظمة العربية على حرية التعبير تحت مسميات فضفاضة وضاغطة كحرية الاشخاص وتعكير صفو النظام العام مشيرا الى ان اعلان جوهانسبورغ اكد على ضرورة ان تكون حدود حرية الصحافة مضبوطة بواسطة القانون. وفي مداخلة له بصفته رجل قانون ومحاميا تحدث محمد عن جنحة الثلب في القانون التونسي فاعتبر ان ازمة حرية الاعلام في تونس في ظل النظام السابق لم تكن ناتجة عن النصوص القانونية وانما بسبب الممارسة موضحا ان القوانين التونسية ومنها النص المنظم لحرية الصحافة لسنة 1884 والمستوحى من القانون الفرنسي لحرية التعبير لسنة 1881 هو نص ليبرالي متطور يبرز تجذر النصوص التي تكرس حرية التعبير في تونس ومن هنا فالنصوص في ظاهرها منسجمة مع مقتضيات المواثيق الدولية ولكن الإشكال يكمن في التطبيق حيث ان الممارسة الفعلية في واد والنصوص في واد اخر واعتبر ان جنحة الثلب مشكلة كبيرة ومستعصية. وقد استفسر بعض المتدخلين عن سر تغييب موضوع المرسومين 115 و116 المتعلقين بمجال حرية الصحافة في تونس رغم استئثارهما باهتمام الرأي العام والمختصين والإعلاميين في الوقت الراهن في برنامج مداخلات هذا الملتقى الدولي الذي تشارك فيه كفاءات قانونية من تونس وفرنسا بما يشكل تفويتا لفرصة الخروج بالموضوع من التجاذبات السياسية التي لا يزال يتردى فيها كما أثارت مداخلات أخرى مسألة مشروعية تطبيق المرسومين 115 و116 في غياب النصوص التطبيقية الخاصة بهما ومسألة الضمانات التي يوفرها المرسومان لتحقيق حرية الاعلام ولا سيما مسألة حرية النفاذ للمعلومات وحماية سرية مصادر الصحفي.