الدروز: حصان طروادة لتقسيم سوريا    ساقية الزيت في «الفينال» بعزيمة الأبطال    ربيع الفنون بالقيروان يُنشد شعرا    عاجل/ قضية منتحل صفة مدير بديوان رئاسة الحكومة..السجن لهؤولاء..    في لقائه بوزراء .. الرئيس يأمر بإيجاد حلول لمنشآت معطّلة    الدوري الفرنسي.. باريس سان جيرمان يتلقى خسارته الثانية تواليًا    غدا: حرارة في مستويات صيفية    منير بن صالحة: ''منوّبي بريء من جريمة قتل المحامية منجية''    مؤشر إيجابي بخصوص مخزون السدود    صفاقس : المسرح البلدي يحتضن حفل الصالون العائلي للكتاب تحت شعار "بيتنا يقرأ"    بداية من 6 ماي: انقطاع مياه الشرب بهذه المناطق بالعاصمة    الأطباء الشبان يُهدّدون بالإضراب لمدة 5 أيّام    الرابطة الأولى: الاتحاد المنستيري يتعادل مع البقلاوة واتحاد بن قردان ينتصر    القصرين: قافلة صحية متعددة الاختصاصات تحلّ بمدينة القصرين وتسجّل إقبالًا واسعًا من المواطنين    سامي بنواس رئيس مدير عام جديد على رأس بي هاش للتأمين    طقس الليلة: الحرارة تصل الى 27 درجة    وزير النقل يدعو الى استكمال أشغال التكييف في مطار تونس قرطاج استعدادا لموسم الحجّ وعودة التّونسيين بالخارج    كلاسيكو اوفى بوعوده والنادي الصفاقسي لم يؤمن بحظوظه    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: المنتخب التونسي يضيف ثلاث ميداليات في منافسات الاواسط والوسطيات    منوبة: 400 تلميذ وتلميذة يشاركون في الدور النهائي للبطولة الاقليمية لألعاب الرياضيات والمنطق    "براكاج" يُطيح بمنحرف محل 26 منشور تفتيش    غدا.. قطع الكهرباء ب3 ولايات    إحالة رجل أعمال في مجال تصنيع القهوة ومسؤول سام على الدائرة الجنائية في قضايا فساد مالي ورفض الإفراج عنهما    دقاش: شجار ينتهي بإزهاق روح شاب ثلاثيني    بداية من الاثنين: انطلاق "البكالوريا البيضاء"    البنك الوطني الفلاحي: توزيع أرباح بقيمة دينار واحد عن كل سهم بعنوان سنة 2024    عاجل/ سرقة منزل المرزوقي: النيابة العمومية تتدخّل..    الكلاسيكو: الترجي يحذر جماهيره    "البيض غالٍ".. ترامب يدفع الأمريكيين لاستئجار الدجاج    بعد منعهم من صيد السردينة: بحّارة هذه الجهة يحتجّون.. #خبر_عاجل    وزير التربية يؤدي زيارة إلى معرض الكتاب بالكرم    الحج والعمرة السعودية تحذّر من التعرُّض المباشر للشمس    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    البطولة العربية للرماية بالقوس والسهم - تونس تنهي مشاركتها في المركز الخامس برصيد 9 ميداليات    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    عاجل/ ضحايا المجاعة في ارتفاع: استشهاد طفلة جوعا في غزة    بطولة الكويت : الدولي التونسي طه ياسين الخنيسي هداف مع فريقه الكويت    المأساة متواصلة: ولادة طفلة "بلا دماغ" في غزة!!    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    السلطات الجزائرية توقف بث قناة تلفزيونية لمدة عشرة أيام    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعدها ب"ردّ الصاع صاعين"    الولايات المتحدة توافق على بيع صواريخ بقيمة 3.5 مليار دولار للسعودية    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رضوان المصمودي (رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية بتونس) ل "التونسية": نريد دولة مدنية تحترم قيم الإسلام
نشر في التونسية يوم 28 - 01 - 2013


لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية
لم نحقق التنمية في 50 سنة فكيف نطلب تحقيقها في سنة أو 2 أو 3؟
أغلب التونسيين لا يرغبون في دولة دينية
الثابت أن لحركة «النهضة» مستقبلا في تونس
تناول حوار «التونسية» مع الدكتور رضوان المصمودي مسائل تتعلق بالعلاقة القائمة بين الدين والدولة وتقييمه الشخصي لحكم الإسلاميين في تونس ولمقترح بناء دولة دينية بالإضافة الى تعثر مسار العدالة الإنتقالية في تونس الى جانب موقفه من مسودة الدستور الجديد ومشروع تحصين الثورة واقصاء التجمعيين من الحياة السياسية. كما تحدث الدكتور المصمودي عن برنامج المركز للعام الجديد وعلاقاته بالدول العربية والإسلامية.
