إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    القصرين: اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية    الجامعات الغربية تخاطب النظام العالمي الأنغلوصهيوأميركي.. انتهت الخدعة    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    بجامعة لوزان..احتجاجات الطلبة المؤيدين لفلسطين تصل سويسرا    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    حالة الطقس ليوم الجمعة 3 ماي 2024    القبض على منحرف خطير محلّ 19 منشور تفتيش    وزير الداخلية يدعو لانطلاق أشغال اللجنة المشتركة لمراقبة العودة الطوعية للمهاجرين    منزل جميل.. تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي ومحلات السكنى    ساقية الزيت: حجز مواد غذائية مدعّمة بمخزن عشوائي    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    ماذا في لقاء لطفي الرياحي بمفتي الجمهورية؟    النادي الافريقي يراسل الجامعة من أجل تغيير موعد الدربي    منوبة: مشتبه به في سرقة المصلّين في مواضئ الجوامع في قبضة الأمن    قيس سعيد: الامتحانات خط أحمر ولا تسامح مع من يريد تعطيلها أو المساومة بها    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    انتخابات جامعة كرة القدم.. قائمة التلمساني تستأنف قرار لجنة الانتخابات    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    عاجل : معهد الصحافة يقاطع هذه المؤسسة    رئيس الجمهورية يتسلّم دعوة للمشاركة في القمة العربية    الروائح الكريهة تنتشر في مستشفي قابس بسبب جثث المهاجرين    إغتصاب ومخدّرات.. الإطاحة بعصابة تستدرج الأطفال على "تيك توك"!!    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    عاجل/ إستقالة هيثم زنّاد من ادارة ديوان التجارة.. ومرصد رقابة يكشف الأسباب    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    مجددا بعد اسبوعين.. الأمطار تشل الحركة في الإمارات    رئيس لجنة الشباب والرياضة : تعديل قانون مكافحة المنشطات ورفع العقوبة وارد جدا    مدنين: بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري بعد مراجعة تسعيرة البيع بالجملة    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    اليوم: جلسة تفاوض بين جامعة الثانوي ووزارة التربية    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    بنزيما يغادر إلى مدريد    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    وزارة التربية على أتم الاستعداد لمختلف الامتحانات الوطنية    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    هذه حقيقة فتح معبر رأس وعودة حركة العبور..#خبر_عاجل    تونس تشهد تنظيم معرضين متخصّصين في "صناعة النفط" و"النقل واللوجستك"    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    تونس:تفاصيل التمديد في سن التقاعد بالقطاع الخاص    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهاشمي جولاق (أستاذ سابق في تقنيات السينما) ل «التونسية»: الثورات العربية طبخة غربية... والسلفية دخيلة عنّا
نشر في التونسية يوم 12 - 01 - 2013


«الساتباك» صنعت هويتنا والسياسة «اغتالتها»
غريب أن نهمّش كفاءاتنا السينمائية ونستورد الأجانب!
بعض الأطراف توظف الحريات توظيفا سيئا
الهاشمي جولاق، ضيفنا في هذا الحوار ليس رجلا من رجال السياسة ولا ممثلا بارعا ولا نجما من نجوم الغناء أو رياضة كرة القدم، بل هو بالرغم من حساسية العمل الذي يقوم به مغمور وقليل من التونسيين يعرفه على غرار بقية زملائه ربما حتى النزر القليل الذين مازالوا يجدون القليل من الوقت للاهتمام بالسينما لكنه مشهور ومعروف ومقدر من طرف رجال السينما بالخصوص منهم المخرجون والمنتجون وكذلك تلامذته من الفنيين في التقنيات السينمائية الذين يطلق عليه بعضهم اسم «الجنرال» تعبيرا عن إكبارهم لمقدرة الرجل وكفاءته.
التقيناه في مسقط رأسه المهدية أين قرر أن يستقر في خطوة يمكن اعتبارها انسحابا من العمل التقني الذي ظل يقوم به لعقود فكان لنا معه في بيت إقامته هذا الحوار.
