السؤال يفرض نفسه يلقيه الأولياء في استغراب وحيرة وقلق ثم يجيبون وحدهم حسب تصوّراتهم وتخميناتهم وفرضيّاتهم... الكل يسأل حول الصورة الحالكة التي صارت عليها المدارس الابتدائية لما تداعت بنيتها التحتية وذبل بريقها وفاتها ركب التطور الكبير التي عرفته مؤسساتنا الادارية خاصة في شكلها المعماري وأجهزتها ووسائل العمل العصرية لديها وما شابه ذلك لأن وسائل الايضاح ومعينات التدريس لم تعد موجودة أصلا في المدارس الابتدائية حتى أن الخرائط الجغرافية واللوحات العلمية ومشخصات التعبير صارت بعيدة عن الواقع الطبيعي والجغرافي والبشري الذي يشهده العالم اليوم.. ثم يزيد الأولياء لهيب السؤال لما يتهامسون في «التراكن» وأمام أبواب المدارس: «أين أموال المدرسة؟» ثم يواصلون ما شابه الثرثرة: «ماذا يفعل مدير المدرسة بأموالنا» وهكذا حتى تتحول الحبّة الى قبّة وتلقى التهمة على أكتاف حضرة المدير من يرون فيه ثريّا يسبح في «فلوس» التلاميذ وبها شيّد منزله الفخم واقتنى سيارته الجديدة والباقي صرفه في الملذات والسفرات. ولكن لما نلج مكاتب مديري المدارس الابتدائية في كل شبر من التراب التونسي ونطالب بالأرقام ونستمع لتشكيات المدير «المسكين» سيسقط حتما أصحاب القلوب الضعيفة لهول الحالة المزرية التي تحوم خاصة حول الوضع المالي للمدارس الابتدائية في بلادنا رغم دورها الريادي في نحت مستقبلنا وكتابة الغد الأفضل. هذا الوضع مكشوف مقروء لا أسرار فيه لأن لكل مدرسة ابتدائية «جمعية العمل التنموي» تتكون هيئتها من مدير المدرسة وبعض المعلمين والأولياء يسهرون على الجانب المالي للمؤسسة. ولكن أي أموال وأرقام ومصاريف ومداخيل وصكوك وامضاءات في هذه الخانة؟ هي حتما في باب «الزغاريد... أكثر من الكسكسي» لأن معدل المناب المالي لكل مدرسة ابتدائية في تونسنا العزيزة هو 300 دينار.. نعم فلا تندهشوا؟ ثم يواصل مدير المدرسة جمع مبلغ التأمين الفردي بحساب دينارين عن كل تلميذ مع امكانية اعفاء التلاميذ اليتامى والفقراء ليكون معدل المبلغ المجموع في حدود 600 دينار وتكون ميزانية المدرسة لموسم دراسي كامل لا يفوق 1000 دينار... ولكم أن تقارنوا هذه الميزانية بمثيلتها في مدرسة تكوين بنوادينا الكروية أو بكاشي سهرة فنية في ليلة واحدة لأحد مطربينا أو بميزانية أي جمعية تعيش معنا على هذه الأرض الطيبة... ومدير المدرسة بالتعاون مع «جمعية التعاون الوطني» عليه أن يتصرف في هذا المبلغ الضعيف لشراء أوراق الطباعة والحبر للآلات الناسخة ودفاتر النتائج المدرسية وكراسات التناوب ولوازم صندوق الأدوية وشهائد وجوائز الامتحانات مع بعض التدخلات الطارئة في اصلاح ما يهم الأبواب والنوافذ والأقفال والبلور وحنفيات الماء وأحيانا يتكفل بتوفير ما يليق باستضافة اللقاءات البيداغوجية... مما يجبره على استجداء الأولياء لأن في آخر المطاف والحديث لأحد المديرين مساعدات مضحكة مبكية لو ذكرناها لسقط بعض القراء على الأرض دهشة. الوضع محيّر يتطلب التدخل العاجل لانقاذ سمعة مدارسنا الابتدائية ومحاولة ضخ الأموال في ميزانية تشكو حالها للجميع لأن الأمر يتعدّى النظرة الضيّقة الى ما يهم المدرسة الابتدائية بما تملكه من قداسة وسلطة وهيبة... وللحديث بقية!!!