حول منبع فكرة احداث مركز لدراسة الإسلام والديمقراطية قال الدكتور المصمودي رئيس المركز:
« كان الهدف من تأسيس المركز هو اصرار بعض الحقوقيين العلمانيين على الترويج لفكرة التعارض بين الإسلام والديمقراطية رغم أن الأنظمة القائمة ليست دينيّة ولا تستمد مرجعية استبدادها من خلفية دينية. بل كان اغلبها علمانيّا مغرقا في العلمانية. نفس التمثل وجدته عند بعض الإسلاميّين المتشدّدين الذين يعتبرون الديمقراطية كفرا وإلحادا . لقد اسست هذا المركز لأبرهن على انه لا تعارض بين الديمقراطية والإسلام وان دعم أمريكا للدكتاتوريين خيار خاطئ. وهو ما أكدّته أحداث 11 سبتمبر..
كما اني كنت على يقين بأن مشكلة المسلمين الرئيسيّة ليست نقل التكنولوجيا، فهناك أكثر من 500 ألف دكتور عربي ومسلم في شتى الاختصاصات يعملون بأمريكا. وبلدانهم غير قادرة على الاستفادة منهم في ظل أنظمة دكتاتورية فاسدة ومستبدة ومتخلفة.المفتاح الحقيقي للتنمية يكمن في إنشاء أنظمة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتعطي للمواطن الكرامة وحرّية المبادرة وتنشئ دولة القانون والمؤسسات».
ترتكز انشطة المركز على تنظيم الملتقيات والورشات، ماذا في برنامجكم للعام الجديد ؟
برامجنا لهذا العام الجديد تتمحور اساسا حول مواصلة الحوار حول مشروع الدستور بعد أن كنّا نظمنا عددا هاما من الورشات المغلقة حول جملة من المسائل الخلافية المتعلقة بالدستور بمشاركة اعضاء من المجلس التاسيسي وعدد من القيادات الحزبية وممثلين عن المجتمع المدني. عموما يجب ان يكون الدستور جامعا لكل التونسيين يجد فيه كل تونسي ضالته بحيث يتبناه كل طرف من الأطراف السياسية والإجتماعية في البلاد. وهذه الورشات نسعى من ورائها الى تحقيق توافق بين الأطياف الفاعلة في المشهد التونسي.
كما سنواصل تنظيم ملتقيات ومؤتمرات حول العدالة الإنتقالية والمحاسبة. فالكثير من التونسيين يشعرون ان مشروع تحقيق العدالة الإنتقالية قد استغرق طويلا وانه لم تقع تنفيذ المحاسبة ، محاسبة جرائم التقتيل والتعذيب والتهجير والسرقة.
من جهة اخرى، يعمل المركز على مواصلة اقامة التظاهرات حول مسألة محاربة الفساد خاصة وان مجتمعنا التونسي يشكو من عقود من هذه الآفة التي اصبحت أمرا شبه آلي ودخلت عاداتنا فلم نعد نستغربها. ولذلك نحتاج الى جهد كبير حتى نخرج الفساد من المنظومة الإجتماعية. اما المحور الرابع الذي نعمل عليه اليوم فهو ثقافة المواطنة والتدريب عليها وتعزيز قيمها. والهدف من الورشات التي سنواصل تنظيمها في هذا الباب هو تعميق الشعور والإيمان بقيم المواطنة. فالديمقراطية لا تنجح الا متى وجد مواطن قوي واع بحقوقه وواجباته يعمل على المحافظة على ديمقراطية بلده .