سؤالي الأول كلاسيكي، كيف يمكن ان أقدمك لقراء «التونسية»؟
وأنا بدوري سأجيبك بطريقة كلاسيكية، الهاشمي جولاق ابن مدينة المهدية وتحديدا منطقة زويلة، نشأت منذ الطفولة على حب السينما حيث كان ارتياد قاعة السينما هو تقريبا هوايتي الوحيدة وقد حافظت على هذا الشغف حتى بعد مغادرتي المهدية للدراسة في سوسة واتذكر العروض السينمائية الكثيفة في مختلف قاعات العرض الموجودة وأندية السينما حيث كنا ندفع 30 مليما لمشاهدة فيلم كل يوم أحد في أحد القاعات قرب محطة الأرتال والتي اكتشفت انها تحولت إلى مقهى فيما بعد. ثم قمت بدراسة تقنيات البث الإذاعي قبل ان أدخل غمار الحياة المهنية في الشركة التونسية للإنتاج والتنمية السينمائية SATPEC. وهنا أتذكر انني لما كنت بصدد البحث عن عمل ساعدني أحد أقاربي وهو الدكتور الراحل البشير التركي العالم المعروف في الفيزياء النووية حيث أعلمني أنه ثمة فرصتان للعمل واحدة في شركة الخطوط التونسية والأخرى في شركة «ساتباك» فخيرت العمل في «الساتباك» وهو ما اثار اندهاشه لكنني تشبثت باختياري لشغفي بالسينما وكان مشوار طويل مع هذه الشركة قبل ان التحق بالتدريس الذي استمررت فيه لعشرين سنة تقريبا.
«الساتبك» هذا الاسم يقع ذكره باستمرار كلما وقع الحديث عن الانتاج السينمائي في تونس لكن رغم ذلك اضمحلت هذه الشركة اليوم. لماذا؟
بالفعل هذه الشركة قدمت جليل الخدمات للسينما والسينمائيين في تونس على جميع الأصعدة والمجالات وإن كان إحداثها بإرادة سياسية في عهد وزير الثقافة الأسبق السيد الشاذلي القليبي وبحرص من المرحوم الزعيم بورقيبة الذي كان يولي اهمية كبيرة للقطاع الثقافي فقد وقع حلها وتفليسها كذلك بإرادة سياسية كانت تهدف لضرب الهوية الثقافية التونسية فأنا اتذكر أنه بفضل هذه الشركة كنّا في تونس نتابع آخر الأفلام التي يقع إصدارها في أوروبا وأمريكا وفي وقت قياسي لا يتجاوز أقصاه الشهر من تاريخ صدورها بالأسواق العالمية ولكن للأسف هذه الشركة التي كانت تتمتع بحصرية استيراد وترويج الأفلام الأجنبية مع المشاركة في انتاج كل الأعمال التونسية بما تقدمه من دعم مادي ولوجستي للمنتجين التونسيين وقع إضعافها تدريجيا بفسح المجال للقطاع الخاص في منافستها الى جانب تقليص الدعم المادي إلى أن وقع إعلان إفلاسها سنة 1992 رغم انها كانت تصدر خدماتها حتى إلى الخارج على غرار مساهمتها في انتاج الفيلم الشهير Pirates للمخرج والمنتج Roman Polanski والذي وقع تصويره في تونس سنة 1986. وإضعاف ثم تفليس هذه الشركة هي أول بوادر استهداف الثقافة التونسية بإرادة سياسية حيث أن الغرب لم يكن لينظر بعين الرضى للمستوى الثقافي الذي بدأت تونس تتبوأه والذي وضع لبناته الأولى الزعيم بورقيبة الذي يستحق كل الرحمة على فكره النير على هذا المستوى.
