مازالت أزمة الحليب تطفو على السطح بين فترة وأخرى ولا يزال المواطن التونسي يدفع ضريبة النقص الفادح في قطاع تصنيع الألبان على حساب حجم استهلاكه. ورغم التجاء السلط المعنية لسدّ النقص وتجاوز الأزمة الخانقة عبر التوريد فإن السؤال المطروح: هل يقبل التونسي الحليب السلوفيني؟ وإذا كان للتوريد مفعول الحبوب المسكنة للأزمة الراهنة فإلى متى سيظل هذا الاشكال مطروحا سيما وأن هذه «الظاهرة» باتت تتكرّر مرة كل سنة مع بدايات فصل خريف؟ «التونسية» تحسست آراء الشارع حول «الحليب السلوفيني» ومدى الاقبال على هذا المنتوج المتوفر حاليا بالفضاءات التجارية الكبرى، كما توجهت بالسؤال الى بعض المصنّعين والمصادر الرسمية فكان التحقيق التالي: قال «عمر» موظف وأب ل 4 أبناءأن امكانياته المادية لا تسمح له باقتناء الحليب السلوفيني. وأضاف بأن هناك من معارفه من استهلكه ونصحه بعدم شرائه أولا لارتفاع ثمنه مقارنة بالحليب المحلي ونظرا لأن العلبة تحتوي على لتر ونصف وليس لترا ثانيا بسبب مذاقه الرديء وثالثا بسبب ما يتردد حول احتوائه على مواد مسرطنة. وأكد «عمر» بأنه عازف عن شراء الحليب سواء كان محلياأو مستوردا وذلك كردّ فعل على ممارسات الاحتكار الرامية الى الترفيع في سعره. أما «هندة» وهي طالبة تقيم بأحد المبيتات الجامعية فقد أفادت بأنها تقاطع كل ما هو مستودر من مواد غذائية خاصة إذا ما رافقتها أخبار حول نقص جودتها أو تسببها في انعكاسات سلبية على صحة المواطن. أما «المنجي» وهو عامل بأحد مصانع البلور فقد قال إنه لم يشتر الحليب السلوفيني إلا مرة واحدة منذ بداية توزيعه على المحلاّت التجارية وأكد أنه قليلا ما يضطر الى ابتياعه، إذ أنه يعش رفقة زوجته وليس لديه أطفال. أما عن مذاقه فقد أشار المتحدث الى أنه «موش هاكلكل». وبالنسبة للسعر فقد ذكر أنه «غير مناسب البتّة». وأما بخصوص نقص جودته وانعكاساته الصحية الخطيرة فقد قال إنها مجرد إشاعات لا ترمي إلا لأغراض تخدم مصالح حزبية لضرب الحكومة التي اعتمدت خيار التوريد واخراجها في صورة المهدر للمال العام عوض الساعي لايجاد الحلول الكفيلة لتجاوز أزمة فقدان الحليب. أما «محمد» فقد أجابنا ضاحكا «الخرفان رومانية والأبقار سلوفينية».. ومن جانبها قالت «سيّدة بلحاج» (موظفة متقاعدة) أنها الى حدّ الآن لم تشتر الحليب السلوفيني مشيرة الى أنها لا يمكن ان تحكم على جودته قبل أن تتذوقه. وأضافت أنها علمت بتوريد هذا المنتوج من خلال وسائل الاعلام وأوضحت أنها لا ترفض فكرة توريد الحليب من الخارج ما دامت السوق المحلية تشهد نقصا كبيرا في هذا المنتوج. الآنسة «حميدة حسناوي» (موظفة بشركة تأمين) عبرت عن رفضها التام لهذا المنتوج مؤكدة أنها تستهلك نوعا معينا من الحليب لا ترغب في استبداله لأنها اعتادت عليه وتعرف مواصفاته وتثق في طريقة صنعه على حدّ تعبيرها. وأضافت حميدة أن أزمة الحليب صارت سنوية وتحصل في بلادنا بين شهري أكتوبر وديسمبر من كل عام وتساءلت لماذا لا يقع التفكير في حلول عملية لتجاوز الأزمة مشيرة الى أنه لا يمكن تفادي نقص الحليب باستيراده من بلدان اخرى لأن المواطن التونسي لا يثق إلا في الانتاج الوطني ولا يمكن اقناعه بغير ذلك؟ وهو الشيء نفسه الذي قاله «حمادي يعقوبي» (أعمال حرّة) حيث عبر عن عدم استعداده لشراء الحليب السلوفيني لطفليه خوفا من أثاره على صحتهما خاصة بعد الاشاعات التي ترددت حوله. وأضاف محدثنا أنه لا يثق في مواصفات صنعه ومدى جودته معتبرا ان الحليب الوطني لا يماثله أي حليب آخر. وتساءل محدثنا: لماذا فقد الحليب فقط من الأسواق في حين بقيت مشتقاته (اليوغرط الجبن الزبدة الرايب...) متوفرة بكميات كبيرة؟ من جانبها عبرت السيدة «عايدة تريس» (ربّة بيت) عن عدم رغبتها في استهلاك هذا النوع من الحليب رغم أنها لم تتذوقه ولو مرة واحدة. وأشار الى أنها شخصيا تستهلك الحليب بانتظام وأنها لذلك ليست متأثرة من فقدانه من الأسواق. وقالت «عايدة» أنه بالرغم من الزيادة التي حصلت في سعر الحليب الوطني فإنه لا يمكنها استهلاك حليب آخر مستورد من الخارج تجهل مواصفات صنعه. ودعت محدثتنا السلطات المختصة وخاصة وزارة التجارة الى تفعيل دور اللجان في مراقبة الأسعار وتنظيم عمليات التوزيع والبيع وحتى تغريم أو سجن كل من يخالف القانون، على حدّ تعبيرها. أما «محمد بن جمعة» (صاحب محلّ تجاري لبيع المواد الأساسية 42 سنة)، فقد أكد أنه لا يمانع في استهلاك الحليب المستورد في صورة فقدان الحليب الوطني من الأسواق مشيرا إلى أنّه لا يمكن أن يترك أطفاله بدون حليب في انتظار حلّ أزمة فقدانه من الأسواق. وأوضح محمد أن حليب سلوفينيا له نفس مذاق الحليب الوطني ويتقارب معه من حيث المواصفات ويعتبر أرخص نظرا لأن العلبة تحتوي على لتر ونصف. كما عبّر محمد عن استغرابه من مقاطعة بعض المواطنين للحليب المستورد وترويج اشاعات حول احتوائه لمادة «الأفلا توكسين» المسببة للسرطان والدعوة الى اتلاف الكميات التي وقع استيرادها. أصحاب المتاجر الصغرى يتساءلون تساءل كلّ من السيد «شكري» و«محمد الهادي» عن سبب إقصاء المتاجر الصغرى من تزويدها بالحليب السلوفيني واعتبرا أن النقص الحاصل في هذه المادة أثار استياء العديد من المواطنين. وذهب محمد الهادي الى القول بأن السعر المقترح غير مناسب لجيب التونسي. وحول ما يروج من أخبار مفادها أن الحليب السلوفيني المورّد يحتوي على مواد خطرة قال محمد الهادي إن الهدف من إطلاق هذه الاشاعات وترويجها هو إفشال هذه الصفقة مشيرا الى أن عددا كبيرا من المحتكرين والمستكرشين والمضاربين وراء الترويج لمثل هذه الأخبار لأنه ليس من مصلحتهم أن يشهد الحليب السلوفيني رواجا في الأسواق. 470 ألف لترا تحت التحليل حول ما يروج من أخبار مفادها بأن الحليب المستورد يحتوي على مواد خطرة، أكد بشير النفزي كاهية مدير بوزارة التجارة ان كل المواد الغذائية التي تدخل التراب التونسي تخضع للتحاليل اللازمة للتأكد من سلامتها مشيرا الى ان الحليب لم يكن بمنأى عن كل الاجراءات الإدارية والصحية المعمول بها حيث بقيت الكمية المستوردة بالميناء ثلاثة ايام حتى تتحصل على الشهادة اللازمة من مصالح وزارة الفلاحة المسؤولة عن اجراء مثل هذه التحاليل. وقال محدثنا ان هذه الاشاعة ليس لها اي اساس من الصحة. وحول ما قيل عن جودة الحليب السلوفيني وأنّه مصنوع من الحليب المجفف (الغبرة) افاد مصدرنا ان الحليب المستورد طازج بنسبة مائة بالمائة وانه يحتوي على كل مقومات السلامة والصحة وهو معقم نصف دسم. وبالنسبة للسعر المقدر ب1300 ذكر محدثنا ان هذا السعر هو سعر التكلفة الكاملة ولا يوجد فيه اي هامش ربح للديوان التونسي للتجارة الذي تولى عملية التوريد وان هذا السعر يضم تكلفة الشراء والنقل والشحن في الموانئ السلوفينية والتونسية الى جانب تكلفة النقل من الميناء الى الفضاء التجارية مشيرا الى انه لا يجب ان ننسى ان علبة الحليب السلوفيني تحتوي على لتر ونصف وليس لترا فقط. وحول حصر بيع الحليب المورد في الفضاءات التجارية الكبرى اوضح محدثنا ان السبب يعود اساسا الي قبول هذه المساحات البيع بسعر التكلفة التي تتحملها ديوان التجارة دون تحقيق هامش الربح. وأضاف النفزي انه تفاديا للاحتكار لم يقع توزيع هذا الحليب في المتاجر العادية. وأكد محدثنا على سلامة المنتوج وعلى سلامة اجراءات التوريد والمراقبة الصحية والبيطرية مذكرا بأنه لا يمكن ان تنزل للأسواق سلع غذائية موردة الا بعد استيفاء كل اجراءات المراقبة. واضاف مصدرنا انه طالما وجد نقص في مادة الحليب سيتواصل التوريد. وأضاف «اننا نتوقع ان تشهد السوق انفراجا حقيقيا بداية من اول جانفي أي مع عودة الانتاج المحلي الى نسقه الطبيعي مع ارتفاع مردود قطيع الأبقار». وأفاد محدثنا ان الكميات الحالية في حدود 600 ألف لتر مشيرا الى ان قرابة 470 الف لتر تخضع للتحاليل اللازمة. هاجر الحفضلاوي+ سهير بولعابة