أبو مازن صفاقس على وقع مسيرة ضخمة يوم الخميس القادم في عيد الثورة تطالب فيها بتفعيل قرارات الدولة السابقة في الحد من انتشار التلوث البيئي و غلق معمل تكرير الحامض الفوسفوري "السياب". ذاك هو النبأ العليم الذي تتناقله صفحات الفايسبوك و المواقع الاعلامية على النات و الاذاعات المحلية هذه الأيام آملين أن يكتب النجاح لهذه المسيرة. لقد دأبت مدينة صفاقس على التحرك الشعبي السلمي كلما أحست بدنو الخطر الداهم الذي يزعج امنها و خبز يومها وحياتها الحالمة. قد يدفعك الحدث لتتذكر ما روته كتب التاريخ عن السور العظيم و ملحمة المقاومة ضد غزاة الفرنجة و تذكرك أيضا بشهدائها علي بن خليفة و حشاد و شاكر وغيرهم ممن زهدوا في دمائهم وحياتهم لأجل دولة الاستقلال. قد يذكرك الحدث أيضا بمسيرة الثاني عشر من جانفي التي أربكت المخلوع وعجلت بهروبه و كذلك المسيرة الضخمة التي قادها أئمة المساجد لتضع حدا للعبث النقابي الداعي لاضراب وطني عام أثناء فترة حكم الترويكا. تلك هي صفاقس الهادئة في بضع سطور و تلك هي المدينة الحالمة ببنية تحتية تليق بسمعتها و بموقعها بين مدن تونس العزيزة. لكن الألم يقسم أن لا يبرح أرضها و بحرها وسماءها بعد أن تمكن منها لأكثر من ستين سنة فقضى على الشاطيء و على هكتارات شاسعة في قلب المدينة بقيت مهجورة وبدائية البناء. البيئة هنا في وضع ميئوس فالهواء ملوث جدا مهما ارتفعت مداخن المصانع والبحر ماؤه داكن لا تكاد تسكنه الأسماك. أمراض السرطان عفا الله الجميع نالت في مدينتنا من الصغير والكهل والمرأة والعجوز وجعلتهم فريسة للمصحات الخاصة والمستشفيات المختصة ليقضوا نحبهم بعد عذاب استئصال الورم و الأشعة والعلاج الكيمياوي. لا تكاد تسلم عائلة بعينها من حدث كهذا ترك اللوعة والألم في نفوس أيتام قدر الله أن يؤخذ عائلهم أو صدرهم الحنون بخبث المرض الذي ترعاه هذه البيئة المتعفنة. من أجل هذا يهبّ أهل المدينة الى تنظيم مسيرة ضخمة للإلحاح على التعجيل في انقاذ ما يمكن انقاذه بعد أن استفحل الأمر. لأجل هذا هبت جمعيات لتنظيم أمر كهذا فساندتها عديد الفعاليات الحقوقية والسياسية آملين في العودة الى الانظار بعد أن فرّط فيهم الاعلام وصاروا على هامش الحديث. تدافعت الجمعيات والفعاليات و شارك الرياضيون و ألصقت اللافتات الداعية لهذا الأمر في كل أرجاء المدينة حتى أضحى الموعد واعدا بضغط شعبي عال قد يجرّ صناع القرار في التفكير مليا في حق أهل المدينة في بيئة سليمة. لكن عدد من الفعاليات الحقوقية كفرع رابطة حقوق الانسان بالجهة وغيرها من الجمعيات التي قد تقاسمها الفكر والرأي ارتبكت لما اعلنت جمعية الخطابة دعمها لهذه المسيرة و نادت بالمشاركة فيها وتعزيز و توحيد الصف اذ أن الخطر لا يختار ضحاياه بل يأخذ الجميع على حين غرة فيعبث بصحتهم ثم يواريهم التراب. لقد رأيت بأم عيني من يقتلع اللافتات التي ألصقها بالأمس والحنق يكاد يقضي عليه. لقد توالت التغريدات والبيانات لتثني الناس عن المشاركة بعد التحاق جمعية الأئمة بقائمة الجمعيات المشاركة في المسيرة المنتظرة. هكذا يحاول البعض المزايدة السياسية على حياة الناس فيحاول شق صفوف الوحدة ليستفيد سياسيا فيحافظ على معارضته أو انضوائه ضمن الائتلاف السياسي الحاكم. كانت هذه الجمعيات المنزعجة من مشاركة جمعية الأئمة متواجدة طوال سنين وعقود ولكنها لم تغير واقع المدينة البيئي بل ربما كانت تشارك جهاز الحكم السطوة على صحة المواطن فتسكت لحال ملوث تفاقمت اخطاره و تستفيد من الدعم المادي المتأتي من هذه المنشآت. أما الجمعية المحتج عليها فهي وليدة الثورة لا زالت تخط السطور الأولى لعملها الاجتماعي والمدني و تضرب الموعد تلو الموعد في الحفاظ على السلم الاجتماعي و تجنيب المدينة مظاهر الاضطراب والفوضى. Publié le: 2016-01-12 08:56:54