هلاّ رويت لنا بعض التفاصيل عن تجربتك في «الساتبك»؟
ما أذكره جيدا هو أنه عند التحاقي بهذه الشركة كان يشرف عليها متعاونون أجانب من فرنسا وإيطاليا بتأطير وتكوين الفنيين التونسيين العاملين بها. وبعد مدة قصيرة جمعنا الرئيس المدير العام للشركة السيد مصطفى الفارسي وقتها وكنا حوالي 20 تونسيا وقال لنا «هل يمكن ان نعول عليكم إن نحن قمنا بصرف المتعاونين الأجانب؟». فقلنا له «نعم» يمكنك ذلك. وبالفعل تم انهاء تعاقد المتعاونين الأوروبيين وتسلمنا العمل وتحملنا مسؤوليتنا مائة بالمائة وكانت لنا أخطاء فظيعة قمنا بها ومع ذلك وقع تشجيعنا وكان هناك اهتمام مباشر بعملنا من طرف رئيس الدولة الحبيب بورقيبة بنفسه الذي طلب الاطلاع على بعض أعمالنا وتدريجيا أصبحنا نصدّر أعمالنا للخارج.
لكن كما شجعتنا الإرادة السياسية أنهت إرادة سياسية معاكسة العمر الافتراضي للشركة وأنهت التجربة التونسية مع هذه الشركة الرائدة والتي كانت تمثل الهوية الوطنية في مجال حيوي وثقافي مهم. واليوم للأسف بعد ان كنا نصدّر خدماتنا وبالرغم من وجود تكوين جامعي للفنيين أصبحنا نستورد الفنيين من الخارج ونترك ابن البلد الذي نكونه إما ضحية البطالة المستفحلة أو تقوم باستغلاله دول أجنبية بواسطة عقود عمل بآلاف الدولارات وهنا يكفي أن أذكر المستوى التي كانت عليه دول الخليج وكيف أصبحت عليه الأوضاع الآن فهذه الدول تجاوزتنا بعقود.
لكن أليس بمقدور القطاع الخاص أن يضطلع بالدور الذي كانت تقوم به هذه الشركة؟
الفرق بين الشركة والقطاع الخاص بسيط، فكما تعلم السينما اليوم ومنذ عقود كثيرة سوق لها قوانينها وضوابطها. فعندما تتوجه لاقتناء فيلم يفرض عليك المنتج أن تقتني أفلاما أخرى أقل منه مستوى أي أنك لمّا تأخذ فيلما جيدا لابد ان تأخذ معه أفلاما اخرى أقل جودة إن لم نقل رديئة. وعليه لما كانت «الساتباك» هي المقتني الوحيد للأفلام فإن قدر الأفلام الرديئة الذي يدخل البلاد يبقى محدودا أما اليوم ومع تعدد الوسطاء تضاعف عدد الأفلام الرديئة التي تدخل القاعات ومعه تدنّى المستوى ونفرت الجماهير وأفلست القاعات.
على ذكر القاعات، اليوم في تونس 12 قاعة سينما فقط وهو ما يعني أن لكل مليون ساكن تقريبا قاعة واحدة هل هي القطيعة؟ وماهو مدلول هذا الرقم؟
أنا لا استغرب مثل هذا الرقم، فلا يمكن ان تستمر القاعات بحسابات سلبية إلى ما لا نهاية ولا يمكن أن يستمر المشاهد أو المثقف في متابعة الرداءة إلى ما لا نهاية له وهذه النتيجة التي وصلنا إليها هي تكريس للأهداف التي أرادتها لنا السلطة السياسية وأرادها لنا الغرب الذي أراد تحطيم هويتنا الثقافية وتجهيلنا من أجل بدائل يراها صالحة لسياساته والتي لا تتناسب مع واقعنا.
