بقلم: شكري بن عيسى (*) كما كان منتظرا لم يحد السبسي عن خطاباته المعهودة، وانحاز الى هوامش الحدث وتداعياته، على حساب جوهر الازمة والقى بالمسؤولية على الغير والتاريخ، بعد ان تأخر في الكلام لايام طويلة في وضع متفجر لا احد يمكنه ان يتنبأ بمآلاته. رئيس الجمهورية المسؤول عن الامن القومي والضامن للوحدة الوطنية، هرب الى الامام وقفز عن حقيقة الازمة والتفجر الحاصل في قرابة 14 ولاية، وعن اسبابها وخاصة مسؤولية الدولة رئاسة وحكومة فيها، السبسي تفصى من كل مسؤولية والقى بها يمينا ويسار في الداخل والخارج. السبسي غرق في تداعيات الازمة وركز على المخاطر الامنية من سرقات ونهب واعتداء على الممتلكات، ليبرر اعلان "حظر التجول" المعلن دون تحديد المدة من الثامنة مساء الى الخامسة صباحا بعد تذكيره بان "حالة الطوارىء" وهو الذي تم تمديده بشهرين في ديسمبر الفارط، منوها بالاداء الجيد للامن والحرس والجيش الذين لم يطلقوا اي رصاصة وضحوا بابدانهم وجعلوا من تونس "عودها قوي وصلب" على حد قوله. اعلى سلطة في البلد انتظر منه البعض (عبثا) تقديم خطاب طمأنة عبر وضع الاصبع على الداء، وعبر تحمل المسؤولية، ومن خلال تقديم حلول حقيقية وعاجلة للجهات التي تعاني، ولكن بعد ان اكد على شرعية التحركات الاحتجاجية التي تجد اساسها في الفقر والتهميش والبطالة، رمى السبسي بالمسؤولية على "الحالة الصعبة والبطالة الخانقة" التي وجدتها الدولة وقدر عددها ب700 الف، مضيفا قرابة التسعين الفا عن ارقام المعهد الوطني للاحصاء، قبل ان يركز على الفترة القصيرة للحكومة التي لم تتجاوز السنة. ودون ادنى اشارة الى الفساد والاخطاء الجسيمة لتعيين الحكومة لمسؤولين جهويين فاسدين بطريقة الولاء والمحاصصة، ودون ادنى اشارة الى القصور الكبير للحكومة بتقديم حلول جذرية وتفعيل "التمييز الايجابي" لفائدة الجهات الداخلية المحرومة من التنمية على غرار القصرين التي سجلت مؤشر تنمية جهوية ب 0.16 بفارق عريض عن تونس التي وصل مؤشرها الى 0.76، غرق السبسي في منطق نظرية المآمرة متحدثا عن "استهداف تونس في امنها واستقرارها"، مشيرا الى الخارج "داعش" معرجا على "الداخل" بحديثه عن "الايادي الخبيثة" التي وصفها بانها "هيجت الاوضاع" مهددا اياها بانهم "معروفين ومسجلين" منهم "احزاب مرخص لها" واخرى "غير مرخص لها". ولا ندري الحقيقة ان كان يقصد تورطها في اعمال اجرامية حقيقية او مجرد خطاب للاستهلاك الاعلامي، وفي كل الحالات فما كان مقبولا من رئيس الجمهورية حامي الدستور توجيه اتهامات دون ادلة واضحة وقطعية، والامر لم يقف عند هذا الحد فساكن قرطاج يبدو انه ممتعض من الاعلام الذي اكد الى وجود "فلتان مبالغ فيه" باستدعاء وسائل الاعلام لاطراف "اللي معروفين بزيادة الطين بلة" في حين كان مطلوبا منها في رايه ان تستدعي من "يريض الامور" دون استثناء وسائل الاعلام الاجنبية، في وصاية غير مقبولة بالمطلق للاعلام الذي يضمن حريته الدستور ويمنع كل رقابة قبلية عليه ولا يسمح الا للقضاء بذلك. وفي الاجراء الوحيد الذي قدمه كحل للانهيار الاجتماعي الحاصل في اغلب ولايات الجمهورية، دعا السبسي الحكومة لتقديم "مشروع قانون للتخفيف من وطأة البطالة" التي اكد انها "قادرة على التمويل"، لم يقدم اي اشارة الى سبب تأخر هذا الامر خاصة وان نداء تونس وعد بتوفير 90 الف موطن شغل سنويا واستثمارات على مدى خمس سنوات ب 150 مليار دينار، اتضح انها جوفاء، وكان مجرد وعد جديد بلا تقديم مساهمته في تقديم الحل والياته التنفيذية واجل تحقيقه ويبدو انه على الغالب سيكون مثل سابقيه. وامام تحرك عديد السفراء لمقرات الاحزاب والوزارات للاستفسار حول عجز الحكومة عن معالجة الاوضاع المتفجرة، كان لا بد من تقديم خطاب للاستهلاك الخارجي بان تونس "بخير" و"ستواصل التزاماتها"، وهو مجرد خطاب مرسل عام لا قيمة له خاصة ان الارتباك لاح مميزا لكيفية تعامل الحكومة والرئاسة مع الوضع والاسلوب الاتصالي كان مضطربا ولم توجد خريطة طريقة واضحة تقدم اجراءات جدية عاجلة واخرى جذرية لتقديم الحلول المستوجبة!! (*) قانوني وناشط حقوقي Publié le: 2016-01-23 13:14:34