المركز اسمه الإسلام والديمقراطية، وهو اسم مثير باعتبار ان هناك تيارات اسلامية لا تؤمن بالديمقراطية وفي المقابل ينزع بعض الغربيين عن النظم الإسلامية صبغتها الديمقراطية؟
أنطلق من اعتبار انه لا خيار لدينا فليس هناك أدنى تعارض بين الإسلام والديمقراطية، واذا سلم احد الأطراف بأن الإسلام يتعارض مع الديمقراطية فمعناه انه عليه ان يختار بينهما إمّا ان يكون مسلما او ان يكون ديمقراطيا... والحقيقة ان الخيار الوحيد امامنا انه علينا التوفيق بين المعطيين او بين قيم الديمقراطية التي تشمل حقوق الإنسان والحرية والعدالة واستقلالية التشريع والقضاء وبين القيم الإسلامية التي تشمل نفس المعايير وإن بتسميات مختلفة كالشورى مثلا. والحقيقة اننا كمسلمين تأخّرنا في ايجاد آليات لمبدإ الشورى والعدالة التي تضمّنها القرآن الكريم في اكثر من 300 آية. اذن علينا ان نفلح في آليات جديدة وحديثة للقيم الثابتة تكون قابلة للتطبيق المرن اليوم، فهذه القيم التي لا تتغير آليات تنفيذها يجب ان تكون مستجيبة لروح العصر كالمساواة والحرية وحقوق الإنسان.
فنحن في مركز الإسلام والديمقراطية نعمل منذ 14 عاما على تقريب هذه المفاهيم من الأذهان. أما مسألة علاقة الدين بالدولة، فان بعض الإسلاميين يعتبرون ان الإسلام دين دولة وليس ديانة فحسب بل نظام حياة يتجاوز مستوى العبادات، وفي المقابل هناك قسم آخر في تونس وفي كل الدول الإسلامية يؤمن بأن الإسلام قضية شخصية بين الفرد وخالقه وانه على الدولة ان تكون مدنية مستقلة لا علاقة لها بالشأن الديني.
اعتقد شخصيا ان اغلب التونسيين لا يرغبون في بناء دولة دينية كما ابتدعها الخميني كي يبرر قيام دولة يحكمها رجال الدين ...
تونس دولة مدنية ولكنها تحترم قيم الإسلام ، يعني هناك فصل بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية وهذا ما نقصده بكلمة دولة مدنية وانا ارى انه لا يمكن الفصل بين القيم باعتبارها جزءا كبيرا من المجتمع .
نحن اليوم تجاوزنا النظام الدكتاتوري، الآن وجب بناء نظام توافقي وأن نتعايش في ظل احترام اختلافاتنا في الرأي والمعتقد ونعمل على تقريب وجهات النظر كي نحافظ على الوحدة الوطنية ويكون هناك توافق في الخطوط الرئيسية للتوجهات العامة للمجتمع.
هناك بعض النقاط الخلافية ودور الديمقراطية هو حلّ هذه الخلافات. فلكل واحد الحرية في التعبير والتنظم وفي الأخير نحتكم الى الشعب وهو الذي يقرر ويختار ما هو التوجه الذي يريده. ولكنني واثق بان الشعب التونسي والشعوب العربية والإسلامية بمجملها تريد دولة مدنية وليس دولة دينية... نعم نريد دولة مدنية تحترم قيم الإسلام ...لا تفرضه ولا تحاربه... ولكنها تحترمه.
بعد عام من حكم الإسلاميين في تونس، كيف تقيم تزاوج الإسلام والديمقراطية على ارض الواقع في المشهد السياسي المحلي؟
نحن نحاول في تونس ان نبني نظاما ديمقراطيا عصريا يحترم قيم المجتمع وتحترم في اطاره حقوق الإنسان بصفة عامة.