لكن الغرب جاءنا ليقدم لنا الديمقراطية كما يشيع البعض.وكما نفهمه من الخطب الرنانة لحام أمريكا وحلفائها...؟
غبيّ من يعتقد هذا الاعتقاد فتاريخنا مع الغرب تاريخ استعماري ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتركنا نكوّن هويتنا الخاصة بنا وهو يستعمل معنا أساليب استراتيجية من أجل أن نبقى في مستوى من الجهالة والأمية الثقافية، فمن أراد تجهيل شعب و«استغبائه» يستهدفه في ثقافته وهذا ما يحدث لنا على الأقل كتونسيين منذ عقود. فبالكاد بدأت تتكون لدينا هوية وطنية في الميدان الثقافي على الأقل لكن وقع ضرب هذه الهوية بسرعة قياسية وكانت البداية بضرب الشركة التي كانت ترعى القطاع السينمائي ترويجا وإنتاجا ودعما وأصبح القطاع عرضة للإغراءات المادية التي تأتي من كل مكان والتي آخر أهدافها تربية هذا الشعب على ذوق معيّن بقدر ما هو دور لضرب الهوية الوطنية من خلال ضرب القطاع الثقافي.
وهنا أود ان اذكر أن بورقيبة وظف أداء على المشروبات الكحولية لتخصيصه حصريا لتنمية ميزانية الثقافة واليوم السؤال المطروح أين ذهب هذا القانون؟ وأين مال الشعب الذي يقع اقتطاعه باسم الثقافة ليذهب إلى خزائن أخرى؟ ففي السنة التي شهدت إفلاس شركة «الساتباك» أتذكر ان المسؤولين توجهوا لوزير المالية من اجل طلب الدعم المادي من الصندوق المخصص لدعم الثقافة بمقتضى هذا القانون وأتذكر جيدا ان الوزير قال وقتها انه ليس له مرسوم يأذن له بتمكين الشركة من المال وتركت الشركة تواجه مصيرها بإعلان إفلاسها وتلاشيها ومعها تلاشى صرح دعم القطاع الثقافي ليسقط القطاع في التهميش والإهمال.
لنعود الآن للهاشمي جولاق، عودتك للعيش بالمهدية هل هو دليل على انسحابك النهائي من القطاع السينمائي؟
بالنسبة لي، أحس أن الوقت قد حان لفسح المجال للكفاءات الشابة لتأخذ مكانها في الساحة ولو أن البوادر غير مشجعة والوضع قاتم في هذا الميدان فاليوم نكون مئات الفنيين في قطاع الانتاج السمعي البصري لنملأ بهم الشوارع ولنرفع بهم معدلات البطالة في البلاد وما يحدث في تونس اليوم في هذا الصدد مثير للاستغراب فالمتخرجون من الكليات التونسية وبالمال العمومي التونسي إما يبقون ضحية للبطالة أو يذهبون لصنع ربيع الدول الاجنبية لمن أسعفهم الحظ للظفر بعقود. والأكثر غرابة هو استقدام أجانب للقيام بالعمل في تونس دون أن تكون لهم الكفاءة اللازمة ولا يبلغ مستواهم مستوى الكفاءات التونسية، مع ذلك هم يقبضون بالعملة الصعبة بينما التونسي غير مرغوب فيه وغير معترف به. ومن دون أن ندخل في التفاصيل يمكنك أن تسأل عن الفني الفرنسي الذي استقدمته الوزارة ليعمل اليوم في تونس بعشرات آلاف «الأوروات» وقد فوجئت عند السؤال عنه أنه نكرة في بلاده. لكنه أصبح موضة في تونس على حساب الكفاءات الوطنية التي أثبتت قدرتها في عديد البلدان بما في ذلك أوروبا.
