يبدو أنّ وزير الثقافة مهدي مبروك بات يتصرف في الوزارة بأكثر ثقة في النفس في عامه الثاني في واحدة من أكثر الوزارات محافظة في بلادنا. فقد فتح الوزير ملف لجنة الدعم الموسيقي بعد أن تبين له أن أكثر من 500 مليون منحت لدعم أعمال لم تر النور، وهنا نسأل أين كانت إدارة الموسيقى ؟ وبماذا كانت منشغلة سواء في عهد سي فتحي العجمي الحالي او عهد فتحي زغندة الذي سبقه. وكنا نبهنا السنة الماضية إلى أنه لا يعقل أن يخرج مدير إدارة الموسيقى في إجازة خلال معمعة المهرجانات الصيفية، فكيف لا يواكب مدير إدارة الموسيقى أهم العروض التونسية في المهرجانات الصيفية التي تكاد تكون الفضاء الوحيد لتقديم الفنان التونسي خاصة إذا تزامن شهر رمضان مع فصل الصيف ...؟ ونودّ أن نذكّر السيد الوزير بأن العبرة ليست في أن يقدم الموسيقي الذي تحصل على الدعم كذا نسخة من الأقراص إلى الوزارة لتكون الأمور قانونية ويغلق الملف. نقول للسيد الوزير إن كثيرا من الموسيقيين لا يطبعون من نسخ إصداراتهم سوى العدد الذي يقدم للوزارة بسبب عزوف شركات الكاسات عن ترويج الموسيقى التونسية ولو مجانا، ويبقى الإنتاج المدعوم بعيدا عن التداول الجماعي وهنا نسأل ما قيمة الدعم إن لم يوزع الإنتاج المدعوم ويستهلك جماهيريا ؟ ودون ان يغضب منّا أحد نسأل إلى متى تظل قائمة المنتفعين بالدعم الموسيقي سرا من أسرار الدولة؟ لماذا تُصدر إدارة السينما بشكل دوري قائمة السينمائيين المنتفعين بمنح التشجيع السينمائي وتصمت في المقابل إدارات المسرح والفن التشكيلي والموسيقي؟ أليس من حق التونسيين عموما التعرف على مصير أموالهم في جيوب من تذهب ولأي غاية تصرف؟ وهنا أقيس حالنا على ما هو موجود في بلاد العم سام حيث ينص قانون الشمس الساطعة على ان تكون جل السجلات مفتوحة أمام الرأي العام عدا السجلات المتعلقة بالأمن القومي ليطلع أي امريكي على تفاصيل إدارة الشأن العام الذي هو شان المواطن قبل كل شيء ... من جهة أخرى علمت «التونسية» ان النية تتجه في وزارة الثقافة إلى تكليف شخص غير فتحي الهداوي بإدارة مهرجان الحمامات الدولي بعد تكليف مراد الصقلي بإدارة مهرجان الحمامات وهي فرصة من ذهب يتيحها مهدي مبروك للصقلي ليثبت أنه فعلا جدير بهذه المسؤولية خاصة أن مراد استفاد من إقالته المفاجئة من مهرجان قرطاج سنة 2010 إذ عرف كيف يوظف الحادثة ليظهر في ثوب الضحية عند وقوعها بامتناعه عن التعليق في تلك الظروف التي كان فيها النظام لا يقبل المتنطّعين. وبعد الثورة عرف مراد الصقلي كيف يصوّر إقالته على أنها شكل من أشكال النضال السياسي، ومعلوم ان الصقلي لم يكن بعيدا عن كواليس وزارة الثقافة منذ ايام الوزير الهرماسي الذي ثبته مديرا للنجمة الزهراء طيلة عشرية تقريبا ، وقدم الصقلي في مهرجان قرطاج حكاية طوزيلة وغموق الورد وكان فاعلا في تظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية واستفاد من صندوق الدعم الموسيقي ولم يكن غائبا عن عضوية لجان الوزارة في اكثر من مناسبة ... وبالمناسبة نحن نسأل السيد وزير الثقافة: ألم يحن الوقت لإعادة الاعتبار لمحمد زين العابدين الذي كان احد النقاط المضيئة القليلة في وزارة الثقافة من خلال إدارته لوحدة التصرف لمدينة الثقافة وهي وحدة قام الوزير السابق باش شاوش بتفكيكها وتشتيت عناصرها بعد أن تفنّن في عرقلة عمل محمد زين العابدين الذي كان اول من قدم استقالته ليغادر الوزارة مرفوع الرأس بعد ان استحال التعامل مع وزير الثقافة الملقب بوزير الحجارة –بحكم تخصّصه في الآثار- عز الدين باش شاوش ، ولمن كانت ذاكرته قصيرة نذكره بان محمد زين العابدين هو مؤسس المعهد العالي للموسيقى بسوسة وانه صاحب مشروع «50 ساعة موسيقى» و«مجموعة أصوات اوبرا تونس» وهو الذي شرع في تكوين التقنيين والفنانين لافتتاح مدينة الثقافة في مناطق مختلفة من البلاد في قفصة والكاف وقابس وهو الذي أدرج مسرح الجهات في مدينة الثقافة بعد ان برمج سابقوه مقهى للشيشة... ونحن نعتقد ان وزير الثقافة الحالي برهن على قدر كبير من التعقل والموضوعية والنزاهة الفكرية بما يجعله يقر بخطئه حين يخطئ ويعترف بقيمة الآخرين حتى لو لم يكن معهم في حالة إنسجام فكري ... ونحن نحمد الله على ان وزير الثقافة من الصنف الذي لا يجعل من الخصومة الفكرية شأنا خاصا قد يتحول عند البعض إلى ضغينة وعداء...