سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحكمة تقتضي أن تلتقي كل الأطراف لإنضاج حدّ أدنى من التوافق الوطني الدكتور المنجي الكعبي البرلماني السابق:
اللجوء الى المخارج الدستورية اتسم بالغموض والمناورة
سعيا منها لفهم الواقع السياسي الجديد الذي فرضته ارادة الشعب من خلال اسقاطها رأس النظام السابق الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي اتصلت »الشعب« بالدكتور المنجي الكعبي الشخصية الوطنية المعروفة بمواقفها النضالية في مسارها الجامعي والنقابي وفي مسارها النيابي والسياسي حيث كان عضوا بمجلس الامة للمدة (1974 1979) وعضوا باللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الدستوري (1981 1986) وقد تم إقصاؤه من الحياة السياسية لموقفه المبكر الرافض لانقلاب 1987، حيث اعتبره في محاضرة فكرية له بأنه تحوّل لا يستند الى شرعية دستورية، كما تم محاولة إبعاده من التدريس في الجامعة لمواقفه الجامعية والنقابية الرافضة للانحرافات التي بدأت تظهر في الأداء السياسي للنظام الجديد، ممثلة في القرارات الاعتباطية التي اتخذها وزير التربية آنذاك محمد الشرفي. نتيجة كل هذه المواقف المبدئية التي أبداها الدكتور في مقالاته وتصريحاته وكتاباته فرضت عليه حالة من الحصار والعزلة والاستبعاد من كل التظاهرات الفكرية والثقافية والتعتيم على نشاطاته الفكرية واصداراته السياسية والنقدية للأوضاع التي سادت طيلة 23 سنة، ولعل من ابرز كتاباته المنشورة في هذا الصدد كتابه »السياسة والرئاسة في تونس« الصادر سنة 2003 وكتابه »تونس وآفاق السلطة التشريعية« الصادر سنة 2004، اضافة الى عديد المقالات التي نشرت له بالخصوص في جريدتنا »الشعب«، ومنها المقال الذي انتقد فيه بشدة تعديل الدستور من أجل ادخال استثناء في الانتخابات الرئاسية لأسباب سياسية تخدم مصلحة النظام وتبرر صيغة للتعددية السياسية الصورية. اتصلنا بالدكتور المنجي الكعبي لنوجه له جملة من الاسئلة علّه ومن خلال اجاباته ينير لقرائنا السبيل لفهم التحولات السياسية في البلاد. ❊ ما رأيك فيما حدث في البلاد مؤخرا؟ لا يمكن التوقف بعجالة للتعليق على شريط الأحداث منذ حادثة احتراق الشاب محمد البوعزيزي امام باب الولاية في سيدي بوزيد، ولكن من الأفضل ان لا نمرّ الى احداث تالية قبل ان نعلق على سوء تقدير جهاز الافتاء المتمثل في شخص مفتي الجمهورية، الذي ركّز فتواه حول انتحار الشاب دون ان يسميه ليقول لنا ان قضية الصلاة عليه وغسله أمر منكور لدى أفاضل الناس. فلو كان لدينا مجلس إفتاء فيه الرأي المخالف والمذهب المخالف وحسن تقدير الامور لظهرت على الاقل فتوى تحفظ ماء الوجه لأن التضحيات والشهادة في سبيل المبدأ لا يمكن بأية حال ان توصف بالانتحار او يعامل صاحبها معاملة المجرم والمنزّل منزلة مرتكب الكبيرة. ثم تسارعت الاحداث بعد ذلك لتأخذ طابعها الحقيقي كتجليات لثورة عارمة، انتفضت لها البلاد من اقصاها الى اقصاها. ولا يمكن ان نسمح في المستقبل لشخص يتولى المسؤولية النيابية عن الشعب ان يقول ولو بصفته كمؤرخ ان البوعزيزي ما هو الا شاب طائش، مثله مثل من يصف بالأفّاق الجاهل سلفه علي بن غذاهم، فهذا النوع من المسؤولين ليسوا مؤتمنين على رموز الأمة وهم أقل من ان يؤخذ برأيهم في فهم الاحداث الجارية او قراءتها قراءة تاريخية موضوعية. لم لا نقول ان الجميع فوجؤوا سواء في السلطة او المعارضة الى حدّ الارتباك وفقدان البوصلة مما زاد الوضع توترا وأخّر في حسم الوضع بصورة جذرية قبل ان تدخل البلاد في متاهة الفوضى واختلال الأمن. ❊ تقييمك لجملة المخارج والحلول الدستورية التي تم اتخاذها؟ ان الى حدّ انكشفت خفاياه بسرعة بعد أيام ان لم يكن بعد ساعات، وإن كان في تقديري ان الرجل الذي استند الى الفصل (57) في 7 نوفمبر للاستحواذ على السلطة دون شرعية واضحة كان يمكن تطبيق نفس الوضع عليه باستخدام العجز التام لا بمفهومه البدني ولكن بمفهومه الاجرائي المتمثل في عجزه عن السيطرة الكاملة على الوضع المتفجر في البلاد، الذي راعنا انه وفي غياب متممات الفصل (56) وقع الانقلاب على تولي رئاسة الجمهورية للوزير الأول بالتفويض والمرور مباشرة الى تطبيق الفصل (57)، وكان هذا مؤشرا على قيام صراعات ضمنية بين المتنفذين على المؤسسات الدستورية القائمة الأربعة وهي: الحكومة، مجلس النواب، مجلس المستشارين والمجلس