بين الآباء و الأبناء حتما هي معركة الأجيال من ناحية التفكير وفلسفة الحياة والنظرة الى المستقبل وطرق التفاعل مع مستجدات الواقع المعيش وما شابه ذلك من مظاهر الحياة في شتى المجالات وأهمها ميادين الرياضة والتعليم والموسيقى كمثال على سبيل الذكر حيث كثيرا ما تتباين الرؤى بين الاب وابنه خاصة اذا كان الاول صاحب القرار الاول والاخير في الاسرة ولو كان ذلك على حساب مصلحة ومستقبل ابنه. ولكن بين الكلام وواقع الميدان بونا كبيرا.. لأن الاحلام كثيرا ما تمسي سرابا ليسقط كل شيء في الماء ويضيع الطفل في الزحام. في ميادين ملاعبنا الصورة نفسها تتكرر مهما تنوع المكان بين مركبات كرة القدم وقاعات الالعاب الجماعية واحواض السباحة حيث يتوافد الاباء يقودون ابناءهم وهم يحلمون بالنجومية التي تأتي بالشهرة وايضا بالاموال.. الاباء يدفعون الهدايا ويعتمدون على «الأكتاف» ويلحون على المدربين لتشريك ابنائهم رغم ان اكثرهم محدودو الامكانيات ومتطفلون على الميدان وفيهم من تعرض الى حوادث تضررت منها اجسامهم الغضة الى جانب اهمالهم لالتزاماتهم الدراسية ليخسر الأب «الجمل.. وما حمل» من باب انه «حرص.. فندم».. الأب وعشنا هذا مرارا يقول ان ابنه «ميسي» وبأنه معجزة عصره...ولكن على الميدان «يتمخض الجبل فيلد فأرا» وكثيرا ما نقف امام مشهد فلكلوري وبهلواني كما يحدث في ألعاب «السيرك» حيث يتيه الاطفال الصغار على البساط الاخضر وقت الاختبارات الفنية وتعود جحافل الابرياء منهم مكسو في الحال بعد ان تعسفت احلام آبائهم المزيفة على طفولتهم. في المعاهد الفنية العمومية والخاصة يقود الآباء صغارهم حاملين على أكتافهم شتى انواع الآلات الموسيقية ويلقون بهم في ميدان له نواميسه وطقوسه ومميزاته وخاصة منها الموهبة التي يولد عليها الطفل دون تصنّع.. والأب يصر امام استاذ الموسيقى على ان ابنه على قدر مهارة «رضا القلعي» في العزف على آلة العود وان له صوتا ساحرا... الأب يتكلم ثرثرة ولغوا وتطاولا على حرمة الموسيقى والاستاذ المسكين يسمع صامتا مذهولا حائرا لا يجد ما يقول..ويوم الاختبار يقف الطفل الصغير باهتا عاجزا عن مجابهة ما طلب منه في الاداء لأن صوته محدود.. وفي العزف لان اصابعه لم تتربّ على حس رهيف واذن موسيقية متوهجة ومعها يسدل الستار على مسرحية اب عفس بغطرسته على براءة طفله. وفي ميدان التعليم مازالت ظاهرة تدخل الاباء في «عملية التوجيه» لأبنائهم قائمة باعتبار ان اكثرهم يحلمون بمستقبل ابنائهم في الطب والهندسة والطيران والاعلامية ويجبرونهم على اختيار الشعب العلمية حتى ولو كانت ميولاتهم اكثر الى الشعب الأدبية.. ولهم قدرات رائعة في مواد اللغات والأدب والفلسفة عكس امكانيات محدودة في مواد الرياضيات والفيزياء.. الاطفال يذعنون لقرارات الآباء ويلبون اوامرهم خوفا ولكن القاطرة تتعطل عندما يجدّ الجدّ وتخرّ الامكانيات المحدودة امام عسر الاختبارات ويكون الفشل مآل اطفال ابرياء اغتصب الآباء احلامهم وقد يغادرون معاهدهم نادمين.. ووقتها قد لا ينفع الندم.