باردو (وات) - انطلقت صباح الجمعة بمقر وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، أشغال الاستشارة الوطنية حول "الإطار القانوني لقطاع الإعلام" التي حضرها عدد من مكونات المجتمع المدني والفاعلين في الحقل السياسي والإعلامي بالإضافة إلى خبراء ومختصين في المجال. وتطرقت مداخلات الجلسة الافتتاحية، التي شهدت مقاطعة كل من الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين واحتجاج بعض المتدخلين على تنظيم مثل هذه الاستشارة، إلى عدد من المحاور تناولت بالخصوص المشهد الإعلامي في تونس بعد الثورة والإشكالات التي طرحتها المراسيم المنظمة للقطاع. وأرجع الأستاذ في مجال الإعلام محمد حمدان كتابة المرسومين 115 و116 إلى الفراغ القانوني الذي حكم تنظيم المشهد الإعلامي في تونس بعد الثورة والهواجس التي لخصها في "رغبة واضعي هذه المراسيم في تخليص الإعلام من هيمنة السلطة السياسية" التى تحولت، حسب رأيه، إلى "الخضوع إلى سلطة جديدة هي سلطة رأس المال". وبعد أن أشار إلى أن هذين المرسومين هما "استنساخ للقانون السمعي البصري الفرنسي" الذي تجاهل، حسب قوله، "وضعية الصحافة المكتوبة، من صحف ووكالات أنباء"، طالب حمدان بمراجعة المبادئ الأساسية للمرسومين"، معربا عن استغرابه من الصلاحيات التشريعية والتنفيذية التي أسندتها المراسيم للهيئة التي ستتولى الإشراف على القطاع السمعي البصري، مقترحا تحويلها إلى هيئة إدارية تحكمها قوانين تنظم عملها. واستعرضت أستاذة القانون ايمونة الصاولي الاخلالات الشكلية التي حكمت كتابة المرسوم 115 والتي قالت إنه يحتوي على "عديد الفصول الزجرية الحادة من حرية الصحفي في التعاطي مع المعلومة، بما يتناقض مع الحقوق الأساسية التي نصت عليها المواثيق والعهود الدولية"، وفق تعبيرها. وطالبت بإقرار هيئة دستورية تشرف على القطاع وتنظمه، داعية إلى مراجعة المراسيم الموضوعة "مراجعة جذرية" لأنها لا تأخذ في الاعتبار، حسب رأيها، "أشكال العمل الصحفي المستحدثة والمفاهيم القضائية المتعلقة بالقطاع". من جانبه كشف أستاذ القانون مصطفى صخري النقائص التي قال إنها تعتري المرسوم 116 والمتمثلة بالخصوص في "عدم وضوح الجهة القضائية التي لها الحق في مقاضاة الصحفي "، مبينا أن المرسوم "لم يحتو على نص واضح يحدد هذه المسألة". وأقر باستحالة تطبيق هذا المرسوم ووجوب إرساء نص نابع من المجلس الوطني التأسيسي، داعيا إلى إحداث هيئة عليا للاتصال السمعي البصري والتفكير في وضع جهاز رقابة على الإعلام يسهر على "الحد من التجاوزات والانفلاتات وتأطير ذلك بصياغة قانون لأخلاقيات المهنة". أما القاضي عماد الحزقي فقد تطرق في مداخلته إلى إشكالات تطبيق المرسوم 41 المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومة الإدارية، مبينا أن المرسوم "يحتوي على ضبابية في المفاهيم" تتلخص، حسب قوله، في "عدم تحديد واضح لمفهومي "الهيكل العمومي" و"الوثيقة الادارية". ولاحظ الحزقي أن التداخل الحاصل في مضمون هذا المرسوم، من خلال عدم تحديد التعريفات، يجعل من تطبيقه "مهمة مستحيلة"، داعيا إلى اعتماد معيار علمي لإقرار حق النفاذ إلى المعلومة الذي يمثل، حسب تقديره، "عنصرا أساسيا في منظومة حقوق الإنسان". يذكر أن أشغال هذه الاستشارة ستتواصل في شكل ورشات تتناول بالخصوص "مدى استجابة المرسوم 115 لمبادئ حرية الصحافة والطباعة والنشر" و"مدى تطابق المرسوم 116 مع قانون الإجراءات الجزائية" إلى جانب ورشة حول "صلاحيات الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري وشكل تنظيمها"، على أن تختتم هذه الاستشارة غدا السبت بعد عرض أعمال هذه الورشات.