نحن على قناعة راسخة اننا لا يمكن ان نبني ديمقراطية نستثني منها الإسلاميين في تونس او في غيرها من الدول العربية. اعتقد ان اقصاء الإسلاميين من اللعبة السياسية أمر مستحيل، فلابد من تشريكهم. وأرى انه من الطبيعي ان تكون للتيارات الإسلامية في بدايتها شعبية كبرى، لأن الجميع يحترم القيم الإسلامية واغلبية التونسيين متدينون والدين من المقدسات عندنا بالرغم من ان البعض لا يطبق الشعائر الدينية ومع ذلك يقدس الإسلام ولا يقبل من يعتدي على الذات الإلاهية.
وعلى التيارات الإسلامية ان تعي أن أمامها فرصة لإثبات الذات كي تبرهن على انها قادرة على تجاوز مرحلة الشعارات وان تقود المجتمع وتحل مشاكله من بطالة وفقر وتهميش وتنمية وعلاقات دولية...هناك تحديات كثيرة امام الحركات الإسلامية في تونس ومصر وليبيا ومن الصعب في الوقت الحاضر الحكم لهم أو عليهم لأننا لا نزال في بداية الإمتحان. فبالكاد مرت سنة من الحكم والأكيد انهم يفتقرون الى الخبرة على مستوى السلطة وواجهتهم مصاعب متعددة.
فالكل يعلم ان حركة «النهضة» قضت 23 سنة واكثر إمّا في السجون أو في المنافي اذن لم تكن حزبا سياسيا جاهزا لممارسة الحكم. لقد كانت حركة مطاردة بين المهجر والمعتقلات...اليوم تونس تمرّ بمرحلة انتقال ديمقراطي يستغرق على الأقل 5 سنوات. وبصفة عامة انا على قناعة بان التيار الإسلامي سيكون جزءا من هذه الديمقراطية. فمن المستحيل ان يخرج من هذه المنظومة ولكن مقدار نجاحه سيكون مبنيّا على النتائج التي يحققها خلال السنتين القادمتين لكسب ثقة التونسيين واثبات قدرته على ممارسة السلطة بكل اقتدار وكفاءة.
بصفة عامة اعتقد ان للحركة الإسلامية مستقبل في تونس واقصد حركة «النهضة» بالتحديد كحركة معتدلة قادرة على ان تنجح وان تتطور من تلقاء نفسها من حيث الأداء . والتاريخ يشهد انها كانت من اول الحركات الداعية الى الديمقراطية منذ سنة 1981 اي منذ تأسيسها وقتها لم يكن متداولا أن تنادي اية حركة ذات مرجعية دينية الى تكريس الديمقراطية.
وبالرغم من وجود اطياف راديكالية صلب الحركة فإن هذا الأمر لا يمنع ايمان مناضليها بالديمقراطية كاساس للتعامل. والحقيقة ان الحركة تضم اجنحة متعددة ومتنوعة.. وهي ظاهرة صحية على كل حال... انا اعطي شهادتي يوم كنت في امريكا وفوجئ الإسلاميون هناك بحركة الإتجاه الإسلامي تدعو الى الديمقراطية في بداية الثمانينات ووصل بهم الأمر الى تكفير الشيخ راشد الغنوشي باعتبار ان اغلبيتهم كانت تعتقد ان الديمقراطية كفر وتخالف شرع الله.
كما كانت «النهضة» أول الحركات الإسلامية التي لم تعترف بالشريعة كمصدر اساسي للتشريع في الدستور الجديد وأؤكد هنا ان «النهضة» هي من الحركات الإسلامية النادرة جدا التي تتخذ مثل هذا الموقف الجريء، وهو دليل قوي، حسب رأيي على ان «النهضة» حركة معتدلة قادرة على ان تتأقلم وأن تجد مواصفات النجاح والإعتدال التي يبحث عنها التونسيون.
ويمكن القول انه في الأخير التونسيون يبحثون عن الجمع بين قيمهم الإسلامية التي لم يتخلوا عنها اطلاقا وبين قيم المدنية والحداثة وحقوق الإنسان والحريات والديمقراطية.
