تعيش بلادنا هذه الأيام فترة عصيبة جدا، ربما تكون من أخطر الفترات في تاريخها الحديث، وذلك على خلفية الأحداث التي تجري في جبل الشعانبي من ولاية القصرين. فما يجري هناك كان الكثير منا يصاب بالرعب والخوف لمجرد متابعته من خلال نشرات الأخبار العالمية أخبار شبيهة به حدثت في أماكن أخرى من العالم ، فما بالك وقد أصبحت مثل هذه الأحداث جزءا من واقعهم التي يعيشون على وقعها. لا يكاد الكثير منا يصدق ما يجري على أرض بلادنا.. ألغام زرعها تونسيون لتنفجر في وجوه تونسيين آخرين. وقد تسببت ذلك إلى حد الآن في عدد من الجرحى من قوات أمننا وجيشنا وبتر أرجل البعض منهم.. وفخاخ منصوبة هنا وهناك، في معركة لم ينجح أي منا بعد في توصيفها بالدقة اللازمة.. ولا نعرف حتى إن كنا في بدايتها أو في نهايتها. وكيف يمكننا أن نعرف والحال أن العديد أكد لنا مرارا عديدة وبثقة متناهية أن مثل هذه الأحداث يستحيل أن تحدث يوما على أرض وطننا. ألم يقولوا لنا أن تونس أرض عبور للأسلحة وليست أرض توطين .. وألم يرددوا على مسامعنا ألف مرة أن بلادنا أرض دعوة وليست أرض جهاد.. وأنه من المستبعد أن يرفع تونسي السلاح في وجه تونسي آخر.... مستعرضين عضلاتهم في تحاليل جيو - سياسية معقدة للتدليل على وجاهة رأيهم وصواب قراءاتهم ...فأين نحن من هذا كله؟ ما يجري على أرضنا أصاب أغلب التونسيين بصدمة كبرى ما فتئ هولها يزداد مع كل إعلان عن انفجار لغم جديد، وسقوط ضحايا جدد، أو العثور على مخابئ جديدة احتمى بها مسلحون لفترة ما في الجبال والغابات ... فهل بإمكان أي كان أن يتجرأ ويقول أن هذا الخوف والضيق الذي يعيشه التونسيون اليوم ليس إلا مجرد فزاعة كما تعودنا أن نسمع من البعض... وأن هؤلاء المسلحين ليسوا إلا في طريقهم للجهاد في أماكن أخرى .. وأن هذه الأحداث عرضية ليس إلا... من يزرع الألغام في الجبال والغابات لتنفجر تحت أقدام رجال الأمن والجيش والمواطنين العاديين وفي وجوههم لا يمكن أن يكون في مجرد مهمة عابرة.. بل هو يبحث عن تثبيت أقدامه لإنجاز مهام أخرى على هذه الأرض أكثر دمارا وأكثر دموية.. لا حاجة للتونسي العادي لأن يفهم الخلفيات الجيو - سياسية لما يحدث اليوم على أرضه وتحت أنظاره.. هو فقط بحاجة ليفهم حقيقة ما يدور على أرضه وكل أبعاده وخلفياته.. والأهم من ذلك أن يتأكد أن لقوات أمننا ولجيشنا الوطني من الإمكانيات اللازمة ما يمكنه من التصدي لهؤلاء الذين حولوا جبال الخضراء إلى حقول ألغام، أو يريدون أن يجعلوا منها معسكرات تدريب على القتل والتفجير والدمار. والتونسيون قادرون على تجاوز هول هذه الصدمة الكبرى التي أصابتهم وعلى الصبر وهم على استعداد لشد أزر قوات الأمن والجيش والوقوف إلى جانبها لأنها تدافع عن شعب بأسره.. شعب يؤكد كل ماضيه وحاضره أنه يرفض الإرهاب ولا يقبل أن يكون العنف والسلاح لغة للتخاطب بين أفراده. المعركة التي تدور هناك في جبل الشعانبي وفي الجبال والغابات القريبة.. ليست معركة عادية.. هي معركة سيكون لنتائجها تأثير كبير على مستقبل تونس.. وليس في الأمر أية مبالغة. لذلك فإنه يجب أن تسخر كل الإمكانيات لكسب هذه المعركة.. ولا يتعلق الأمر بالإمكانيات المادية والبشرية وحدها.. بل إن المناخ العام للبلاد يجب أن يكون ملائما لسد الطريق على من يريدون زرع الفتنة في هذه البلاد وملاحقتهم والتصدي لهم. ولأجل ذلك فإن تونس لا تحتمل اليوم أيّة معركة جانبية أخرى تلهي عن هذه المعركة المصيرية.. وليس من حق السياسيين سواء كانوا في الحكم أو المعارضة سوء تقدير اللحظة ومدى خطورتها وعليهم التصرف بمسؤولية. فالذي يجري لا يهم الحكومة وحدها بل يهم كل القوى السياسية وكل من يخشى أن يصيب هذا البلد أي مكروه، أو أن يلحق شعبه المسالم أي أذى.