صدم العديد من التونسيين لما اطلعوا على قانون المالية 2013 بخصوص ميزانية وزارة الثقافة التي انزلقت إلى حوالي 0.35 بالمائة؟
أنا لست بسياسي، لكن أعتقد أن «الجي 20» والذي أفضل بشأنهم تسمية je fain لما احسوا بأن بعض الدول العربية والإسلامية تتقدم بخطوات عملاقة نحو نحت هويتها الثقافية قرروا تنصيب حكام على هذه الدول لهم هواتف ليس بها مكبرات صوت بل تقتصر فقط على سماعات كبيرة ليقتصر دورها على سماع وتنفيذ التعليمات فحسب. ومن ضمن التعليمات الغربية ضرب الهوية الثقافية للشعوب وهنا اتذكر مقولة أطلقها ديك تشيني في بداية حرب الخليج الثانية والتي جاء فيها «النفط» منتوج ثمين جدا ومهم جدا بالنسبة لنا ولذا لا يمكن ان نتركه بين ايدي أي قوى ديمقراطية ....» ولا احد يمكنه أن ينسى هجوم الولايات المتحدة وحلفائها على العراق والذي قالوا انه لتحرير الشعب العراقي لكنهم قتلوا وهجروا آلاف المثقفين العراقيين وأحرقوا وأتلفوا مئات المكتبات وملايين من الكتب والوثائق.
فمسألة ضرب الهوية الثقافية هذه هي هدف استراتيجي للقوى الغربية ليسهل عليها تشكيل قيادات طيّعة ولينة تدور في فلكها وتأتمر بأوامرها لا غير. وعلى غرار العراق فعل الغرب مع بقية الدول العربية بطرق مختلفة من اجل ضرب وطمس الهوية العربية الاسلامية والثقافة التي امتلكت أو حاولت امتلاكها هذه الشعوب. وما حدث في تونس هو تقريبا مشابه لما حدث في العراق لكن بحكم ان الشعب التونسي شعب مسالم لم تكن هناك أحداث قصف وقتل.
وبالعودة لسؤالك لا بن علي ولا الجبالي ولاغيرهما يمكن ان يكون لهم قرار مخالف لإرادة هذه القوى التي تريد ان تسيطر على كل شيء وأن تطمس هويتنا العربية والإسلامية.
وكأني بك تقول ان الثورات العربية هي صنيع غربي؟
لا أظن ذلك، فهي أقرب إلى ان تكون سيناريو معدا مسبقا من طرف القوى الغربية. فبعد ان كانت السياسات الغربية تقوم على تصفية كل من يناصبها العداء أو يعارض توجهاتها الاستعمارية وبعد ان بلغ العنف أشده في العراق الذي وقع تدميره بالكامل واغتيال زعيمه باسم الديمقراطية سادت المجتمعات بما فيها الغربية موجة من الاستهجان والتنديد بالعنف فقررت الأنظمة تغيير سياساتها من العنف المباشر إلى الاستهداف الممنهج الذي يمر عبر أجندات أخرى وبطرق مختلفة وذلك بتنصيب أنظمة موالية لها لا تستمع لأي صوت غير صوت التعليمات الغربية من أجل تجهيل الشعوب العربية والإسلامية وتحقيق ما عجزت عنه بقوة السلاح وبأيادي فئة من أبنائها.
وحتى حلم تحقيق الديمقراطية بات اليوم صعب المنال في ضوء ما تشهده جل دول الربيع العربي من تقهقر وفوضى وتاريخيا قليل هي الثورات التي أدت إلى الديمقراطية.
هل شاركت في الثورة التونسية؟
ككل التونسيين وقد تأثرت لنجاحها لحد البكاء الشديد فرحا بأن ادركت يوما حلم انهيار نظام دكتاتوري وانفتاح باب التحرر وبروز حلم تحقيق الديمقراطية ولكن اليوم ونظرا لما نشاهده ونعيشه بدا هذا الحلم يتلاشى ويتبخر ويبدو أننا متجهون نحو وضع اكثر قتامة.
فبالرغم من هامش الحريات الذي توفر نسبيا فإن توظيفه كان سيئا للغاية من اجل إظهار العديد من العورات التي كانت غائبة عنا فاليوم اندهش لمواطن يقوم بتكذيب وزير على الهواء وأندهش اكثر لرمي موكب رئيس الجمهورية ومن معه بالحجارة والطماطم فليست هذه هي الغاية من الثورة وهذا لا يتماشى مع الصورة الناصعة للثورة التونسية السلمية التي أنجزناها.
لكن للأسف فشل السياسيين الجدد في تسيير الأمور أدى بنا لهذا الوضع المتردي والمتدهور للغاية.