كيف يبدو لك مسار العدالة الإنتقالية بعد عامين من الثورة في ظل تباطؤ نسق المحاكمات وإفلات الفاسدين من المحاسبة؟
اعتقد ان ملف العدالة الانتقالية بقدر حساسيته واهميته بقدر صبغته الإستعجالية لا يحتمل الانتظار سنة كاملة ، وهنا لا أحكم على السنة الأولى بعد الثورة باعتبار انها كانت حكومة مؤقتة وغير شرعية. ولكن اليوم مرت سنة كاملة ونحن ليس لدينا قانون للعدالة الإنتقالية ؟؟
الأن نلمس غضبا شعبيا كبيرا حول هذا الموضوع لأنه لم تتم محاسبة المعتدين. والحقيقة ان المسألة مهمة ولكنها معقّدة جدا، فالثورات عادة تسقط النظام بأكمله بما فيه كل الذين عملوا معه أو داخله فيقع إبعادهم أو سجنهم أو حتى قتلهم خاصة في الثورات الدموية واغلب الثورات هي دموية بالأساس والتاريخ يشهد بذلك من ايران الى فرنسا الى روسيا حيث وقع شنق عشرات الآلاف. والحمد لله ان كل هذا لم يقع في تونس... والحمد لله اننا شعب متحضر ومعتدل. المسألة تتعلق ببناء دولة من الأساس وهو امر يستغرق عشرة او عشرين عاما وتدخل البلاد في فوضى عارمة وهو وضع خطير في غياب الدولة وتحكم اللجان الثورية في البلاد بدل المؤسسات.
في تونس اخترنا ان يكون الإصلاح تدريجيا، وعوض محاسبة كل من عمل داخل النظام السابق ارتأت تونس اللجوء الى القضاء. بالتاكيد هناك منظومة فساد كاملة فبن علي لم يحكم بمفرده ولا يمكن الجزم بانه بهروبه انتهت مسلسلات الفساد والإستبداد والنهب والسرقة. هذه المنظومة لا تزال قائمة الذات ونحن اليوم أمام تحد كبير: كيف نواصل الثورة لأن ثورتنا لم تنته وعلينا مواصلتها بطرق سلمية وقانونية لا تعادي نسبة كبيرة من الشعب من الذين تورطوا مع العهد السابق اما بدون قصد او بنية طيبة لخدمة الوطن وجدوا انفسهم في منظومة فاسدة او فرض عليهم الأمر فرضا؟
ولكن هذا لا يعني البتّة انه بالإمكان التسامح مع الجميع وغض النظر عن الفساد، فلابد حسب رايي من تحديد المسؤوليات ورموز الفساد، فليس كل من انتمى الى التجمع فاسدا بالضرورة وليس كل من عمل سابقا مورطا..
هذا يجرنا الى الحديث عن مشروع قانون إقصاء التجمعيين من الحياة السياسية أو ما يسمى اليوم بمشروع قانون تحصين الثورة..؟
انا كنت عبّرت عن موقفي من هذه المسألة وقلت انه من غير المنطقي اقصاء كل التجمعيين او حتى عدد كبير منهم .
اعتقد انه من المحبذ إقصاء رموز الفساد بما معناه اقصاء 200 او 400 شخص من الذين تميزوا بعملهم في الصفوف الأمامية من منظومة الفساد، على ان تتولى لجنة للمحاسبة او هيئة للعدالة الإنتقالية صلب المجلس التاسيسي ضبط قائمة اسمية فيهم، شرط ان يتم كل هذا بصفة سريعة.
وتقوم هذه اللجنة او الهيكل بعد تحديد الأسماء، بمطالبة هؤلاء باعتزال العمل السياسي والإبتعاد عنه على ان ياخذ القضاء مجراه، فنحن لا نريد غير تحصين ثورتنا ضد رموز الفساد الذين كانوا الدعامة الرئيسية لحكم بن علي فنطالبهم بالإبتعاد عن العمل السياسي لمدة 5 او 10 سنوات وإلاّ فإن منظومة الفساد ستظل قائمة الذات وبامكان رموزها الإنقلاب على الثورة باعتبار انهم يقودون الثورة المضادة التي بامكانها افشال ثورتنا وعودة النظام القديم.
