نورالدين الخميري ألمانيا لقد اقتصرعمل الحكومات المتعاقبة قبل الثورة التونسيّة على بعث مقرّات للحزب الحاكم بالمهجرأطلق عليها اسم " الودادية " لتكون مركز استقطاب لأبناء الجالية ودعاية كاذبة لسياسات النظام البائد ، وظلّ المشهد الثقافي في عمومه مقتصرا على إحياء بعض الحفلات من حين لآخر ولمّا جاءت الثورة التونسية وضعت الدّولة الجديدة حدّا لحالة التشرذم والتشتت والتفرقة التي عاشتها الجاليّة التونسية بالمهجر على مدى عقود من الزمن وذلك بإيجاد مساحات ثقافية جديدة أطلق عليها اسم " دار التونسي " لاقت نجاحا نسبيا وصنعت مشهدا ثقافيا من خلال التفاعل مع كل الأحداث التي تمرّ بها البلاد وكانت دار التونسي بمدينة بون الألمانيّة إحدى الفضاءات المعبّرة عن إرادة حرّة في كسر السائد والنمطي على صعيد الحياة الثقافيّة بعد عقود من الجمود والقولبة الفكريّة والفنيّة ، غير أنّها رغم مرور ما يزيد على ثلاثة سنوات تقريبا على بعثها ظلّت الدار تفتقد لقانون أساسي ونظام داخلي يضبط صلاحياتها ويحدد أهدافها ورغم ذلك حرص أغلب النشطاء فيها على الحفاظ على حياديتها ودفع أبناء الجالية على استغلال مواهبهم الفكرية والثقافيّة وتشجيع الأجيال الجديدة على تعلّم اللغة العربيّة والتعريف بالمنتوج والسياحة التونسيّة من خلال بعض الأنشطة التي تقوم بها الدّار. كما نجح نشطاء الدّار وبإمكانيات متواضعة على تنظيم حفلات للموسيقى الملتزمة في بعض المناسبات وإحداث مسابقات في الفن التشكيلي وبث أفلام للهواة وتقديم دروس تدارك للتلاميذ و مناقشة مشاريع مهمّة لها ارتباطات بالتحول الذي تشهده البلاد كما حافظو خلال مسيرة الدار على أن تكون الدّار منبرا لكلّ التونسيين باختلاف مشاربهم ، لكنّ زيارة النائب عن ألمانيا السيّد حاتم الفرجاني المفاجئة مع وفد من نشطاء وقيادات نداء تونس لدار التونسي ببون بمناسبة أوّل لقاء تعارفي مع السيّد القنصل العام الجديد أخيرا أربك الأوضاع وخلق حالة من الفوضى والتشنج لدى أغلب المتدخلين لترأسه الجلسة مع السيد القنصل العام على اعتبار أنّ زيارة السيّد النائب كان من المفترض الإعلام عنها مسبّقا حتّى يتسنى لأبناء الجاليّة الحضور بكثافة ، كما كان من المفترض أن يكون اللقاء به في مكان عامّ تناقش فيه كلّ القضايا السياسيّة المرتبظة باحتياجات الجالية وتطلعاتها وكلّ ماهوّ متعلّق بهجرة الكفاءات ومستقبل سياسة الهجرة للإتحاد الأوروبي ومشروع المجلس الأعلى للهجرة وقانون المصالحة الماليّة وغير ذلك من المسائل التي تشغل بال التونسي والتي في أغلبها محل خلاف سياسي . بيد أنّ ما حصل وإن كنّا سنحمله على مبدأ الخطأ غير المتعمّد فإنّنا نتمنى أن تبقى الدّار بعيدة عن أيّ تجاذب حزبي أو سياسي قد يحول دون قيامها برسالتها الثقافيّة النبيلة التي بعثت من أجلها وتخلق حالة من الإنقسام العميقة ليس من السهل إعادة ترميمها إنّ أخطر ما فى هذه المرحلة ونحن أمام لحظة تاريخية فارقة تستدعي منّا جميعا استكمال مشروع كبير بدأناه بإسقاط نظام فاسد لإعادة بناء هذا الوطن على قواعد متينة وسليمة بعد محاولات التخريب التى دمّرت فيه كلّ الأشياء كان أخطرها وأهمها الإنسان التونسي أن ننتبه لما هو " يفصل وما هو ينقط " والمسافة الفاصلة بينهما نتمنى من الجميع فهم الرّسالة