وكأني بك تعرب عن استيائك من فشل العملية السياسية في تونس؟
أنا أريد ان اسرّ لك بشيء هو أنني كنت متعاطفا جدا مع حركة «النهضة»، وفرحت بوصولها للحكم بالرغم من اني لم أصوت لها. لكن الواقع أثبت أنها لم تكن في مستوى انتظارات الشعب الذي انتخبها وهي بالنسبة لي وللعديد من التونسيين خيبة امل كبرى. فحركة «النهضة» أثبتت قدرتها على عدم ممارسة السياسة.
هل أنت قلق على مستقبل القطاع الثقافي؟
بالتأكيد، أنا قلق جدا والمستقبل يبدو قاتما جدا وتحقير العمل الثقافي هي اجندا غربية ستنفذ بأيدي الأنظمة الموالية للغرب والتي تستميت في تنفيذ تعليمات لا تتماشى مع الهوية الوطنية.
فعندما نتذكر أحداث قصر العبدلية نحس بالخوف على مستقبل تونس وعلى مستقبل الثقافة وعلى مستقبل الحرية.
كيف تنظر لهذه الأحداث؟
إنها حماقة كبرى، فهذا الفضاء ممتاز وكنت أقصده صحبة العديد من الأصدقاء وخصوصا فريد بوغدير وكنا نستمتع حتى بكورال الصغار الذين يأتون للغناء على منصة موجودة داخل هذا الفضاء ولكن يوم الاعتداء على هذا الفضاء كانت لنا صدمة كبرى وازدادت هذه الصدمة ونحن نستمع لتصريحات السيد لطفي زيتون حول هذا الموضوع ليتبين فيما بعد ان الاحتقان جاء على خلفية لوحة موجودة في السينغال...
التيار السلفي الذي كان وراء هذه الأحداث كيف تنظرون له وبالخصوص للباسه الذي يبدو انه غريب عنا؟
هو بالفعل كذلك، فالصورة التي يحملها السلفي اليوم هي صورة غريبة عنا وصورة مستوردة وعلى الأقل على مستوى المظهر هذه الصورة هي ليست صورة تونسية ولاعربية ولا اسلامية هي ببساطة صورة غريبة عنا.
وحتى اللحية التي يطلقونها ليست من ثقافتنا ولا من عاداتنا وكما يقول المثل «إذا كانت اللحية علامة ذكاء لكان الماعز سقراط...» Si la barbe était signe d'intelligence, la chèvre serait Socrate!» مع احترامي لهولاء الناس والذين قد تخول لهم الحرية والديمقراطية بأن يفعلوا ما يريدون فإن صورتهم تزعجني شخصيا وأكيد انها تزعج الكثير من التونسيين.
كلمة الختام
أنا منشغل شديد الانشغال بالوضع الذي أصبح يميز قطاع عملي، فقد درست لمدة عشرين سنة تقنيات السينما من تصوير وميكساج ومونتاج ونحن اليوم نخرج سنويا حوالي 300 تقني أو فني أو مهندس سينما لكنهم يبقون من دون عمل يجوبون الشوارع.
وفي ذات الوقت تقوم الوزارة باستقدام فني فرنسي نكرة لا علاقة له بالقطاع ليقوم بالتحكم في ابناء تونس وليطردهم من الاستديوهات ويتحكم فيهم والسبب هو ان المنتجين التونسيين اليوم لا يقبلون بإعطاء الثقة للمبدع التونسي فهم عادة ينتدبونهم كمتربصين ثم يستغنون عنهم بعد استغلالهم استغلالا فاحشا وإن أعلمت الوزارة ولم تستمع لنصائحي في هذا الصدد فإنني أطلب من وزير الثقافة ووزير التشغيل أن يلتفتا لهذه الوضعية المزرية وأذكرهما ان قطر والإمارات والجزائر تشغل أبناءنا وتستفيد منهم ومن كفاءتهم بينما يقع تهميشهم في تونس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.