كانت لك متابعات لعدد من فضاءات الحوار حول مسودة الدستور الجديد، كيف تقيم النص الدستوري المقترح؟
اعتقد انه تم حلّ اغلب النقاط الخلافية بالرغم من أن المسألة استغرقت وقتا طويلا، اليوم حسمت اغلب المسائل الكبرى على غرار اعتماد الشريعة في صياغة الدستور واحترام المقدسات والتنصيص على تجريم التطبيع مع اسرائيل..
الأن هناك مسألتان خلافيتان أولهما تهم العلاقة بين القيم الإسلامية والقيم الكونية والسؤال هنا هل نعطي الأولوية للقانون الدولي والقيم الكونية أم للقانون التونسي او كيف نمازج بينهما؟ ومسودة الدستور تحاول التوفيق بينهما حيث تنص على ان تونس بلد مدني دينه الإسلامي وفيه ضمان للحريات للجميع ولكن لا تزال هناك بعض النقاط التي تحتاج الى المراجعة.
المسالة الخلافية الثانية تتعلق بطبيعة النظام السياسي لتونس، برلماني ام رئاسي، حيث ظللنا في حالة تفاوض وكأن كل من احتل موقعا اليوم سيظل فيه الى الأبد، كل طرف يرى أن رأيه هو عين الصواب.
والحقيقة ان ما يخيفني في موضوع مناقشة المسودة هو ان نصل الى مرحلة تعطيل الحكومة حيث نصل الى مرحلة نكون فيها قد قسمنا السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مثلما هو موجود الآن تقريبا، وتصبح هناك صراعات دائمة وتداخلات في الأدوار وتنازعات في الصلاحيات . صحيح ان الخلاف بين الرئيسين أمر عادي، لكن تقسيم السلطات بينهما من الطبيعي ان يفرز خلافات قد تصل الى حد تعطيل عمل الحكومة واصابتها بالعجز عن التقدم او حل هذه الخلافات.
اعتقد انه من الأفضل ان تكون السلطة موحدة إما كلها بيد رئيس الحكومة او بيد رئيس الجمهورية، فلا يمكن تقسيم السلطة والا وصلنا الى طريق مسدود.
هذا النشاط الكمي والنوعي للمركز، كيف كان يتم الإعداد له في ظل حكم بن علي الذي لا يؤمن لا بالإسلام دينا ولا بالديمقراطية كنظام حكم ؟
أولا نحن كمركز كنا نتعامل مع منظمات وجمعيات غير حكومية في تونس كمنتدى الجاحظ والمعهد العربي لحقوق الإنسان.
ولكن النظام السابق كان يضيق الخناق على المنظمتين اللتين ذكرتهما ؟
بالطبع كان بن علي يعادي كل منظمة تعمل في حقل حقوق الإنسان ولكن احقاقا للحق كان مسموح لنا باقامة انشطة وكانت قوات الأمن دوما حاضرة بالإضافة الى البوليس السياسي وجحافل المخبرين...ولكن اذكر ان مؤتمرا دوليا عقده المركز بالعاصمة حضره اكثر من 200 شخص حول الإسلام والديمقراطية عام 2009 وقبل اسبوعين من موعد المؤتمر طلبت منا مصالح أمن الدولة إلغاء المؤتمر،،، الا اننا تمسكنا بتنظيمه خاصة وقد كنا وجهنا دعوات لشخصيات وخبراء اجانب والى غاية صباح اليوم الأول للمؤتمر ظللنا غير مصدقين ان التظاهرة ستقع. وتحدينا الداخلية واقمنا مؤتمرنا بنجاح.