الدستوري. وبدا الأمر كأن العملية السابقة كانت ثمرة صفقة بين طرفي السلطة التنفيذية، أي رئاسة الجمهورية والحكومة الممثلة في الوزير الاول، ولم يطل هذا الفصل المسرحي الا ليعقبه تطبيق الفصل (57) الذي أنتج حالة غريبة ولدت بدورها اشكالا لا دستوريا واضحا يتمثل في شرعية الحكومة التي بقيت دون رأسها، بمفهوم النظام الرئاسي الذي صاغه على مقاسه الرئيس السابق. وهنا تبيّن لرئيس مجلس النواب بعد توليه دستوريا رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة ان يبحث عن مخرج لوضع الحكومة الذي بقي معلقا بين ان تكون وقع حلّها وبين ان تكون قائمة بصفته غير مخوّل دستوريا لحلها ولا لحلّ مجلس النواب فتركزت كلمته التي توجه بها الى الشعب الى التفويض لنفسه بامتلاك كافة صلاحيات رئيس جمهورية ممارسا ممارسة كاملة للسلطة بعنوان الفصل (46) الذي يقضي بأنه في حالة خطر داهم على البلاد يهدد كيان الجمهورية وسلامة البلاد وأمنها. ❊ برأيك ما هي الحلول التي تراها ممكنة لتجاوز هذا المأزق القانوني والسياسي؟ وربطا مع تقديري للأمور كما بيّنت سابقا فان احتمال تنظيم انتخابات رئاسية حتى مع تقدير المدة الأقصى لها (60 يوما) أمر صعب الوقوع. وحتى بعدما تدرّج الامر الى اعلان قيامها في ظرف 6 شهور بقي لديّ احتمال ان لا تكون الأوضاع قد اصبحت تسمح بحلّ يفضي الى تغيّر الظروف لوضع سياسي يحل الصراعات القائمة ويجنّب البلاد استمرار الأزمة وتفاقمها ما قد يؤدي الى عواقب وخيمة على مستوى استعادة الدولة لهيبتها وعافيتها. وقد يتبيّن لي من خلال تصريحات بعض قيادات المعارضة، وتوجهات السياسيين الذين تبؤوا مناصب في الحكومة المؤقتة المزايدات القانونية والدستورية وضغط الشارع بمختلف مظاهره المتمثلة في مسيرات سلمية أو لوائح وبيانات أو توجهات اعلامية خارجية وداخلية توعز أو تمهد لهذا الحلّ أو ذاك الذي يخدم مصلحتها، تبين لي ان كل ذلك سوف لا يعجّل بإيجاد المخرج المناسب الذي يرضي جميع الاطراف، وقد تمثل ذلك بالخصوص في انقلاب المواقف داخل اطراف المعارضة التي تمثلت في الحكومة المؤقتة وارتفاع وتيرة الشروط والشروط المضادة للانخراط في عملية الانقاذ، ويبدو لي ان الشارع وربما أطراف من المعارضة المتحركة فيه لم تدع للسياسيين الوقت الكافي لانضاج مواقفهم والثبات على رؤية واضحة. وانساق الجميع أو جلهم في سياق لكسب المواقع، والتخفي وراء لغة الخطاب المزدوج والمناورات المعهودة والاحتكام الى ما يسمّى بقانون اللعبة وهو أمر تستنكره القواعد الشعبية وخاصة في بيئة لها تقاليد الكلمة الصادقة والموقف الصريح والثبات على المبدأ. وكانت الحكمة تدعو في مثل هذه الظروف ان تلتقي الاطراف المتنافسة على السلطة من جميع الآفاق لانضاج حد أدنى من التوافق الوطني القائم على مقومات الأمة الثابتة التي تكون في الوقت نفسه إشارة الى الشارع والى السياسيين المغالين في مزايداتهم، لوضع حدّ لآلام الجماهير التي أصبحت أقرب شيء الى نفض اليد من كثير من الرموز السياسية في المعارضة وفي السلطة القديمة. ❊ هل تتصور أن الحكومة المؤقتة بتركيبتها الحالية قادرة على إنجاز ما وعدت به؟ مع عدم قدحي في مواقف عدد من أعضاء الحكومة غداة تشكيلها والتي تذبذبت بين انسحاب وتعليق ونكوص، فإن نار الواقع الحار الذي أفرزها كشف عن معادن بعض أصحابها وتوجهاتهم الخفية من خلال توليهم السلطة الوقتية على سبيل إدامة الوضع بالنسبة إليهم، أو الارتقاء به الى ما هو أفضل. ولا يمكن ان تكون تلك التصريحات الصادرة عنهم هنا وهناك والتي في بعضها قلّة تقدير لمسؤولية الكلمة وتهاون بالاعتبارات المحلية والاقليمية والدولية، وربما تجاهل لمختلف مكونات المجتمع التونسي وطموحاته الحقيقية، اذ نحن أحوج اليوم أكثر من اي وقت مضى لمراعاة حق الجوار وصداقة الاصدقاء والتضامن الدولي بكل مكوناته، من منظمات أممية ومنظمات مجتمع مدني ولمراعاة اللوائح والاتفاقيات الأممية الموقعة عليها دولتنا. فلا ينبغي ان تغيب عن أذهاننا رمزية الاحداث ورمزية ما يشير إليها سواء في تعيين شخصيات لتولي مسؤوليات في الوزارة أو على رأس لجان للمحاسبة ولضبط السياسات أو لتقصّي الحقائق. ❊ كلمة أخيرة؟ الحكمة والتعقل مطلوبان من الجميع في هذه اللحظات الحرجة، ولا ينبغي ان يتأخر اي شخص من اي موقع كان عن تقديم التضحية دون حدّ الاحتراق بذاته كما فعل الشهيد محمد البوعزيزي.