وانت المتابع للحراك السياسي المحلي، كيف ترى المشهد الوطني اليوم في ظل الاستقطاب الثنائي والحملات الانتخابية السابقة لأوانها؟
انا متفائل بطبعي، وارى ان التجاذبات هي امر عادي فالإنتقال الديمقراطي ليس عملية سهلة فنحن نحتاج الى دستور استغرق وقتا طويلا ونحتاج الى قوانين جديدة وتغيير القديم منها الى مؤسسات. والثابت اننا نفتقر اليوم بالخصوص الى ثقافة الديمقراطية واحترام الرأي الأخر والحوار العقلاني بدون تشنج ولغط ولا عنف . نحن مدعوون الى احترام الرأي المخالف والتعددية وهذه هي ميزة الأنظمة والمجتمعات الديمقراطية الحقيقية. فهناك ثقافة قوامها احترام كل رأي مخالف لرأيي فاليوم نحن مختلفون وربما نتفق غدا لم لا ؟
نحن منذ 23 سنة لم نكن نعيش في مجتمع حوار ولم نتعود ابداء الرأي ولا نحترام الرأي المخالف، كان هناك راي واحد وكل من يخالفه يواجه صعوبات ومشاكل لا تحصى ولا تعد فيقع تخوينه او تكفيره. ولذلك اعتقد انه يلزمنا الكثير الكثير من الصبر وسعة الصدر . صحيح اننا قمنا بثورة وازحنا نظاما استبداديا ولكن علينا ان نفهم ان بناء الديمقراطيات هو من اصعب العمليات وادقها وهي قطعا اكبر من هدم الدكتاتورية. نحن في منتصف الطريق، علينا الآن بناء دولة ديمقراطية تضمن لنا حقوقنا وعدم عودة الفساد والإستبداد . ان البناء الديمقراطي يحتاج الى وقت طويل وجهد تشاركي كبير يستغرق اكثر من عشر سنوات. فالتنمية التي لم نحققها في خمسين سنة لا يمكن ان نحققها في سنة او سنتين او حتى ثلاث سنوات .. مهما كان النظام القائم أو الحزب الحاكم».
بعثت الثورة التونسية الروح في العلاقات مع الخليج وتحديدا مع دولة قطر وفي درجة اخرى مع المملكة العربية السعودية، ماهي آفاق هذه العلاقات وما هو دور المركز في مجال مزيد توثيقها؟
«نحن لدينا علاقات جيدة جدا مع الأطراف الخليجية وكنا نظمنا ندوات ومؤتمرات في قطر وفي المملكة العربية السعودية وفي اليمن ونأمل ان تتوسع علاقاتنا اكثر مع المجتمع المدني في هذه الدول الشقيقة حتى نتعاون معه لأن تعاملاتنا اساسا مع المنظمات الأهلية حيث نتعاون على تنظيم ورشات عمل حول امهات القضايا العربية والدولية ايضا . ونحن الى اليوم لا نزال نتعامل مع وزارة الخارجية في دولة قطر نظرا لغياب علاقة مع الجمعيات غير الحكومية هناك وما نصبو اليه اليوم هو توثيق الروابط مع المجتمع المدني هناك.
وأوجه دعوة الى كل الأطراف غير الحكومية القطرية للتعاون معنا عبر اقامة ندوات ومؤتمرات عربية ودولية حول مسائل شتى فنقوم بدعوة المحاضرين الدوليين وتوفير المادة الأساسية للتحاور. ونحن على يقين بان الإخوة في قطر مهتمون بمثل هذه التظاهرات التي من شأنها توضيح السبل امام الدارسين والمهتمين بالشأن العربي عامة.
فاذا نظرنا الى سجل المركز سنجد اننا دربنا حوالي 10 الاف شخص في موضوع التربية على المواطنة من خلال ورشات مصغرة لا يتجاوز عدد المتدربين في كل ورشة الثلاثين شخصا في العديد من الدول كالسعودية وقطر والبحرين.
في المملكة العربية السعودية نظمنا مؤتمرين خلال عامي 2005 و2006 حول الإسلام والديمقراطية والشورى والعلاقة بينهما بمشاركة خبراء واعضاء من مجلس الشورى السعودي. وكان النقاش ثريا جدا. كما نظمنا ورشة اخرى حول التدريب على المواطنة كانت ناجحة جدا ونحن نأمل في تكرار التجربة ونتمنى ان نجد طرفا من المجتمع الأهلي هناك لنتعاون معه مستقبلا خاصة وان تعاوننا اقتصر على مركز الملك فيصل للدراسات».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.